و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

نصر عسكري ودبلوماسي وقانوني

ملحمة استرداد طابا ونصر العاشر من رمضان وحكاية العامود رقم 91

موقع الصفحة الأولى

تجمع هذه الأيام المباركة بين مناسبتين غاليتين في التاريخ المصري والعربي، فهي تضم ذكرى نصر العاشر من رمضان 1393هـ والذي يوافق، السادس من أكتوبر 1973، مع ذكرى استرداد طابا ورفع العلم المصري على آخر بقعة أرض محتلة مصرية يوم 19 مارس 1989، ومع الاحتفال بعيد تحرير سيناء وذكرى نصر العاشر من رمضان، يكشف موقع الصفحة الأولى، جذور أزمة طابا والصراع على ملكيتها والسيادة عليها، وحكاية العامود رقم 91، والذي حسم سيادة مصر على أرضها الغالية.

 

استرداد طابا

ونجحت مصر في استرداد طابا بعد معركة دبلوماسية وقانونية خاضتها ضد كيان الاحتلال، بعدما فتح نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر الطريق لاستعادة الحقوق المصرية غير منقوصة، عبر ملحمة العبور التي خاضتها القوات المسلحة عام 1393هـ 1973م، وبعد انتصرت الدبلوماسية والفريق القانوني المصري من جديد في معركة المفاوضات والتحكيم.

وبدأت أزمة طابا، أثناء ترتيبات الانسحاب الإسرائيلي النهائي من شبه جزيرة سيناء، تنفيذا لبنود اتفاقية السلام الموقع بين الجانبين، ووقتها اكتشفت اللجنة المصرية أثناء تدقيق أعمدة الحدود الشرقية، في أكتوبر 1981، بعض المخالفات الإسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى حاول الاحتلال إدخالها ضمن حدوده.

ووقتها، أكدت مصر أنها لن تتنازل عن ذرة رمل واحدة من أراضيها، وبالفعل بدأت تحركات القاهرة، مستهدفة استرداد الأراضي المصري المحتلة، والحفاظ على وحدة التراب الوطني.

وأثناء المفاوضات التي عقدت بين الجانبين، حاول الاحتلال المراوغة والتهرب من التزاماته، ولكن كان الموقف المصري واضحا وحاسما، وهو أن أي خلاف حول الحدود، سيكون حله حسب المادة السابعة من معاهدة السلام، والتي تنص على الحل من خلال المفاوضات، وعند فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم.

أهمية طابا الجغرافية والاستراتيجية

وجاء تمسك الاحتلال بطابا، بسبب أهميتها الجغرافية والاستراتيجية، على بعد 7 كيلومترات من ميناء إيلات التابع للاحتلال في الشرق، حيث تعتبر إيلات أضيق جبهة تابعة للاحتلال مطلة على العقبة، لأن مساحة امتداها 5 أميال فقط، وهي بالتالي محصورة بين ميناء العقبة الأردني ووادي طابا المصرين وهنا تأتي أهمية الأرض المصرية الغالية.

كما تشرف طابا على حدود 4 دول هي مصر والسعودية والأردن وفلسطين المحتلة، وتبقى محصورة على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من الجهة الثانية.

ويوم 13 يناير 1986، أعلنت حكومة الاحتلال موافقتها على قبول التحكيم حول طابا، وبعدها عقدت مباحثات بين الجانبين، قررت التوصل إلى ما سمي بـ "شروط تحكيم"، تم التوقيع عليها في 11 سبتمبر 1986، وتمثلت شروط التحكيم في أن مهمة المحكمة هي تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف.

ويوم 30 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة التي عقدت في مقر برلمان جنيف حكمها في قضية طابا، وحكمت بأن طابا أرض مصرية، ليتم رفع العلم المصري على تلك البقعة الغالية يوم 19 مارس 1989.

 

جذور الصراع على طابا

وأزمة طابا قديمة، وتعود جذورها إلى بدايات القرن الماضي، وكان أطرافها مصر وسلطة الاحتلال البريطاني طرف أول، والدولة العثمانية طرف ثانٍ.

ففي شهر يناير عام 1906، أرسلت تركيا قوة لاحتلال طابا، في مخالفة لفرماني 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها، والتي تمتد من رفح شمالا على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا، لتشمل بجلاء قلاع العقبة وطابا والمويلح.  

ووقتها، تدخلت بريطانيا لمواجهة الإجراءات التركية، وذلك للحفاظ على مصالحها كقوة احتلال في مصر، إضافة إلى منع تهديد قناة السويس.

وبعدها، تعقدت الأزمة أكثر، بإرسال الدولة العثمانية قوة من جنودها إلى منطقة رفح في شمال شبه جزيرة سيناء، واحتلتها بالفعل بعد إزالة أعمدة الحدود الدولية بها.  

لتقرر بريطانيا توجيه إنذار نهائي إلى الدولة العثمانية، هددت فيه باللجوء إلى القوة المسلحة إذا لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية إلى ما وراء الحدود، ووقتها رضخت الدولة العثمانية وسحبت قواتها، في تأكيد على مصرية طابا ورفح.

 

حكاية العامود 91

كما شكلت لجنة مشتركة بين الجانب التركي من ناحية، والجانب المصري البريطاني من ناحية أخرى، لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه، إضافة إلى تدقيقها حسب القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بداية من رفح شمالا، ثم الاتجاه جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا، وصولا إلى نقطة الحدود على خليج العقبة، والتي تبعد ثلاثة أميال من العقبة.  

وهناك 91 عامودا مقام على الحدود الدولية، حتى الآن، تبدأ من العامود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب، أما آخر عمود فيحمل رقم 91 على رأس طابا، وبنيت هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907، وهي ما استندت إليها مصر في تأكيد وتثبيت ملكيتها وسيادتها على طابا. 

تم نسخ الرابط