"أقينجي" كشفت عملية "دبور الجحيم":
ما بين طهران وواشنطن وتل أبيب.. من قتل رئيسي وعبد اللهيان؟
كفن التناقض والغموض والاستفهام مصرع أو مقتل أو اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال شرقي إيران.. ووجهت أصابع الاتهام لطهران وتل أبيب وواشنطن بمشاركة باكو الصامتة التي لم تظهر على الساحة الإعلامية خلال عمليات البحث عن رئيسي ورفاقه.
في صباح 19 مايو 2024 زار إبراهيم رئيسي الساداتي رفقة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المسئولين، مِنطقةَ الحدود مع أذربيجان، حيثُ لقي رئيس أذربيجان إلهام علييف لافتتاح مشروع سد هناك..
رحلة الذهاب كانت عبر ثلاث طائرات عادت أثنين ولم تعد المروحية التي كانت تقل رئيسي وعبد اللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز آیة الله آل هاشمي، وبعض المسؤولين الآخرين، وبعد عملية بحث دامت قرابة نصف يوم أعلن العثور على حطام الطائرة وجثة رئيسي وعبد اللهيان والمرافقين قرب مدينة جلفا على الحدود مع أذربيجان.
هل قتلت طهران رئيسها؟
بعد ثلاث ساعات من الإعلان عن فقدان طائرة رئيسي عقد اجتماع بمقر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي لوضع الترتيبات الخاصة لما بعد الإعلان عن تحطم الطائرة ووفاة الرئيس ووزير خارجيته..
وعقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعا طارئا عقب الحادث لبحث الموقف، إلا أن وكالة "تسنيم" الدولية للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني ووفقا لمصدر مطلع نفت عقد اجتماعا طارئا عقب الإعلان عن الحادث.
ورافق تلك الاجتماعات والإعلان عن فقدان طائرة رئيس الدولة تضارب التصريحات حيث أعلن التليفزيون الرسمي الإيراني أن أفرادا داخل المروحية على قيد الحياة، وذلك وفقا لبيان الرئاسة الإيرانية التي أعلنت تلقيها نداءات استغاثة من مروحية الرئيس وهو البيان الذي تناقلته وسائل الإعلام العربية والدولية نقلا عن وسائل الإعلام المحلية الرسمية.
المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني محسن منصور قال لوكالة تسنيم تواصلنا عدة مرات مع أحد أفراد طاقم المروحية وأحد الركاب الذي لم يحدده، مؤكدا استمرار عمليات البحث حتى شعاع كيلو مترين من منطقة الحادث وأتمنى أن تصل أخبار سارة للمواطنين في أقرب وقت.
وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي صرح للإعلام الإيراني "أنهم تواصلوا مع مرافقي الرئيس لكن ظروف المنطقة معقدة وتعيق بعض الاتصالات، موضحاً أن الاتصال أنقطع مع المروحية الساعة الواحدة والنصف وبعدها تم التواصل عدة مرات مع أحد الركاب وأحد أفراد طاقم الطائرة.. وأنه تم إرسال فرق الإنقاذ لمنطقة المروحية لكن بسبب الظروف الجوية القاسية قد يستغرق الأمر بعض الوقت للوصول للطائرة".
عمليات البحث تتواصل وهنا يطرح سؤال لماذا لم تطلب طهران المساعدة من دول الجوار الحليفة وهي روسيا والصين؟
في حين كشف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن إيران طلبت من واشنطن المساعدة في عمليات البحث عن الرئيس وإنقاذه لكن الظروف اللوجستية حالت دون ذلك.
تركيا على خط الإنقاذ دخلت تركيا على خط البحث عن رئيس الدولة ووزير خارجيته المفقودين بإرسال طائرة بدون طيار مجهزة بمعدات رؤية ليلية.
الطائرة التركية "أقينجي" حددت مصدر الحرارة المشتبه بأنه من حطام المروحية التي يطلق عليها "دبور الجحيم" وسط منطقة جبلية على بعد 3 كيلو مترات قرب قرية “توال" شمال غرب إيران.. على الفور أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية أن فرق الإنقاذ أمامها نصف ساعة وتصل للمكان المحدد.
وفي خبر عاجل تعلن وكالة فارس للأنباء فشل فرق البحث في العثور على حطام "دبور الجحيم" وفقا لإحداثيات "أقينجي" ويعلن رئيس الهلال الأحمر الإيراني حسين كوليفاند وصول فرق البحث للمكان دون العثور على شيء، لأن قوات الجيش الإيراني أخطأت في رائحة وقود السيارات ورائحة وقود المروحيات. قرب الساعة السادسة من صباح يوم الاثنين 20 مايو 2024، يكشف كوليفاند العثور على حطام المروحية على ارتفاع 2500 متر، بحضور أكثر من ألفي شخص يمثلون الهلال الأحمر والحرس الثوري الإيراني والباسيج والجيش والإطفاء وإدارة الأزمات والطوارئ.
ويقول كوليفاند في حديث للتلفزيون الإيراني إنهم “لم يحصلوا على أي مساعدة خارجية، وأن عمليات البحث وتحديد الهوية تمت بالكامل من قبل قوات الإغاثة الإيرانية ولم تكن لدينا أية مساعدة خارجية”، معتبراً الحديث عن وجود مساعدة خارجية للوصول إلى الطائرة والتعرف على الجثمان بأنها “إشاعة”.
ويكشف وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، يوم الإثنين، أن نظام الإشارة للطائرة الهليكوبتر، التي تحطمت وهي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، لم يكن مفعلا، أو أن الطائرة لم يكن لديها مثل هذا النظام، لأن الإشارات لم تظهر.
نظرية المؤامرة الطهرانية
المتابعون للشأن الإيراني تأخذهم الريبة والشك لعدم اقتناعهم بتبريرات حادث سقوط طائرة الرئيس الذي من المفترض أن تكون طائرته كمثل طائرة أي رئيس دولة في العالم مزودة بأجهزة إنذار ورادار حول الطقس، وكذلك استخدام رئيسي وعبد اللهيان أجهزة هاتف تعمل بالأقمار الصناعية في كل المواقع ومختلف الظروف المناخية كعادة رؤساء الدول وقياداتها العليا، فضلا عن قيام قائد الطائرة بتشغيل أجهزة الإنذار وإرسال رسالة استغاثة.
ويتسأل المتابعون لماذا تم اختيار مسار مروحية الرئيس عبر منطقة تتميز بمناخ مضطرب طوال العام"؟" ولماذا وصلت المروحيتين المرافقتين إلى تبريز دون مشاكل "؟"، فضلا عن التصريحات المتناقضة والمتضاربة بشأن تم التواصل ثم فقدان التواصل، والهبوط الاضطراري الفاشل ثم السقوط في مكان وعر جداً ومرتفع جداً أيضاً.
المتابعون يرون أنه مؤامرة داخلية نتيجة الخلاف بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ الذي ما زال مهيمنا وتوجد داخله أجنحة متصارعة أيضاً.. لإبعاد الرئيس إبراهيم الرئيسي الساداتي عن المشهد الإيراني، لأنه المرشح بقوة لخلافة المرشد العام الذي قد تسيئ حالته في أية لحظة لتجاوزه الـ 85 عاما ويُعاني كثيراً من الأمراض، كما أنه الرئيس الوحيد الذي في عهده وصلت الصواريخ الإيرانية للأراضي الإسرائيلية بشكل مباشر..
أما عبد اللهيان الذي يوصف بأنه "قاسم سليماني الدبلوماسية الإيرانية" يُعرف بقربه من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وحركات المقاومة في غرب آسيا، وبرز دوره في طرح التصورات الإيرانية في مواجهة التصورات الأمريكية في المحافل الدولية كما أنه أحدث زخماً للخارجية الإيرانية بإقامة علاقات قوية بنظرائه بالدول الأخرى وهو منفتح أيضا على كافة الأحزاب والتيارات السياسية كما أنه لعب في الفترة الأخيرة دوراً كبيراً في موضوع حرب غزة..
شيء ما في حادث "دبور الجحيم"
شيء أخر يلفت الانتباه ويتوافق مع نظرية المؤامرة الداخلية، أنه قبل 48 ساعة من الحادث أي يوم 17 مايو 2024، أفاد موقع أكسيوس الأمريكي وصحيفة “أرمان أمروز" الإيرانية بعقد مباحثات غير مباشرة وصفت بالمصيرية بين ممثلين عن الإدارة الأمريكية وإيران لمناقشة إحياء الاتفاق النووي لإنهاء مرحلة الجمود ولو عبر ما وصف بالعقد المؤقت، ومناقشة الصراعات الإقليمية على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعيات ذلك على دول المنطقة والعالم.
وفي ذلك السياق تسعى طهران لإبداء مرونة تجاه إدارة بايدن تحسبا لعودة ترامب صاحب الأجندة الصارمة ضدها للبيض الأبيض وفي المقابل يرغب بايدن في تحقيق إنجاز دبلوماسي مع إيران يغطي على انحيازه الكامل لإسرائيل ويعرقل وصول ترامب للسلطة.. وهو ما يتطلب (من الجائز) عدم وجود رئيسي وعبد اللهيان لموقفهما المتشدد من إسرائيل وصراعها مع المقاومة الفلسطينية والعربية.
إسرائيل الحاضر الغائب
تذهب فرضية وقوف إسرائيل وراء الحادث مستندة إلى إمكانية قيامها بالتشويش الإلكتروني والتلاعب بوسائل الاتصال على الطائرة عبر أراضي أذربيجان المتحالفة جذريا مع إسرائيل التي سبق لها الوقوف خلف أحداث كثيرة غامضة داخل إيران منها سرقة الأرشيف النووي الإيراني واغتيال أبو المشروع النووي في عام 2020 محسن فخري زاده، وحوادث تفجير بعض المراكز النووية. واستخدام المرشد الأعلى لعبارة استشهاد خلال تقديم تعازيه لرئيسي وعبد اللهيان، معلنا الحداد العام خمسة أيام، ما فتح باب التكهّنات إذا كانت الحادثة مُدبرة وتحديدا من إسرائيل لتستحق الواقعة وصف خامنئي مقتل الرئيس فيها بالاستشهاد، أم أن توصيفه جاء في سياق وقوع الحادثة أثناء تأدية الرئيس رئيسي واجبه والسياقات الدينية لها.. فيما نفت إسرائيل من خلال تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية منسوبة لمسئولين كبار، وجود علاقة لها بالحادث.
أمريكا المتهم الشرعي
وتبقى أمريكا المتهم الشرعي للحادث فقد أتهم وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف الولايات المتحدة الأمريكية، بالتسبّب في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لفرضها عقوبات على إيران، تمنعها من استيراد الطائرات، وقطع الغيار والصيانة للطائرات، ومن بينها المروحية الأمريكية الصنع التي كان يستقلها رئيسي، وهي من طراز بيل-212..
ومن جانبها نفت واشنطن وجود علاقة لها بالحادث، ووصفت توجيه الاتهام لها ولإسرائيل بأنه محط سخرية، وقال وزير الدفاع الأمريكي لا علم لدينا بأسباب الحادث وننتظر ما تكشف عنه طهران التي بدأت التحقيق في الحادث.
وما يثير الشكوك بشأن حادث طائرة "دبور الجحيم" أن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي أعلن عن إجراء تحقيق لتحديد الأسباب الحقيقية لتحطم طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي الساداتي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان و7 مرافقين.