أثبت الهجوم الإيراني على الكيان الإسرائيلي، الضعف الشديد الذي يعاني منه جيش الاحتلال، وعدم قدرته على الدفاع عن الكيان بمفرده، ولولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وإسقاطهم لمئات الطائرات بدون طيار والصواريخ أرض أرض وصواريخ كروز، خارج المجال الجوي للكيان المحتل، مع مساعدة منظومة القبة الحديدية، والتي قدمتها واشنطن للاحتلال منذ عام 2011، لتحولت الأراضي المحتلة إلى جحيم، وكان للضربة الايرانية شأن آخر.
ومع عدم المبالغة في قوة الهجوم الإيراني، والذي قالت عنه طهران نفسها إنه كان تحذيريا، أو التقليل من شأنه لدرجة وصفه بالمسرحية كما قال البعض، إلا أن ما يهمنا في المقام الأول هو ما تكشفه تلك الضربة عن القدرات العسكرية للكيان المحتل، عدونا الأول والرئيسي، ومدى قدرته في الدفاع عن نفسه أمام أي تهديد، لتأتي الضربة العسكرية الإيرانية بمثابة بروفة أو تدريب على المواجهة الكبرى، وهل يصمد الاحتلال خلال حرب إقليمية أو عالمية شاملة، أم يتهاوى مثل بيت العنكبوت؟
ولذلك، من المهم إدراك أن الكيان الإسرائيل بدون الدعم الأمريكي البريطاني تحديدا، مع المساندة الألمانية ومن باقي الحلف الغربي، أضعف مما نتصور، وهزيمته أقرب مما نتخيل، أما مع "المحاليل" العسكرية والاقتصادية والسياسة والتقنية التي يعتمد عليها بشكل يومي، فإن المواجهة ستكون مع "إسرائيل" والحلف الذي يقف وراءها، والذي بدأ في التصدع، مع تراجع الدعم الدولي، نتيجة للضغط الشعبي على الحكومات الدولية، كرد فعل إنساني وطبيعي على جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.
وبالحديث عن قطاع غزة، يجب علينا الانتباه إلى الهزيمة التي يتعرض لها جيش الاحتلال، أمام المقاومة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في القطاع وفي الضفة الغربية المحتلة، والتي يخوض فيها الفلسطينيون ملحمة بطولية دفاعا عن أرضهم وأرضنا، وعن مقدساتهم ومقدساتنا، وعن هويتهم وهويتنا.
ونقول هزيمة، لأن كيان الاحتلال لم يحقق أيا من أهدافه حتى الآن، فلم يقض على حركات المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس كما أعلن قادته، ولم يحرر أسراه المحتجزين في قطاع غزة كما يتمنى، ولم يفرغ القطاع من أهله ويجبرهم على التهجير القسري كما يخطط، وكلما زادت هزائم الاحتلال كلما زادت جرائمه ومذابحه بحق المدنيين، والتي تعد الدليل الأكبر على ورطته وأزمته الكبرى التي يعيشها، فهل توجد أزمة أكبر من فشل "جيش لا يقهر" أمام حركات مقاومة وميلشيا محاصرة برا وجوا وبحرا؟
وهل توجد أزمة أكبر من تزايد معدلات الهجرة العكسية من الكيان الإسرائيلي، ما يعني عمليا القضاء على الهدف من وجود الكيان أصلا، وهل توجد أزمة أكبر من الخسائر الاقتصادية الرهيبة التي يعاني منها الكيان كتكلفة مباشرة لحرب العدوان على غزة والضفة، وهل توجد كارثة أكبر من حالة الكراهية المنتشرة للكيان الإسرائيلي، وانكشافه أمام شعوب العالم ككيان عنصري استيطاني لا أخلاقي؟
وبالعودة للوضع الإقليمي والدولي، فإن هزيمة الكيان الصهيوني تعني هزيمة الحلف الأمريكي البريطاني الغربي، وعسى أن تكون قريبة، مع الهزائم التي لحقت وتلحق بالولايات المتحدة، بدء من أفغانستان، مرورا بالعراق، وصولا إلى أوكرانيا، وما فيتنام منهم ببعيدة، مع وقوف روسيا على قدميها والصعود السريع والساحق للصين، والتحالف معهما يعني الكثير.
ولكن، علينا إدراك أن هزيمة بيت العنكبوت، لن تكون إلا بوحدتنا نحن كعرب، مع حتمية الإفاقة من وهم القوة الأمريكية، والنموذج الأمريكي، والحلم الأمريكي، فهناك نماذج وأحلام أخرى علينا الانتباه إليها والتفكير فيها، وهناك مستقبل يتشكل، ومنطقة يعاد تكوينها، فهل يكون لنا نصيبا فيها، أم نظل أسرى لخيوط العنكبوت الواهنة.