دمرت أجيال وأشعلت الحروب
بعيدا عن كذبة أبريل .. أشهر 10 أكاذيب سياسية حول العالم
لم يكن كل الكذب هو كذبة أبريل ، وإنما شاع الكذب فى العالم منذ بدء الخليقة وتعددت درجاته وتفاوتت تأثيراته على الناس فى كل مكان.
واعتاد معظم الناس على كذبة أبريل فى إطار ما يطلق عليه أكاذيب بيضاء، ومقالب ساخرة هدفها الأساسي هو إضحاك الآخرين، أو السخرية منهم شريطة ألا تتسبب فى أضرار مادية او معنوية لأحد.
لكن فى عالم السياسة لا يمكن حصر عدد الأكاذيب التى دمرت أجيالا بأكملها وأشعلت حروبا خلفت ضحايا بالملايين.
بعض المؤرخين أرجعو أصل كذبة إبريل إلى عام 1582، عند تحول فرنسا من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري وفقا لتوصية البابا جريجوري الثالث عشر عام 1563، وقد كان العام الجديد في التقويم اليولياني الذي تغير يبدأ مع الاعتدال الربيعي في 1 أبريل، ولأن بعض الأشخاص لم يعرفوا بتغير التقويم وانتقال بداية العام الجديد إلى الأول من يناير، فقد احتفلوا كعادتهم ببداية العام الجديد في الأول من أبريل، وهو ما جعلهم موضعا للسخرية، وأُطلق عليهم حمقى أبريل .
بينما ربط مؤرخون آخرون كذبة أبريل بمهرجانات هيلاريا التي احتفل بها في روما القديمة وتضمنت فعالياتها أشخاصا يرتدون ملابس تنكرية ويسخرون من غيرهم.
أما التفسير الأكثر طرافة لأصل هذا اليوم فقد قدمه "جوزيف بوسكين"، أستاذ التاريخ بجامعة بوسطن، وهو التفسير الذي نشرته الأسوشييتد برس عام 1983.
حيث ذكر أن هذه الممارسة بدأت في عهد قسطنطين، عندما أخبر مجموعة من الحمقى والمهرجين الإمبراطور أن بإمكانهم إدارة الإمبراطورية بطريقة أفضل منه، فسمح قسطنطين لمهرج اسمه "كوجل" بأن يكون ملكا ليوم واحد، وأصبح الأمر حدثا سنويا.
نشرت الأسوشييتد برس هذا التفسير على صفحاتها بالفعل، ولم يدرك أحد أن بوسكين اختلق الأمر كله إلا بعد مرور أسبوعين، لتدرك وكالة أسوشييتد برس وصحافيوها أنهم كانوا ضحية لـ كذبة أبريل ، وصححت وكالة الأسوشييتد برس الخبر، واستخدم بوسكين القصة لتذكير طلابه بأن عليهم دائما التحقق من الأخبار والقصص أيا كان مصدرها.
كذبة أبريل الأولى
أما أول الأكاذيب الموثقة في أبريل فيعود تاريخها إلى عام 1698، وتحديدا في لندن حين أُعلن للجماهير أنهم مدعوون لمشاهدة الحفل السنوي لاستحمام مجموعة من الأسود في برج لندن مقابل دفع ثمن التذكرة، وبالفعل دفع العديد من الأشخاص ثمن التذاكر، ولكنهم مع الأسف ذهبوا إلى البرج ولم يجدوا أسودا.
وأيا كان أصل كذبة أبريل فقد تحول الأمر بمرور الزمن إلى احتفاء سنوي متجدد بالمقالب، وصارت الوكالات الإعلامية في العصر الحديث تتسابق على إطلاق كذبات متقنة في الأول من أبريل من كل عام.
لعل أكثرها شهرة كذبة راديو البي بي سي في الأول من أبريل عام 1957، حين نشر "ريتشارد ديمبلي" خبرا في البي بي سي حول وفرة محصول المكرونة الاسباجيتي لذلك الموسم.
وهو المقلب الذي وقع ضحيته آلاف المستمعين، حتى إن بعضهم اتصلوا للسؤال عن طريقة زراعة أشجار الاسباجيتي بمنتهى الجدية.
وفي عام 1976 أعلن الفلكي المعروف "باتريك مور" عبر إذاعة بي بي سي أنه في الساعة 9.47 صباحا سيشعر سكان الأرض بتأثير جاذبية مزدوج من كوكبي زحل وبلوتو، وقال إنه في لحظة معينة سيصطف الكوكبان في خط واحد وستصبح الجاذبية على الأرض أضعف، فإذا قفزت في الهواء في التوقيت الصحيح، فإنك سوف تطير فى الهواء، وبالفعل فى الساعة المحددة بدأ الناس يقفزون فى الهواء فى حركات بهلوانية صنعت حالة من المرح والضحك.
وكانت ساعة بيج بين الشهيرة بطل كذبة أبريل عام 1980، عندما أعلنت بي بي سي لمستمعيها أن ساعة بيج بن ستدخل العصر الرقمي، وأشارت إلى أن أول من سيتصل من المستمعين يمكن أن يحصل على عقارب الساعة التي سيتم الاستغناء عنها.
وفي أبريل من عام 2008، نشرت بي بي سي أيضا خبرا عن اكتشاف سلالة من طيور البطريق القابلة للطيران، وبثت مقطع فيديو مزيفا حظي بأكثر من 6 ملايين مشاهدة.
أكاذيب سياسية
كل ما سبق يمكن أن يطلق عليه أكاذيب بيضاء، ومقالب ساخرة هدفها الأساسي هو إضحاك الآخرين، أو السخرية منهم لكنها لم تتسبب فى أضرار مادية لأحد.
لكن فى عالم السياسة لا يمكن حصر عدد الأكاذيب التى دمرت أجيالا بأكملها وأشعلت حروبا خلفت ضحايا بالملايين، وكان لها تأثيرا على التاريخ.
ولعل أشهر كذبة فى العصر الحديث كانت خلال حرب يونيو 1967 والمعروفة باسم النكسة، والتى تلخصت فى بيانات إذاعة صوت العرب في ذلك الوقت، حيث انطلق وقتها من الراديو صوت الإذاعي الشهير ورئيس صوت العرب أحمد سعيد، مصرحا بأن مصر مستمرة في تحقيق انتصارات متتالية على العدو الإسرائيلي، وتوالت البيانات التي يذيعها عن أن مصر نجحت في إسقاط 50 طائرة للعدو الإسرائيلي، ثم 80 طائرة، ثم 100.
واستيقظ المصريون والعرب بعدها على الصدمة القاسية والهزيمة المرة التي أخفتها أجهزة الإعلام خلف ستار انتصارات كاذبة.
وارتبط اسم الإذاعى أحمد سعيد في أذهان المصريين بتلك الأكاذيب، رغم أنه استقال من رئاسة الإذاعة في سبتمبر 1967 رغم أنه كان إذاعيا قديرا، وقد لعب دورا إعلاميا مهما في تلك المرحلة الحرجة من التاريخ المصري والعربي، كما أن له عددا من المؤلفات الأدبية، لكن للأسف تاريخه اختصر في لقب "مذيع النكسة".
أحمد سعيد اعترف فى اكثر من لقاء بأنه كان يعرف بالهزيمة، قائلا فى حوار: عرفت بالهزيمة في نفس اليوم، واتصلت بالقيادة فأكدوا الخبر، وطلبوا مني الحفاظ على الأداء نفسه، كانت هذه محنتي.
أكاذيب الحرب العالمية
لم يتمكن الأمريكيون خلال الحرب العالمية الثانية من فك الرموز المستخدمة في تقارير الاستخبارات العسكرية اليابانية خاصة رمز ال إيه إف ، الذى يشير إلى موقع هجوم بحري مخطط من قبل اليابان، واعتقد خبراء المخابرات العسكرية الأمريكية أن الإيه إف يمكن أن تمثل ميدواي لأن اليابانيين يميلون إلى استخدام رمز الإيه لمواقع جزر هاواي ويبدو أن ميدواي كانت خيارًا منطقيًا لهدف اليابان التالي.
وحاول الأمريكيون التأكد من نظريتهم وأرسلوا رسالة خاطئة مشفرة وزعموا فيها أن محطة تقطير المياه العذبة في ميدواي تعرضت للتلف وتحتاج إلى مياه عذبة، وبعد فترة وجيزة ، جاء تقرير استخباراتي ياباني أكد على أن المحطة ينقصها الماء فقط، وهنا أكدت كذبتهم البيضاء فرضيتهم، وهجمت أمريكا على ميدواي وحققت انتصارًا ساعد في فوزها خلال الحرب العالمية الثانية.
وفى واقعة أخرى، أخفى الاتحاد السوفيتى على الولايات المتحدة الأمريكية بشأن نواياها الحقيقية بزرع الصواريخ في كوبا، لكن في 14 أكتوبر 1962، تم الكشف عن السر عندما رصدت طائرة تجسس أمريكية صورت العديد من الصواريخ وهى تتسلل إلى كوبا، وفى 22 أكتوبر، أخبر الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي العالم أن السوفييت كان لديه صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية كانت على بعد 90 ميلاً فقط من الساحل الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، حاول الاتحاد إخفاء مواقع الصواريخ بالقماش المشمع والشباك والطلاء والطين، لكن محاولاتهم باءت بالفشل
وفى واقعة أخرى تكشف كذب الرئيس الأمريكى، اقتحم خمسة رجال مقر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في مبنى ووترجيت بواشنطن دي سي في مايو 1972 لتحطيم الهواتف المكتبية وسرقة الوثائق السرية وبعد شهر، تم القبض على الجاسوسين، لكن السلطات اكتشفت أنهم كانوا يعملون في حملة إعادة انتخاب الرئيس ريتشارد نيكسون، وكشفت صحيفة واشنطن بوست عن تستر الرئيس في قضية ووترجيت بفضل مخبر مجهول من مكتب التحقيقات الفيدرالي، مما دفع نيكسون إلى تقديم استقالته في 9 أغسطس 1974.
كذبة مفاعل تشرنوبل
في 26 أبريل 1986، أدى انفجار محطة للطاقة النووية في تشرنوبل بأوكرانيا إلى تعريض ملايين الأشخاص الذين يعيشون في الاتحاد السوفيتى للإشعاع، حيث أدى الانفجار إلى إطلاق إشعاعات تزيد عن 400 ضعف ما نتج عن القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على هيروشيما.
استغرق الأمر السلطات السوفيتية وقتها يوما كاملا بعد الحادث قبل أن تبدأ في إجلاء السكان من المدن المجاورة، لكن الأسوأ كان صمتهم بشأن العواقب.
وقد استغرق الأمر 18 يوما كاملة قبل أن يعترف ميخائيل جورباتشوف، السكرتير العام للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي آنذاك، بأثر الانفجار.
كانت هذه هي أسوأ كارثة نووية وبيئية في تاريخ الإنسانية، وفق التقارير الرسمية، حيث مات في الأسابيع الأولى حوالي 30 عاملا، أغلبهم من رجال الإطفاء، كما تعرض نحو 600 ألف شخص ممن شاركوا في عمليات الإخلاء والإطفاء للإشعاع بأشكال مختلفة.
وخلال عام 1986، أُخلي أكثر من 115 ألف شخص من منازلهم، كما تعرض أكثر من 8 ملايين شخص في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا للإشعاع بدرجاته المختلفة، وتلوثت مساحة تبلغ نحو 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي.