مخاوف إيران من الرد الإسرائيلي
دور مصر المحوري.. دلالات زيارة وزير الخارجية الإيراني للقاهرة
تشهد منطقة الشرق الأوسط، صرعات لأطراف عدة، ويرجع السبب الرئيسي فيها، إلى العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، الذي مر عليه عام، من عملية «طوفان الأقصى»، التي قامت بها حركة حماس ضد المستوطنين الإسرائيليين، في السابع من أكتوبر العام الماضي.
العدوان على غزة، دفع الحوثيين لمهاجة السفن، العابرة من البحر الأحمر إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لتكوين تحالف، وتوجيه ضربات لمعقل الحوثيين في اليمن.
ضربة انتقامية
وتوسعت دائرة الصراع، عندما تبادل حزب الله اللبناني، وجيش الاحتلال الغارات والهجمات في منطقة جنوب لبنان، واتخذ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قرارًا بتوجيه ضربات موسعة للبنان، أدت إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، ومقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله.
وردًا على اغتيال إسماعيل هنية، في مقر تابع للحرس الثوري الإيراني، أطلقت إيران 180 صاروخًا على إسرائيل، وهو ما دفع دولة الاحتلال، للتفكير في الرد على إيران، والتلويح بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما يشير إلى أن المنطقة مُقبلة على حرب موسعة، تهدد أمن وسلامة شعوب المنطقة بأكملها.
تداعيات خطيرة
وحملت الزياة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني «عباس عراقجي»، اليوم الخميس، إلى مصر دلالات عديدة، حيث استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج.
وخلال اللقاء، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن الموقف المصري الداعي لعدم توسّع دائرة الصراع، وضرورة وقف التصعيد، للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة.
وذكر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن اللقاء ركز على استعراض التطورات الجارية بالمنطقة، حيث أكد الرئيس في هذا السياق ضرورة استمرار وتكثيف الجهود الدولية الرامية لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ووقف الانتهاكات والاعتداءات في الضفة الغربية، وإنفاذ المساعدات الإنسانية العاجلة والكافية لإنهاء المعاناة المتفاقمة للمدنيين.
الدور المصري
من جانبه، أعرب الوزير الإيراني عن تقدير بلاده للجهود المصرية المستمرة لتحقيق الاستقرار والأمن بالمنطقة، مشيداً بالدور المصري في ذلك الصدد على جميع المسارات. كما نقل وزير خارجية إيران تحيات وتقدير الرئيس "مسعود بزشكيان" للسيد الرئيس، وهو ما ثمنه الرئيس، وتم الاتفاق على أهمية استمرار المسار الحالي لاستكشاف آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين الدولتين.
وتعقيبًا على الزيارة، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد حجازي، إن زيارة وزير الخارجية الإيرانية للقاهرة، ضمن جولة موسعة بالإقليم، تتأتى في إطار حرص طهران على إيصال رسائل مباشرة، وعبر عواصم صنع القرار في المنطقة، لتصل عبرهم خاصة للولايات المتحدة، عن رؤية إيران لمخاطر المواجهة الحالية مع إسرائيل، وما يمكن أن تتعرض له المنطقة بأكملها من مخاطر في حال تزايد التصعيدالإسرائيلي، وردة فعلة المتوقعة وهو ما تدركه طهران جيدًا، مما دفع وزير الخارجية الإيراني للقيام بتلك الجولة المكوكية، لعدد من عواصم صنع القرار في المنطقة، للتحذير من مخاطر واحتمالات المواجهة وردة الفعل الإيرانية، خاصة لو تجاوزت إسرائيل الأبعاد الممكنة والمحتملة للضربة المتوقعة، والتي يجب أن تكون محسوبة، إلا سستدعي ردًا إيرانيًا شاملًا.
تطبيق القرار الأممي
وأضاف السفير حجازي، أن جولة وزير الخارجية الإيراني، ستتيح الفرصة لطهران لعرض تصورها للحراك الدبلوماسي المتوقع، في المرحلة القادمة، والذي سيشمل تطبيق القرار الأممي 1701، والذي يقضي بنشر أقوات الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق، على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وربما التطرق لمستقبل حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية مستقبلًا.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن لقاء الرئيس السيسي، مع الوزير الإيراني، دليلًا على أهمية وتقدير مصر لمخاطر المرحلة، وما يمكن للقاهرة القيام به لاحتواء المشهد وخطورته، وتقليل تداعياته المحتملة، بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية.
رسائل تحذير
وشدد على أن طهران تدرك كذلك دور ومكانة مصر، وجهودها في تهدئة الأوضاع، وتخفيف التصعيد الجاري واتصالات الرئيس السيسي، ووزير الخارجية الموسعة بمختلف الأطراف الإقليمية والدولية، ما يتيح للدبلوماسية المصرية لعب دور هام ومؤثر لدى مختلف أطراف الصراع، والتنبيه وإيصال الرسائل الهامة والتحذير من استمرار عنف إسرائيل، وتصعيدها الخطير والدور الأمريكي المتماشي دون ضوابط الممارسات الإسرائيلية، ودعمه ومده بالسلاح على مختلف الجبهات.
ويرى الدبلوماسي السابق، أن جولة الوزير الإيراني، هدفها الأول إرسال رسائل للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، من خلال تلك العواصم، بضرورة احتواء ردة الفعل الإسرائيلية على العملية التي نفذتها طهران في الأول من أكتوبر الجاري، والتي أطلقت فيها نحو 200 صاروخ على إسرائيل اعتبرتها ردًا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.
تحرك دبلوماسي
وأكد السفير حجازي، أن إيران تثبت من خلال تلك الجولة أنها غير راغبة في اشتعال المنطقة وترديها في حرب ضروس، لا يتصور أحد كيف يمكن إنهاؤها، فتحرك الدبلوماسية الإيرانية يأتي كمحاولة شرح موقفها وتأكيد رغبتها في عدم الدخول في صراع دموي مع إسرائيل.
ورجح د. حجازي، أن إيران تسعى لاحتواء الضربة الإسرائيلية وليس لمنعها، في ظل فهم إيران أن الرد الإسرائيلي «قادم لا محالة»، لكن طهران على حد وصفه «لن تسكت» إذا وجهت لها ضربة استراتيجية باستهداف برنامجها النووي أو مشروعاتها ومقدراتها النفطية، لكن يمكن لإيران أن تتحمل الضربة الإسرائيلية إذا وجهت لأهدف عسكرية داخل إيران.
قرار الحرب
ويرى الخبير الدبلوماسي، أن رسالة الضغط الأهم التي يسعى وزير الخارجية الإيراني، للحصول على دعم عواصم المنطقة فيها هى الضغط على الإدارة الأمريكية، لأنها هى الوحيدة التي يمكنها الضغط على إسرائيل بشأن دقة ومدى قوة ردها على إيران.
واعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة قرار الحرب الإسرائيلية ضد إيران، وأنه لا يمكن أن يكون قرارًا إسرائيليًا خالصًا لأن أي تصعيد بين طهران وتل أبيب هو بمثابة تهديد مباشر للمصالح الأمريكية في المنطقة بأثرها، وأن الأيام القادمة ستوضح عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة علي كبح جماح إسرائيل، أو أن إسرائيل تتصرف بتفويض من الولايات المتحدة وبالتنسيق معها، وأن انتقادات واشنطن الخجولة أحيانا لتل أبيب تأتي في إطار محسوب تستهدف من خلاله واشنطن أبعاد الخطر عن قواتها، حال توجيه إسرائيل ضربة استراتيجية لإيران.
صوت العقل
وأوضح السفير حجازي، أن الزيارة تأتي ضمن نطاق الدبلوماسية الوقائية المطلوبة في المرحلة القادمة، وفي إطار موقف واعي ومسؤول من كل الأطراف، لتقليل تداعيات المشهد في غزة وجنوب لبنان ليمتد بعدهما للمنطقة ومخاطبة صوت العقل، وإتاحة الفرصة لدبلوماسية إقليمية ودولية تضع نهاية ليس فقط للعنف المستمر، ولكن وضع أساس لعلاقات إقليمية قائمة على احترام السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخل، والأهم إطلاق مسار سياسي يقود لحل الدولتين.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، على أن الأمن والتنمية والتعاون الإقليمي، يستلزم تفاهما بين العواصم العربية والإقليمية الفاعلة، وأن الدعوة لتفاهمات إقليمية للأمن والسلم والتنمية في منطقة عانت شعوبها كثيرًا، ورغم ما تنعم به من ثروات مادية وبشرية واقتصادية، فإن التدخلات والاستراتيجيات الخارجية خاصة من قوى غربية بعينها، هي ما أبقت الشرق الأوسط في صراعاته واستمرار معاناة شعوبة.