ذكرى هزيمة الصليبيين
6 إبريل .. يوم مجيد في تاريخ المقاومة المصرية
6 إبريل هو أحد اعظم الأيام المصرية التي سجلها التاريخ، ذلك اليوم الذى هزم فيه المصريون الحملات الصليبية وقاموا بأسر الملك لويس التاسع في دار ابن لقمان بمدينة المنصورة.
بدأت المعركة في المنصورة ، من 8 إلى 11 فبراير من سنة 1250م بين القوات الصليبية بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، الذي عرف بالقديس لويس فيما بعد، وقوات الملك الصالح أيوب أسفرت المعركة عن هزيمة الصليبيين هزيمة كبرى منعتهم من إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر ووقوع الملك لويس التاسع أسيرًا في قبضة المصريين، وكانت بمثابة نقطة البداية التي أخذت بعدها الهزائم تتوالى عليهم حتى تم تحرير كامل الشام من الحكم الصليبي.
في تلك الأثناء كان الصليبيون يروجون شائعة في أوروبا تزعم أن الملك لويس التاسع هزم سلطان مصر في معركة تمكنوا من خلالها السيطرة على القاهرة.
وبعدما وصلت أنباء هزيمة لويس التاسع ووقوعه في الأسر ذهل الناس في فرنسا وأصيب الفرنسيون بالصدمة .
ونشأت حركة هستيرية عرفت باسم حملة الرعاة الصليبية تسببت في قتل قساوسة ورهبان في فرنسا وإلقائهم في نهر السين بحجة عدم مساعدتهم للويس الأسير.
هزيمة الفرنسيين بغزة
قبل اسر لويس فى 6 إبريل، وقبل هذه المعركة بسنوات، وفي 17 أكتوبر 1244ميلادية شن الصليبيون هجوماً برياً ضخماً على مصر، ولكنهم هزموا هزيمة منكرة عند غزة، انتهت بهزيمة الصليبيين وحلفائهم هزيمة كبرى، مما مكن المسلمين من فرض سيادتهم الكاملة على بيت المقدس وبعض معاقل الصليبيين في الشام.
كان لسقوط بيت المقدس في أيدي المسلمين صدى قوي في أوروبا يشبه صدى سقوطها في يد صلاح الدين الأيوبي في سنة 1187م، مما جعل الأوروبيين يدعون إلى قيام حملة صليبية كبيرة تمكنهم من استعادة بيت المقدس، وكان ملك فرنسا لويس التاسع من أكبر المتحمسين للحملة الجديدة.
فقد كان الصليبيون يُدركون أن مصر التي صارت تمثل قلعة الإسلام وترسانته العسكرية ومصدر القوة البشرية الرئيسي للمسلمين، هي العائق الرئيسي الذي يعترض طموحاتهم لاسترجاع بيت المقدس، وأنهم لن يتمكنوا من احتلال كل الشام وبيت المقدس دون السيطرة على مصر أولاً.
وفي نوفمبر من عام 1244م، مباشرة بعد هزيمة الصليبيين عند غزة، قام بطريرك بيت المقدس بإرسال القس جاليران أسقف بيروت إلى ملوك وأمراء أوروبا يطالبهم بإرسال إمدادات عاجلة إلى الأراضي المقدسة لمنع سقوط مملكة بيت المقدس بالكامل في أيدي المسلمين.
أثناء انعقاد مجمع ليون الكنسي الأول، في عام 1245 وبحضور روبرت بطريرك بيت المقدس، منح بابا الكاثوليك إينوسينت الرابع تأييده الكامل للحملة الصليبية السابعة التي تحمس لها لويس التاسع ملك فرنسا وكان يحضر لها، وقام بطريرك الكاثوليك على إثر ذلك بإرسال كاردينال فراسكاتي للترويج للحملة في كافة أنحاء فرنسا، وفُرضت ضرائب على الناس لتمويلها، ووافقت جنوة ومرسيليا على الاضطلاع بتجهيز السفن اللازمة، أما البندقية فقد فضلت عدم المشاركة بسبب علاقاتها التجارية الواسعة مع مصر.
كان من أهداف الحملة الصليبية السابعة، هزيمة مصر لإخراجها من الصراع، والقضاء على الدولة الأيوبية التي كانت تحكم مصر والشام، وإعادة احتلال بيت المقدس، لتحقيق ذلك، جهز الصليبيون الحملة بتأنٍ في ثلاث سنوات، وحاولوا إقناع المغول بالتحالف معهم ضد المسلمين حتى يتمكنوا من تطويق العالم الإسلامي من المشرق والمغرب مما يصعب على مصر القتال على جبهتين في آن واحد فيسهل عليهم الإطاحة بالعالم الإسلامي بضربة واحدة، ولكن التحالف لم يكتمل.
في 25 أغسطس 1248م، أبحر لويس التاسع في أسطول ضخم يتكون من نحو 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم.
أراد الملك لويس التوجه مباشرة إلى مصر لكن مستشاريه فضلوا القيام بوقفة تعبوية لتجميع كل السفن والمقاتلين قبل التوجه إلى مصر، فتوقف بجزيرة قبرص، حيث انضم إليه عدد كبير من بارونات سوريا وقوات من فرسان المعبد، المعروفون بالداوية، والاسبتارية التي قدمت من عكا تحت قيادة مقدميها.
توقف الحملة الصليبية في قبرص أدى إلى تسرب أنبائها إلى مصر قبل وصول سفنها إلى المياه المصرية، وهو ما منح السلطان أيوب فرصة للاستعداد وإقامة التحصينات.
في مايو عام 1249م ركب لويس سفينته الملكية، وأمر باروناته باتباعه بسفنهم إلى مصر فأبحرت السفن من ميناء ليماسول القبرصي، وأثناء التوجه إلى مصر وقعت عاصفة بحرية قوية تسببت رياحها في جنوح نحو 700 سفينة من سفن الحملة إلى عكا وسواحل الشام. كان ضمن المقاتلين على متن السفن الجانحة نحو 2100 من فرسان لويس التاسع الذين كان مجموعهم نحو 2800 فارس، فتوقف لويس لوقت قصير في جزيرة المورة اليونانية، ثم أبحر جنوباً صوب مصر.
احتلال دمياط بالكامل
أما في مصر فقد كانت أنباء عزم الفرنج على مهاجمة مصر قد وردت، فعاد السلطان الصالح أيوب من الشام إلى مصر على محفّة بسبب مرضه الشديد، في أبريل عام 1249م عند قرية أشموم طناح، على البر الشرقي من الفرع الرئيسي للنيل، وأصدر أوامره بالاستعداد وشحن دمياط بالأسلحة والأقوات والأجناد، وأمر نائبه بالقاهرة الأمير حسام الدين بن أبي علي بتجهيز الأسطول، وأرسل الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ على رأس جيش كبير ليعسكر في البر الغربي لدمياط حتى يواجه الفرنج إذا قدموا.
دخلت سفن الفرنجة المياه المصرية ووصلت شاطئ دمياط في 5 يونيو 1249، و بدأ إنزال القوات الصليبية على بر دمياط. كانت القوات تضم نحو 50,000 مقاتل وفارس. أقيمت للويس خيمة حمراء كبيرة على الشط، ونشب قتال عنيف بين المسلمين والصليبيين انتهى بتراجع المسلمين.
وفي المساء انسحب الأمير فخر الدين يوسف إلى معسكر السلطان في أشموم طناح، بعد أن ظن أن السلطان قد فارق الحياة لأنه لم يرد على رسائله التي بعث بها إليه بالحمام الزاجل.
ترك فخر الدين دمياط خلفه بكل مافيها من سلاح ومؤونة وأقوات، ففزع السكان وفروا هم أيضاُ منها وخلفهم العربان الذين كانوا قد وضعوا في المدينة للمشاركة في حمايتها. فعبر الجنود الصليبيون إلى المدينة المهجورة سيراً على الجسر الذي غفلت الحامية الأيوبية عن تدميره قبل انسحابها، واحتلوا دمياط بدون مقاومة، حتى إنهم ظنوا بادئ الأمر أنها مكيدة من المسلمين، واستولى الصليبيون على المدينة بكل ما فيها من سلاح وعتاد ومؤونة، وحصنوا أسوارها.
اغتبط الفرنج بالاستيلاء على دمياط بتلك السهولة، لكن لويس فضل التمهل في التقدم نحو الدلتا إلى أن تصل السفن الجانحة في الشام وإلى انتهاء موسم فيضان النيل حتى لايقع في غلطة الحملة الصليبية الخامسة التي أغرقها فيضان النيل. تحولت دمياط إلى مستعمرة صليبية، وعاصمة لمملكة ما وراء البحار وصار جامعها الكبير كاتدرائية، ونصب أحد القساوسة أسقفاً عليها، وأنشئت الأسواق الأوروبية، وأمسك تجار جنوة وبيزا بزمام التجارة فيها، واستقبل لويس صديقه بالدوين الثاني إمبراطور القسطنطينية، وحضرت زوجته من عكا للإقامة معه، وقد كانت توجهت من قبرص إلى عكا عند إبحاره إلى مصر.
حرب عصابات بالمنصورة
أما في الجانب المصري فقد وقعت أنباء سقوط دمياط بأيدي الصليبيين كالصاعقة على الناس، وحُمل السلطان المريض في حرّاقة إلى قصر المنصورة، وأعلن النفير العام في البلاد فهرول عوام الناس أفواجاً من كافة أنحاء مصر إلى المنصورة لأجل الجهاد ضد الغزاة.
وقامت حرب عصابات ضد الجيش الصليبي المتحصن خلف الأسوار والخنادق، وراح المجاهدون يشنون هجمات على معسكراته ويأسرون مقاتليه وينقلونهم إلى القاهرة.
في 20 نوفمبر 1249م خرج الصليبيون من دمياط وساروا على البر بينما شوانيهم في بحر النيل توازيهم، وقاتلوا المسلمين هنا وهناك حتى وصلوا في 21 ديسمبر إلى ضفة بحر أشموم -الذي يُعرف اليوم بالبحر الصغير- فأصبحت مياه بحر أشموم هي الحاجز الفاصل بينهم وبين معسكر المسلمين على الضفة الأخرى.
حصن الصليبيون مواقعهم بالأسوار، وحفروا خنادقهم، ونصبوا المجانيق ليرموا بها عسكر المسلمين، ووقفت شوانيهم بإزائهم في بحر النيل، ووقفت شواني المسلمين بإزاء المنصورة، ووقع قتال شديد بين الصليبيين والمسلمين في البر ومياه النيل.
حاول الصليبيون إقامة جسر ليعبروا عليه إلى الجانب الآخر ولكن المسلمين ظلوا يمطرونهم بالقذائف ويجرفون الأرض في جانبهم كلما شرعوا في إكمال الجسر حتى تخلوا عن الفكرة. وراحت المساجد تحض الناس على الجهاد ضد الغزاة فصار الناس يتواردون من أنحاء مصر على منطقة الحرب بأعداد غفيرة.
وبينما كان الصليبيون يتقدمون جنوباً داخل الأراضي المصرية اشتد المرض على السلطان الصالح أيوب وفارق الحياة بالمنصورة في 23 نوفمبر 1249م، فأخفت زوجته شجر الدر وفاته، وأدارت البلاد بالاتفاق مع الأمير فخر الدين يوسف أتابك العسكر والطواشي جمال الدين محسن رئيس القصر، حتى لايعلم الصليبيون فيزيد عزمهم ويشتد بأسهم، وحتى لاتتأثر معنويات الجيش والعوام.
أمسك المماليك بزمام الأمور بقيادة فارس الدين أقطاي الذي أصبح القائد العام للجيش المصري، وكان هذا أول ظهور للمماليك كقواد عسكريين داخل مصر.
تمكن المماليك من تنظيم القوات المنسحبة وإعادة صفوفها، ووافقت شجر الدر -الحاكم الفعلي للبلاد- على خطة بيبرس البندقداري باستدراج القوات الصليبية المهاجمة داخل مدينة المنصورة، فأمر بيبرس بفتح باب من أبواب المنصورة وبتأهب المسلمين من الجنود والعوام داخل المدينة مع الالتزام بالسكون التام.
بلعت القوات الصليبية الطعم، فظن فرسانها أن المدينة قد خوت من الجنود والسكان كما حدث من قبل في دمياط، فاندفعوا إلى داخل المدينة بهدف الوصول إلى قصر السلطان، فخرج عليهم بغتة المماليك البحرية والجمدارية يصيحون كالرعد القاصف وأخذوهم بالسيوف من كل جانب ومعهم العربان والعوام والفلاحين يرمونهم بالرماح والمقاليع والحجارة، وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات نحاس عوضاً عن خوذ الأجناد، وسد المسلمون طرق العودة بالخشب والمتاريس فصعب على الصليبيين الفرار، وأدركوا أنهم قد سقطوا في كمين محكم داخل أزقة المدينة الضيقة وأنهم متورطون في معركة حياة أو موت، فألقى بعضهم بأنفسهم في النيل وابتلعتهم المياه.
وتمكن المصريون من القضاء على جيش الصليبيين ومنعوا وصول الإمدادات إليه حتى تحقق النصر الكامل، فى 6 إبريل عام 1250.