عروس البحر المتوسط
الإسكندرية كل عيد .. عوالم من البهجة على شواطىء الأمراء
طوال تاريخها الطويل كانت الإسكندرية مدينة ذات طابع خاص، تلك المدينة العريقة التى بناها الإسكندر الأكبر فى القرن الرابع قبل الميلاد وسميت بهذا الإسم نسبةً إليه لم تكن مدينة عادية، بل مركزاً للإشعاع الثقافى والحضارى من خلال مكتبتها القديمة التى حوت أكثر من 700 ألف مجلد ومخطوطة.
يجسد هذه المكانة الحضارية منارة الإسكندرية القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع والتى تحطمت نتيجة زلزال قوى ضرب المدينة عام 1323 والتى بنيت قلعة قايتباى على أساساتها الحجرية.
كان لمحمد على فضل كبير على تلك المدينة فى العصر الحديث حيث أعادها لسابق عهدها من خلال حفر ترعة المحمودية التى أوجدت اتصالاً بين النيل والبحر المتوسط وسهلت التجارة بين مصر والعالم، وقام محمد على أيضاً بتوسيع الميناء وأنشأ الترسانة البحرية التى تولت تصنيع سفن الأسطول المصرى.
وفى الإسكندرية أيضاً بنى محمد على قصره فى رأس التين وأمر بتخطيط المدينة والعناية بشوارعها، وتشجيعاً لانتشار العمران فى المدينة، منح محمد على أمتيازات وأراضى مجانية للأجانب تشجيعاً لهم على الأسستقرار فى المدينة التى لم يتجاوز عدد سكانها عام 1821 أكثر من 13 ألفاً زادوا فى عام 1871 إلى أكثر من 200 ألفاً.
بينما وصل تعداد سكان الإسكندرية اليوم 5,427,653 نسمة، بحسب التعداد الإلكترونى للسكان، مما يجعلها ثاني أكبر المدن في مصر من حيث عدد السكان، والمركز الرابع على مستوى إفريقيا، وعلى المستوى الدولي، تحتل الإسكندرية المركز 66 عالميا.
وفى واقع الأمر لم تكن الهجرة إلى الإسكندرية من خارج مصر فقط، بل من داخلها أيضاً، حيث جذبت المدينة الواعدة إليها الآلاف من المصريين الباحثين عن فرص أفضل. وأسهم الجميع فى أزدهار تلك المدينة التى كانت بمثابة مدينة عالمية أختلطت فيها الكثير من الجنيسات والأعراق والأديان وهو ما منح المدينة طابعاً مميزاً لا تزال تتمتع به إلى يومنا هذا.
الجاليات الأجنبية
ولا يزال بعض أفراد تلك الجاليات يعيشون فى تلك المدينة التى شهدت أحداثاً عديدة على مدار تاريخها الحديث، كان أقساها ضرب الإنجليز للمدينة عام 1882 أثناء أحداث الثورة العرابية وأحتلالها بعد تدمير الكثير من مبانيها قبل أن يحتل الإنجليز مصر بالكامل لعقود طويلة. كانت الجاليتين الإيطالية واليونانية هما أكبر الجاليات الأجنبية فى الإسكندرية وقد أسهم المهندسون المعماريون الإيطاليون فى بناء المدينة الجديدة وتركوا لنا تحفاً معمارية لا يزال الكثير منها قائماً إلى يومنا هذا، بينما برع اليونانيون فى التجارة والصناعة والتصدير والإستيراد.
كانت الإسكندرية من أجمل مدن البحر المتوسط ولهذا أطلق عليها ، عروس البحر المتوسط، ففيها أنتشرت الحدائق والملاهى والفنادق والشواطئ الساحرة، كما توافر فيها أنواعاً مختلفة من التعليم سواء الدينى أو الحكومى أو الأجنبى، فكانت فى الإسكندرية عشرات المدارس المصرية والإيطالية واليونانية والفرنسية وحتى السويسرية، كما أنتشرت فيها المساجد والكنائس والمعابد اليهودية فى تناغم فريد.
نمت الإسكندرية فى عهد الخديو إسماعيل الذى أهتم بها كثيراً فأنشأ بها الشوارع والأحياء الجديدة وأنيرتت الشوارع بالغاز بواسطة شركة أجنبية، وأنشئت بها جهة خاصة للاعتناء بتنظيم شوارعها وللقيام بأعمال النظافة والصحة والصيانة فيها، ووضعت شبكة للصرف الصحى وتصريف مياه الأمطار، وتم رصف الكثير من شوارع المدينة، وقامت إحدى الشركات الأوروبية بتوصيل المياه العذبة من منطقة المحمودية إلى المدينة وتوزيعها بواسطة وابور مياه الإسكندرية، كما أنشئت فى المدينة مبانى ضخمة وعمارات سكنية فخمة فى عدد من الأحياء.
وتميزت أحياء الإسكندرية الشعبية والراقية على حد سواء بنظافة شوارعها ونظامها رغم ضيق أغلب شوارعها.
وربما السبب الرئيسى وراء هذا النظام هو أن الإسكندرية هى أول مدينة فى مصر والشرق الأوسط تعرف الحكم الذاتى منذ عام 1890 أى قبل القاهرة بأكثر من ستين عاماً حيث قام تجار المدينة بفرض ضريبة طوعية على أنفسهم من أجل رصف شوارع الإسكندرية ومن تلك المبادرة تم إنشاء مجلس بلدية الإسكندرية وكان نصفه يعين من قبل الحكومة بينما يتم أنتخاب النصف الأخر وكان هذا المجلس يقوم بفرض الضرائب والرسوم على التجار وأصحاب العقارات.
وتولى هذا المجلس مسئوليات عديدة كتجميل المدينة وتصريف شئونها كما قام بتوفير التمويل اللازم لإنشاء المتحف اليونانى الرومانى والقيام بالحفريات الأثرية وتوفير الخدمات للأحياء الفقيرة ودعم الفنون وتشجيعها.
بإيجاز، كانت الإسكندرية واجهة لمصر على العالم ففيها الميناء المسئول عن غالبية ومنها كانت تتم الغالبية الساحقة من عمليات التصدير، وقبل انتشار النقل الجوى فى مصر كان الميناء يستقبل غالبية زوار مصر الأجانب.
كما ظهرت على شواطئ الإسكندرية أجمل مصايف مصر متمثلة فى بلاجات سيدى بشر والشاطبى وسان ستيفانو وستانلى وغيرها من الشواطئ التى أتسمت بالنظافة والأزدحام الهائل فى الصيف، فكانت مزارا سياحيا في الأعياد والعطلات، منذ عقود طويلة.
وفيها أيضاً أنتشرت المطاعم والملاهى والكازينوهات بطول الشاطئ التى زاد عددها بعد تمهيد طريق الكورنيش.
العاصمة الثانية
ولكونها العاصمة الثانية، كانت الحكومة فى العهد الملكى تنتقل خلال أشهر الصيف إلى مقرها فى بولكلى ومن هناك كانت تدار مصر. ولم يقتصر ذلك على الحكومة فحسب حيث كان حكام مصر بدايةً من محمد على باشا وحتى الملك فاروق يفضلون قضاء أيام الصيف فى الإسكندرية بقصرى رأس التين والمنتزه، وكذلك في عهد كل رؤساء مصر السابقين.
والإسكندرية أيضاً مركزاُ علمياً هاماً من خلال جامعتها الكبيرة ومعاهدها العلمية المتعددة وقد قامت مدارسها وجامعتها بتوفير خدمة تعليمية راقية لسنوات طويلة.
شهدت الإسكندرية الكثير من الأحداث الهامة التى مرت بها مصر بدايةً من معركة أبو قير البحرية والتى ترتيب عليها حروج الفرنسيين من مصر، ولكن أقسى ما تعرضت له تلك المدينة هو قصف الأسطول البريطانى لها على مدار يومين كاملين حتى استسلمت المدينة معلنةً بداية الاحتلال البريطانى لمصر. وخلال الحرب العالمية الثانية تضررت المدينة التى لم يكن يمر يوماً إلا وتتعرض لغارة أو أكثر من طائرات قوات المحور.
ومن الإسكندرية أيضاً خرج الملك فاروق أخر ملوك أسرة محمد على على ظهر اليخت «المحروسة» عام 1952. وفى ميدان المنشية بالإسكندرية تعرض الزعيم جمال عبدالناصر لمحاولة اغتيال من أحد أعضاء جماعة الإخوان ومن نفس الميدان أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس.
وفيها أفتتحت مكتبة الإسكندرية لإحياء المكتبة القديمة ولتعود الإسكندرية إلى سيرتها الأولى كمنارة للعلوم والفنون.
ورغم أنها العاصمة الثانية للبلاد غير أنها لم تحظ بكثير من الاهتمام لسنوات طويلة.
ورغم التغييرات التى شهدتها الإسكندرية طيلة العقود الماضية، غير أن الأحياء القديمة فيها تحافظ على طابعها المميز، كما يحافظ أهلها علي سماتهم الحضارية التي تميزهم معظم سكان مصر .