فتوي عمرها 115 عاما
الأزهر الشريف يدين مذابح الأرمن ويمحو عار جرائم الدولة العثمانية عن الإسلام
قبل 115 عاما، أدان الأزهر الشريف مذابح الأرمن التى راح ضحيتها مئات الألاف من المسيحيين علي يد القوات النظامية التركية، وهي الإدانة التى محا بها الشيخ سليم البشري عار المذابح العثمانية عن الإسلام.
سبقت إدانة الأزهر الشريف لمذابح الأرمن عام 1909، إدانة الكنيسة المصرية لها، فقد كانت مصر في طليعة الدول التي نددت بالجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق الأرمن.
فالمذابح التي جرى تنفيذها عبر خطة ممنهجة في عصر السلطان عبد الحميد الثاني حاولت إثارة المسلمين باسم الإسلام ضد المسيحية استغلالا لجهل الناس بأحكام الدين الصحيح، وهو ما تصدي له الأزهر الشريف وقتها، وصدرت فتوى الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر في 26 أبريل 1909، والتي حرم بمقتضاها إراقة دماء المسيحيين من الأرمن وخاصة في إقليم أضنة.
وقال شيخ الأزهر الشريف في الوثيقة: طالعتنا الصحف المحلية بأخبار محزنة وشائعات سيئة عن مسلمي بعض ولايات الأناضول من المماليك العثمانية، وهى أن بعضهم يعتدون على المسيحيين فيقتلونهم بغيا وعدوانا، فكدنا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الشائعات ورجونا أن تكون باطلة، لأن الإسلام ينهى عن كل عدوان ويحرم البغي وسفك الدماء والإضرار بالناس كافة، المسلم والمسيحي واليهودي في ذلك سواء، فيا أيها المسلمون في تلكم البقاع وغيرها احذروا ما نهى الله عنه في شريعته الغراء، واحقنوا الدماء التي حرم الله إهراقها ولا تعتدوا على أحد من الناس فإن الله لا يحب المعتدين.
وحذر شيخ الأزهر الشريف ، المسلمين في تركيا من مخالفة الشرع، قائلا: يا أيها المسلمون الله الله في دينكم وإياكم وما حظر عليكم ربكم في كتابه وسنة رسوله، والفسوق عن أمره والنزول على ما فيه غضبه وسخطه، إن الذين عاهدوكم والمستأمنين لكم والذين جاوروكم من أهل الذمة بينكم حقا من الله تعالى في رقابكم أن تستقيموا لهم ما استقاموا لكم، وأن تمنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأن تجعلوا لهم من بأسكم قوة لهم، ومن قوتكم عزة ورخاء، وأن تكفوا عن أديرتهم وكنائسهم وبيعهم ما تكفون عن مساجدكم ومعابدكم.
وأكمل الشيخ سليم البشري: لا والله ما داس امرؤ حريمهم ووضع السيف فيهم وبنى عليهم، إلا كان ناقضا لما أخذ الله على المسلمين من عهد وأوجب عليهم من أمر، فيا أيها المسلمون لا تجعلوا للعصبيات الجنسية سلطانًا عليكم.
واختتم الشيخ البشرى فتواه بإدانة مذابح الأرمن بالحديث الشريف: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة 40 عاماً.
وبحسب مصادر تاريخية فإن الفتوي التى حملت توقيع الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، والتى أكدت علي تحريم قتل الأرمن على يد الأتراك، لافتة إلي أن تلك الممارسات تلحق العار بالإسلام، فقد تم ترجمتها إلى اللغة التركية، وطبع منها المحامي المصري حسن باشا صبري 25 ألف نسخة، وأرسلها لبر الأناضول بالتلغراف على نفقته الخاصة غيرة منه على الإسلام.
مذابح الأتراك ضد الأرمن
وتعود قصة مذابح الأرمن بحسب معظم المصادر التاريخية، إلى عام 1876 عقب تولي السلطان عبد الحميد الثاني الحكم، بالتزامن مع مطلب بإصلاحات دستورية في الدولة العثمانية والمساواة بين الملل والعرقيات الخاضعة لحكمها، وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان للأرمن مكانة في تركيا، حيث ضمت الحكومة العثمانية 23 وزيراً منهم.
إلا أن السلطان عبد الحميد طرح فكرة الجامعة الإسلامية لاستعادة السيطرة علي الدول الاسلامية التى كانت تابعة لحكم العثمانيين.
ومع هذا الطرح أصبح الأرمن عنصراً مخالفاً للفكرة والتوجه، وبدأوا في الضغط والمطالبة بإصلاحات في الولايات التي يقيمون ويتركزون فيها، وهي "فان" و"أرضروم" و"بتيليس" و"معمورة العزيز" و"ديار بكر"، وساندهم في ذلك روسيا التي استغلت مطالبات الأرمن للضغط على العثمانيين والوصول للمياه الدافئة في مضيقي البوسفور والدردنيل، كما ضغطت بريطانيا للحصول على نصيب في الكعكة وساندت الأرمن بالفعل وحصلت على ما أرادت.
وبسبب تدخل الروس وتزايد مطالبات الأرمن، نشبت الحرب الروسية العثمانية عام 1877، واستمرت لمدة عام، وانتهت بهزيمة العثمانيين، وبعدها تم توقيع معاهدة سان ستيفانو، وحصل الأرمن لأول مرة في تاريخهم على المادة 16 التي تقضي بقيام الدولة العثمانية بعمل إصلاحات في الولايات الأرمينية وبإشراف روسي.
بعدها أسس السلطان عبد الحميد ما عرف بالفرق الحميدية، وهي فرق أو ميليشيات مسلحة مكونة من الأكراد، وبدأ السلطان في تغذية أفكارهم بأن الأرمن "كفار"، ويشكلون خطراً على الدولة الإسلامية والجامعة الإسلامية. وهنا بدأت المذبحة الأولى، ووقعت بين تلك الفرق والأرمن في الفترة ما بين عام 1894 وحتى عام 1896، وراح ضحيتها ما بين 100 ألف إلى 150 ألفا.
وسميت هذه المذبحة بالمذبحة الحميدية نسبة للسلطان عبد الحميد، وبسببها أطلق عليه في وسائل الإعلام الغربية السلطان الأحمر نسبة للدم.
أرسلت الدول الكبرى إنذارات وتهديدات للسلطان الذي ألغى مشروع الجامعة الإسلامية وطرح الأحرار العثمانيون فكرة العثمنة أو الرعوية العثمانية، وهي التي استغلها اليهود في الدخول وشراء الأراضي الفلسطينية، وتغاضي عنه السلطان العثماني لتمرير مشروعه.
وكان أقطابهم ينشرون بجوار هذه الصور معسكرات اليهود في أوروبا وروسيا للمقارنة، ويكتبون تحتها هنا شعب بلا وطن وهناك وطن بلا شعب، وكان هذا هو النواة الأولى لمشروع وعد بلفور.
ميلشيا المتوحشين في تركيا
أرغم السلطان عبد الحميد على إعلان الدستور عام 1908 بعد ضغوط من حزب الأحرار العثمانيين بقيادة صباح الدين محمود باشا، أعقبه خلع السلطان.
وحدثت صراعات بين أنصاره ممن أطلق عليهم الرجعيون، وأعضاء الأحرار الدستوريون، وفي أثناء تلك الصراعات، وقعت مذبحة الأرمن الثانية عام 1909وراح ضحيتها 30 ألف مسيحي، غالبيتهم من الأرمن.
عقب تلك الأحداث، خرجت في تركيا فكرة جديدة لجمع ما تبقى من الدولة، فتم اقتراح عمل دولة تركية نقية الدماء والتخلص من كافة الملل الأخرى وتهجيرها.
وعقب اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، بدأ العثمانيون تنفيذ الفكرة مستغلين انشغال العالم كله بالحرب، وبدأت حملات تهجير الأرمن قسراً، وأطلقت السلطات كافة المسجونين ممن أطلق عليهم المتوحشون، وشكلت منهم ميليشيات لمرافقة الأرمن المهجرين إلى حلب في سوريا وخلال تلك الرحلة، ارتكبت أفظع الجرائم الإنسانية.
سار الآلاف من الأرمن على أقدامهم في ظروف قاسية، دون طعام أو شراب، إلى حلب، وتسابق المتوحشون من الميليشيات العثمانية إلى بقر بطون الحوامل من النساء والرهان على نوع الأجنة في بطونهم، وقتل من يتوقف منهم عن السير طلباً للراحة.
ارتكبت مذابح وثقها محام سوري يدعى فايز الغصين كان في تلك الأثناء منفياً، وفي طريقه للمنفى شاهد بعينيه تلك الفظائع وجمعها في كتاب له أطلق عليه "المذابح في أرمينيا"، صدر عام 1917 ونشرت مقتطفات منه صحيفة "المقطم" المصرية.
وبلغ عدد الضحايا في تلك المذابح مليونا ونصف المليون بحسب الأرقام التي أعلنها الأرمن، بينما قالت الحكومة العثمانية إن العدد لا يتجاوز 700 ألف أرمني، وفى كل الأحوال فقد أدانها الأزهر الشريف .