ترامب يصفهم "بالحيوانات"
الهجرة غير الشرعية أزمة أمريكا وأوروبا.. والاتحاد الأوروبي يعقد الصفقات للحد منها
حذر المرشح الرئاسي للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب من عدم فوزه في انتخابات نوفمبر القادم لأن العنف والفوضى اللذين يتسبب بهما المهاجرون غير الشرعيون سيقضيان على البلاد لأنهم يغذون جرائم العنف في بلادنا، ووصفهم بأنهم "حيوانات وليسوا بشرا".. وذلك في إحدى مؤتمره الانتخابي يوم الأربعاء (3 إبريل 2024) بمشيجين.
وتدخل قضية الهجرة غير الشرعية حلبة الصراع على من يسكن البيت الأبيض (الجمهوريين أم الديمقراطيين) فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 57 % يعتقدون أن ترامب سيعالج مسألة الحدود للقضاء على الهجرة غير الشرعية، فيما يرى 22 % أن بايدن قادر على ضبط الحدود.
وتشكل الهجرة غير الشرعية عاملاً أساسياً في تحديد خيارات الناخبين الأميركيين وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 28 % من الأمريكيين ينظرون إليها على أنها القضية الأهم، إذ تواجه الولايات المتحدة أزمة كبيرة في أعداد المهاجريين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود الجنوبية للبلاد كل يوم..
أطباء بلا حدود: أوروبا تطبق قاعدة الإبعاد قسرا
وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على ضبط حدودها ببناء الأسوار والسياجات لمنع الهجرة من دول أمريكا الجنوبية، فإن أوروبا التي تتوقع أن يغزوها أكثر من مليون لاجئ خلال العام الجاري لا تمتلك هذه القدرة فالمهاجرين يأتوها عبر البحر المتوسط والحدود البرية والبحرية مع تركيا.
ولقد مارست أوروبا كل السبل للحد من الهجرة غير الشرعية.. فوفقا لتقرير منظمة أطباء بلا حدود "صدر نهاية العام الماضي 2023 " أكدت خلاله أن دول أوروبا تمارس الإبعاد القسري برا وبحرا، مشيرةً إلى أنها قامت خلال عامين بتقديم المساعدات الطبية الطارئة لنحو 8000 شخص بينهم أكثر1500 طفل. غالبيتهم نجوا من عمليات إبعاد قسرية.
وأوضحت المنظمة الطبية أن عمليات الإبعاد البحري تتم عن طريق وضع المهاجرين على متن قوارب نجاة تُترك لتنجرف في المياه.. مشيرةً إلى منع فرقها خمس مرات من الوصول للمحتاجين.
فضلا عن أعمال عنف واعتداءات جسدية يتعرض لها الناجون على الحدود نتيجة سياسات الاتحاد الاوروبي التي تتغاضى عن العنف ضد المهاجرين غير الشرعيين وتسمح به.
وفي سياق متصل قالت منظمة أطباء بلا حدود، إن القاعدة الأساسية في اليونان هي الإعادة القسرية التي تعد أمراً طبيعياً، وضرب وتعذيب طالبي اللجوء في إطار سياسات غض الطرف التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت المنظمة أن اليونان دخلها في السنوات الماضية عشرات آلاف المهاجرين، غالبيتهم من سوريا وأفغانستان وباكستان عبر الحدود البحرية والبرية مع تركيا.. وقامت أثينا بإبعادهم قسرياً بوضعهم في قوارب نجاة تركت لتنجرف إلى المياه التركية.
وكانت أثينا قد تعرضت لانتقادات دولية عقب غرق سفينة صيد (في الرابع عشر من يونيو 2023) على متنها 750 شخصاً تقريباً نجا منهم نحو مئة، وانتُشلت 82 جثة فقط، وغرق المئات، وهي من أكثر حوادث تحطم السفن دموية في أوروبا في السنوات الأخيرة.
ورفضت أثينا تلميحات مفوضة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي بتورط خفر السواحل اليونانية في المأساة، مؤكدةً أنها أنقذت نحو 245 ألف مهاجر منذ العام 2015.. ولديها أكثر من 300 ألف لاجئ وتسعى لتنفيذ برامج لاستيعابهم. وبحسب بيانات الأمم المتحدة فاليونان استقبلت عام 2023 نحو 45 ألف لاجئ، وهي الحصيلة الأعلى منذ أربع سنوات..
3 آلاف إسترليني للبعد عن بريطانيا
وتبحث دول الاتحاد الأوروبي عن حل لهذه القضية بعيدا عن الإبعاد القسري وتعذيب الناجين على الحدود..
الحكومة البريطانية تحاول منذ عامين طرد المهاجرين الذين يدخلون بطريقة مخالفة للقانون، طوعا أو كرها، حتى قبل النظر في طلباتهم مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني للإقامة بدولة رواندا.. ورغم عدم إقلاع أي طائرة لنقل المهاجرين إلى كيجالي ، حتى الآن إلا أن رئيس الوزراء ريشي سوناك يرى أن الأمر "أولوية وطنية ملحّة" ولابد من تطبيقه، وفي ذلك السياق أعلنت وزارة الداخلية البريطانية مطلع العام الجاري أن الحكومة تعتزم أن تقترح على المهاجرين الواصلين بطريقة غير قانونية أن يرحلوا طوعا إلى رواندا والإقامة بها مقابل ذلك المبلغ.
وكانت بروكسل قد اتفقت مع المغرب ( التي تصفها أوروبا بـ "الحارس الأمين" )في عام 2022 على حزمة مساعدات مالية لا تقل عن 500 مليون يورو ستتم من خلالها تغطية جزء من نفقات الرباط في مواجهة الهجرة غير النظامية، بزيادة 50 % عن المبلغ الذي حصلت عليه عام 2018 وهو 343 مليون يورو، وذلك بعد الجهود التي بذلتها السلطات المغربية في كبح الظاهرة وتفكيك شبكات تهريب البشر، فوفقا للأرقام الصادرة عن القوات المسلحة المغربية فإن الرباط اعترضت سنة 2023 حوالي 87 ألف مرشح للهجرة غير النظامية، ينحدر غالبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء وبعض دول الساحل ، كما قدمت الإغاثة والمساعدة لأكثر من 22 ألف مرشح للهجرة غير النظامية.
تعامل الرباط مع ملف الهجرة غير الشرعية ونجاحها في خفض نسبة الوافدين غير الشرعيين إلى 41 % بحسن مراقبة المحيط الخارجي لجزر الكناري وسبتة ومليلية جعلت مدريد تصفها بالشريك الاستراتيجي الرئيسي لإسبانيا في الشؤون الداخلية.. ونموذجا للتعاون الأوروبي الإفريقي في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر..
ومن الحلول التي توصل لها الاتحاد الأوروبي هي عقد صفقات مع دول الشمال الإفريقي لتوطين المهاجرين بأراضيها ومنها موريتانيا التي عقدت بداية العام الجاري (تحديدا في فبراير 2024) صفقة تحصل بمقتضاها نواكشوط على 200 مليون يورو، إلى جانب حزمة من المساعدات ومجموعة اتفاقات ستعقدها رئيسة المفوضية الأوروبية لتوطين المهاجرين الأفارقة بأراضيها، رغم رفض الموريتانيين وتظاهرهم رفضا للصفقة..
وكان وزير الداخلية الموريتاني قد أعلن قبل أيام من توقيع الصفقة أمام مجلس وزراء الداخلية العرب بتونس عن الأضرار التي لحقت ببلاده جرّاء توافد أمواج من المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء الراغبين في الالتحاق بأوروبا.
278 مليون يورو لتونس
لقد كان لنجاح تجربة المغرب وتوقيع صفقة موريتانيا دفعة للحكومات الأوروبية للتعهد بتقديم الأموال للبلدان الواقعة على البحر المتوسط، لمساعدتها على الحد من الهجرة غير الشرعية..
فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بدعم تونس بمبلغ 278 مليون يورو لدعم التنمية الاقتصادية وتخصيص نحو ثلثي المبلغ للأمن وإدارة الحدود للمساعدة في الحد من الهجرة وقد صرف الاتحاد مطلع مارس 2024، 150 مليون يورو لتونس لدعم الميزانية بهدف تحقيق الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.
وفي سياق متصل قامت وحدات الحرس البحري التونسي بعد أسبوع من تلقي الدفعة الأولى، بإحباط 28 محاولة هجرة غير شرعية، تضم 1178 أشخاص بينهم 18 تونسياً فيما البقية ينحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء.. كما ألقت السلطات الأمنية في صفاقس القبض على تسعة من الوسطاء ومهربي البشر وضبطت 15 مركبا حديديا و25 محركا بحريا وكمية من المحروقات.
ووفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يهتم بقضايا الهجرة فإن أكثر من 1300 مهاجر لقوا حتفهم بالبحر المتوسط العام الماضي (2023) كانوا انطلقوا من سواحل تونس.
أما مصر فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو (ثماني مليارات دولار) وصفتها رئيسة الوزراء الإيطالية بأنها "أفضل طريقة لمعالجة تدفقات الهجرة".. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية ورؤساء حكومات إيطاليا واليونان وبلجيكا والنمسا والرئيس القبرصي قد وقعوا خلال زيارتهم للقاهرة في السابع عشر من مارس 2024 اتفاقية لشراكة استراتيجية، خاصة وأن التعاون الأوروبي المصري في مجال الحد من الهجرة غير الشرعية، والذي بدأ في عام 2004، كان نجاحا. وبحسب المفوضية الأوروبية تم حتى الآن الموافقة على 171 مليون يورو لإدارة ملف الهجرة، ودعم مصر في إدارة الحدود ومكافحة الاتجار بالبشر والتهريب، وتشجيع العودة الطوعية للمهاجرين.
ويذكر أن مصر بها أكثر من تسعة ملايين لاجئ منهم نصف مليون سوري، بخلاف النازحين من السودان عقب اندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
أما تركيا فقد أحسنت التفاوض واستطاعت أن تحصل من الاتحاد الأوروبي على دعم يصل إلى 6 مليارات يورو لاستقبال اللاجئين والمهاجرين، ورغم ذلك فشلت لندن في اقناع أنقرة بالتوصل لاتفاق لإعادة ثلاثة ألاف لاجئ وسط زيادة حادة في تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بريطانيا عبر تركيا. كما ترفض أنقرة تنفيذ اتفاق مارس 2016، والذي ينص على إعادة اللاجئين الموجودين في اليونان إلى تركيا إذا لم يحصلوا على حق اللجوء في أوروبا.. وتقديم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية بقيمة 6 مليارات يورو لدعم الحكومة التركية في تقديم خدمات للاجئين على أراضيها، لكن تركيا تعتبر الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لتمكينها من إيواء نحو أربعة ملايين مهاجر غير كاف.. وتريد المزيد من الأموال وتسهيل حصول الأتراك على تأشيرات دخول الاتحاد الأوروبي والتقدم في مفاوضات التوقيع على اتفاق جمركي بين الطرفين للالتزام ببنود الاتفاق.
وتعد ليبيا ثاني النقط الرئيسية بعد تونس للهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا إلى أوروبا عبر السواحل الإيطالية.. حجر العثرة نظرا لسيطرة المليشيات والمنظمات الإرهابية على السواحل والحالة الأمنية بالبلاد..
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد وصل أكثر من 153 ألف مهاجر إلى إيطاليا مع نهاية عام 2023، عبر تونس وليبيا.. كما أوضح تقرير للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن ليبيا تحولت بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي إلى طريق رئيسي لعبور المهاجرين غير الشرعيين، مشيراً إلى أن أعمال التقصي في 100 منطقة ليبية كشفت أن ليبيا تؤوي 704 آلاف و369 مهاجرا يمثلون 34 جنسية.. وإنه تم العثور على مقبرة جماعية بوادي الهجرية جنوب العاصمة طرابلس وتضم 65 مهاجرا يوم الجمعة (22 مارس2024).. كما أكدت المنظمة أن معظم الوفيات التي تمت بالبحر المتوسط عام 2023 وبلغت 8541 حالة وقعت قبالة السواحل الليبية التي تسيطر عليها المليشيات المسلحة.