خص القانون المصري هيئة قضايا الدولة،حماية المال العام والدفاع عن شرعية الحكم والإدارة في الدولة، فأسند إليها ولاية النيابة القانونية والدستورية عن الدولة بسلطاتها قاطبة أمام القضاء في الداخل والخارج لتكون حائلاً قانونياً منيعاً لصد كل معتدٍ على المال العام أو غادر بمصالح مصر وشعبها.
ويعود تاريخ هيئة قضايا الدولة المصرية إلى عام ١٨٧٤ ميلاديا حين أنشئت تحت اسم لجنة قضايا الحكومة بموجب فرمان أصدره نوبار باشا آنذاك، ومن ثم فهي تعد أعرق الهيئات القضائية من حيث النشأة حيث تم إنشاؤها قبل إنشاء المحاكم الوطنية عام ١٨٨٣ بحوالي ٨ سنوات .
هيئة قضايا الدولة المصرية
وتكاد تكون هي الهيئة القضائية الوحيدة التي يتسع نشاطها لكافة فروع القانون ومن أجل ذلك فقد أنشئت بها أقسام للمحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض والقضاء الإداري بكافة فروعه وقضايا الضرائب والقضايا المدنية الإبتدائية والجزئية والاستئناف العالي ومحكمة القيم والقيم العليا والمنازعات الخارجية والتعاون الدولي .
وتاريخ هيئة قضايا الدولة هو في حقيقته تاريخ مصر سياسياً وقضائيا وتشريعيا وفقهيا تتحدث عنه ملفات القضايا في تراثنا القضائي القديم والحديث، وسوف تظل هذه الملفات عنونا للفكر القانوني والقضائي المتجدد في سطور من نور، تاريخياً دافعت عن الدولة المصرية في ملف قضية صندوق الدين الأجنبي وعن السيادة الوطنية ، وكذلك قضية اللورد كار نلفون حول ملكية الدولة لأثار توت عنخ آمون ثم قضايا القطن الدولية في الخمسينات وقضايا الرأي العام المساندة لحقوق الشعب المصري في الإستقلال في ظل الإحتلال الأجنبي قبل ثورة 1952 ثم قضايا تأميم قناة السويس وقضايا التعويضات التي أقيمت ضد مصر أمام المحاكم الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وغيرها وقضايا الإصلاح الزراعي في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثم قضايا التحكيم الدولي التي تولتها الهيئة دفاعا عن الدولـة المصرية بالخارج والتي تقدر بمئات المليارات والتي جاءت لصالح الدولة المصرية وما زالت ممثلة في قسم المنازعات الخارجية والتعاون الدولي ،الذي يرأسه رئيس هيئة قضايا الدولة نظراً لأهميته وحساسيته، ذلك القسم الذي لم يخسر قضية تحكيم رفعت ضد الدولة المصرية بالخارج طوال السنوات السابقة حتي اليوم ، ويضم نخبة من المستشارين الأكفاء ممن يجيدون اللغات الإنجليزية والفرنسية وذلك لتولي الدفاع عن الدولة المصرية في الخارج في كافة التحكيمات الدولية التي تكون جمهورية مصر العربية طرفًا فيها.
هيئات التحكيم الدولية
وحيث تعرضت الدولة المصرية لهجمة شرسة في مجال القضايا والتحكيمات الدولية الإستثمارية أمام هيئات التحكيم الدولية والمحاكم الأجنبية حتى بلغ عدد تلك التحكيمات في الفترة السابقة ما يربو على 35 قضية دولية، نجحت الهيئة ممثلة في قسم المنازعات الخارجية والتعاون الدولي من حسم القضايا لصالح الدولة المصرية ، والتي أقيمت أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بواشنطن الأكسيد، وقضيتان أمام محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي – هولندا، وثلاث قضايا أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، بالإضافة إلى دعاوى أخرى مقامة أمام محاكم أمريكية وأوروبية.
وكانت من أهم القضايا التي تمكن فريق قسم المنازعات الخارجية والتعاون الدولي بهيئة قضايا الدولة من توجيه ضربة قانونية قاسمة وحاسمة ،بتقديم 50 حافظة مستندات فندت كل ما يجهض مزاعم الشركة الكويتية ومحاولات تضليلها لجهات الفصل.. ليكون 13 سبتمبر الماضي التاريخ النهائى لإسدال الستار على هذه القضية الأهم في تاريخ هيئة قضايا الدولة والدولة المصرية ، هذه القضية التي مثلها قسم المنازعات الخارجية تحت رئاسة المستشار عبدالرزاق شعيب رئيس هيئة قضايا الدولة وإشراف المستشار أحمد سعد عبد العاطي نائب رئيس قسم المنازعات الخارجية ، والمستشارة سلمى العلايلي، والمستشارة مها محمد مصطفى حسن، الذين نجحوا في تجنيب الخزانة العامة للدولة المصرية نصف تريليون جنيه واسترداد 26الف فدان بالعياط لتضاف هذا النجاح التاريخي الي رصيد نجاحات هيئة قضايا الدولة فبموجب الأحكام الصادرة لصالحها في الفترة من 1 يناير 2011 حتى 30 يوليو 2023، مبلغ 11.827.572.150 دولار أمريكي، ومبلغ 410.000.000 يورو، ومبلغ 601.654.906 ين ياباني، وتعادل هذه المبالغ 396.047.112.367 جنيه مصري، (ثلاثمائة وستة وتسعون مليار وسبعة وأربعون مليون ومائة وأثنى عشر ألف وثلاثمائة وسبعة وستون جنيه).
وعلى قــدر ما أخذته هيئة قضايا الدولة من صفحات التاريخ المجيدة وما سطرته في أعمالها الخالدة في مجالات الفقه والتشريع والسياسة والقضاء فقد كان طبيعيا أن ينال نصها الدستوري عقب ثورتي 25 ينايـر و30 يونيو كل هذا الحجم الهائل من الإهتمام والصراع والمجادلة فهي الأمينة على حقوق الدولة وأموال الشعب فهي ليست خصماً لأفراد المجتمع وليست محامياً للحكومة كما يصورها البعض بل هي ضمانة لتحقيق العدل بين الدولة والأفراد فهي تحاكم الدولة قبل أن يحاكمها القاضي دفاعا عن الحق والمال العام الذي هو مال الشعب .
ويجيد أعضاء هيئة قضايا الدولة مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في الدستور، فهم يكبحوا من جماح الدولة بسلطاتها قاطبة فيوقفوها أمام منصة القضاء شأنها شأن خصومها من أفراد الشعب، الأمر الذي يزيد من جلال أعضاء تلك الهيئة الموقرة.
وقد كان للعديد من العظماء شرف الإنتماء إلى هيئة قضايا الدولة قاسم أمين، والمستشار الدكتور عبدالرازق السنهوري، والمستشار الدكتور عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، وسعد زغلول والدكتور إدوارد غالي الذهبي، والدكتور عصمت عبد المجيد أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، وغيرهم الكثير ممن كان لهم بالغ الأثر في تطور الحياة القانونية والسياسية في مصر والوطن العربي والعالم.