أسامة والزبير والقاسم
الفرسان الثلاثة.. أصغر القادة العسكريين سنا فى تاريخ البشرية
الفرسان الثلاثة .. لم يعرف التاريخ العسكرى منذ آلاف السنيين قادة للجيوش هم أصغر سنا من فرسان جيوش المسلمين العظام، الذين خاضوا المعارك الكبرى بشجاعة نادرة وسطروا أسمائهم بحروف بارزة فى سجل القادة العظام.
قائمة قادة الجيوش الإسلامية تضم كثيرين إلا أن الفرسان الثلاثة أسامة بن زيد 18 سنة، الزبير ابن العوام 15 سنة، محمد القاسم 17 سنة، رغم حداثة سنهم فقد قادوا جيوش المسلمين وفتحوا البلاد و حطموا أكبر الإمبراطوريات حول العالم.
أسامة بن زيد
أول الفرسان الثلاثة ، أسامة بن زيد الذى قاد جيش المسلمين في وجود كبار الصحابة كأبي بكر وعمر بن الخطاب ليواجه أعظم جيوش الارض حينها وهو فى سن الثامنة عشر من عمره.
تلقى أسامة بم زيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم درس حياته؛ فقبل وفاة رسول الله بعامين بعث أسامة أميرا على سرية خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الإسلام والمسلمين.
وكانت تلك أول إمارة يتولاها أسامة، ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز، وسبقته أنباء فوزه إلى رسول الله ففرح وسر بها.
وعن هذه الواقعة قال أسامة بن زيد: فأتيت النبي وقد أتاه البشير بالفتح، فإذا هو متهلل وجهه، فأدناني منه ثم قال: حدثني.
فجعلت أحدثه وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت إليه بالرمح، فقال لا إله إلا الله؛ فطعنته فقتلته.
فتغير وجه رسول الله وقال: ويحك يا أسامة! فكيف لك بلا إله إلا الله؟. فلم يزل يرددها علي حتى لو وددت أني انسلخت من كل عمل عملته، واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد.
فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعد ما سمعت رسول الله.» فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله، وأنكر على أسامة بن زيد قتله، كان مشركا ومحاربا؛ وهو حين قال لا إله إلا الله قالها والسيف في يمينه تتعلق به مزع اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين؛ قالها لينجو بها من ضربة قاتلة أو ليهيء لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد.
ومع هذا فلأنه قال الشهادة، وتحرك بها لسانه يصير دمه حراما وحياته آمنة في نفس اللحظة ولنفس السبب.
وفي سن مبكرة لم تجاوز العشرين أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش من بين أفراده وجنوده أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر، واستكثروا على الفتى الشاب إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين، وبلغ همسهم رسول الله، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد، ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل، وإن كان أبوه لخليقا للإمارة، وإن أسامة لخليق لها، وإنه لمن أحب الناس إلي بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا.
وتوفي رسول الله قبل أن يتحرك الجيش إلى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه: أنفذوا بعث أسامة".
وقد عمل الخليفة أبو بكر هذه الوصية، وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول، فإن أبو بكر أصر على إنجاز الوصية وأمره، فتحرك جيش أسامة إلى غايته، بعد أن استأذنه الخليفة في أن يدع له عمر بن الخطاب ليبقى إلى جواره بالمدينة المنورة.
وبينما كان إمبراطور الروم "هرقل" يتلقى خبر وفاة رسول الله، تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الإسلامي الذي يغير على تخوم الشام بقيادة الشاب أسامة بن زيد، فتحسر هرقل أن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم الحربية.
وهكذا انكمش الروم ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الإسلام في الجزيرة العربية؛ وعاد الجيش منتصرا بلا ضحايا، وقال عنه المسلمون يومئذ: ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة.
الزبير ابن العوام
أما ثانى الفرسان الثلاثة ، الزبير ابن العوام الذى كان أول من سل سيفه لله في الاسلام وهو حواريّ النبي صلي الله عليه و سلم ، ولم يتجاوز الخامسة عشره من عمره.
شارك الزبير في فتح مصر، فلما سار عمرو بن العاص لفتح مصر؛ طلب المدد من الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل له مدد بِقيادة الزبير بن العوام، ويذكر المؤرخون أن المدد الذي بعث به الخليفة إلى عمرو بن العاص كان اثني عشر ألف مقاتل، ويذكر بعضهم أيضًا أنه كان عشرة آلاف فقط، واغتبط المسلمون بقدوم كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد الأنصاري.
وذكر شمس الدين الذهبي أنه لما خرج الزبير غازيا نحو مصر، كتب إليه أمير مصر عمرو بن العاص: إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها، فقال: إنما خرجت للطعن والطاعون، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق.
وكان للزبير دور بارز في فتح حصن بابليون، حيث اعتلى الزبير بن العوام مع نفر من المسلمين، السور، وكبروا، فظن أهل الحصن أن المسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه.
وفي رواية أن الزبير ارتقى السور، فشعرت حامية الحصن بِذلك، ففتحوا الباب لعمرو وخرجوا إليه مصالحين، فقبل منهم.
ونزل الزبير عليهم وخرج على عمرو من الباب معهم، وبذلك تم فتح حصن بابليون، وشهد الزبير على عقد الصلح الذي أعطاه عمرو بن العاص لأهل مصر.
محمد بن القاسم
آخر الفرسان الثلاثة ، محمد بن القاسم الثقفى قائد جيوش الفتح، وهو فى سن السابعة عشرة من عمره، واشتهر بكونه فاتح بلاد السند
بدأت قصة محمد القاسم، عندما استولى قراصنة السند من الديبل بعلم من ملكهم "داهر" في عام 90 هـ على 18 سفينة بكل ما فيها من الهدايا والبحارة والنساء المسلمات، اللواتي عمل آباؤهن بالتجارة وماتوا في سرنديب وسيلان، فصرخت مسلمة من بني يربوع "وا حجاجاه، وا حجاجاه"، وطار الخبر للحجاج بن يوسف الثقفى باستغاثتها.
وحاول الحجاج استرداد النساء والبحارة بالطرق السلمية، ولكن داهر اعتذر بأنه لا سلطان له على القراصنة، فثارت ثائرة الحجاج، فأعد الحجاج جيشاً تلو الآخر، الأول بقيادة عبد الله بن نهبان فٱستشهد، ثم أرسل الحجاج بديل بن طهفة البجلي فاستشهد أيضاً.
فاستشاط الحجاج غضباً بعد أن رأى قوّاته تتساقط شهيداً تلو شهيد، فأقسم ليفتحن هذه البلاد، وينشر الإسلام في ربوعها، فقرر القيام بحملة منظمة، ووافق الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبعد أن تعهد له الحجاج أن يرد إلى خزينة الدولة ضعف ما ينفقه على فتح بلاد السند.
وقد وقع اختيار الحجاج على محمد بن القاسم الثقفي ليقود جيش الفتح؛ لِما رآه فيه من حزم وبسالة وفدائية.
وتحرك محمد بن القاسم الثقفي بجيشه المكون من 20 ألف مقاتل من صفوة الجنود، فاجتاز الجيش حدود إيران ي عام 90هـ إلى الهند، وبرزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق، ورفع الرايات، والأعلام، ونصب المجانيق، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله خمسمائة، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكا.
بعد ذلك اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل مدينة كراتشي حاليا، فخندق الجيش بخيوله، وأعلامه، واستعد لمقاتلة الجيش السندي المكون من 50 ألف مقاتل، بقيادة الملك راجا داهر حاكم الإقليم، في معركة مصيرية عام 92هـ، ، فانتصر المسلمون، وقتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين.
تابع محمد بن القاسم تقدمه في بلاد السند، وخضعت له مدنها، ولم يبقَ أمامه إلا قوة الملك دوه” ملك الكيرج، فأرسل محمد بن القاسم الغنائم إلى الحجاج، وكانت ضعف ما أنفقه فقال الحجاج: شفينا غيظنا، وأدركنا ثأرنا، وازددنا (60) ألف ألف درهم ورأس داهر.