و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

محمود كبيش: قانون مخيب للآمال

عميد كلية الحقوق الأسبق يفجر مشروع قانون الإجراءات الجنائية ويكشف الأخطاء

موقع الصفحة الأولى

حصل موقع الصفحة الأولى، على دراسة شاملة ومتكاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، أعدها الأستاذ الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة الأسبق، أستاذ القانون الجنائي، المحامي بالنقض، والذي كشف فيها عن أبرز سلبيات وعيوب المشروع، كما تحدث عن إيجابياته، وعن المواد التي خرج مشروع القانون بدونها وكان ينبغي أن يحتوي عليها.

وأكد عميد كلية الحقوق الأسبق أن هذا المشروع أثار حوله ضجة، وتعلقت به الآمال وروج له لفترة زمنية طويلة، إلا أنه جاء مخيباً لكل الآمال، فقد كان منتظرا منه معالجة كافة السلبيات الموجودة في النصوص الحالية لقانون الإجراءات الجنائية سواء ما يتعلق فيها بكفالة حق الدفاع أو تدعيم الحريات الفردية، وفي المجمل كفالة عدالة جنائية حقيقية.، كما جاءت العديد من المواد فيه مخالفة للدستور، خاصة فيما يتعلق بضمان الحريات الشخصية.

كما طالب "كبيش" بالاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة، فيما يتعلق بتسجيل وقائع القبض والتفتيش بالصوت والصورة، بوتسجيل جلسات المحاكمة والإجراءات التي تحدث فيها، وكذلك استحداث آلية للإعلانات تمنع الإعلانات الوهمية، لتجنب الكثير من الأحكام الغيابية التي يعاني منها المواطنون.

 

ملاحظات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية

وقال الدكتور محمود كبيش إن أهم ملاحظاته على مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعد من قبل اللجنة الفرعية للجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب تتمثل في أنه في الأساس أعاد المشروع صياغة نصوص قانون الإجراءات الجنائية الحالي ليكرس ذات النصوص ومنها التي تخالف مبادئ الدستور، والتي لا تكفل على وجه صحيح حقوق الدفاع، وتتنافى مع إعتبارات وأسس العدالة، ومن ثم جاء هذا المشروع مخيباً للأمال التي تعلقت به بسبب الترويج له واستغراق إعداده فترة طويلة من الزمان.

وأضاف أن المشروع لم يرد فيه تعديلات بخصوص التأكيد على كفالة حق الدفاع بالوكالة الذي نص عليه الدستور فكرس المشروع ذات النصوص التي تلتزم بحضور المتهم بشخصه في محاكمات الجنح المستأنفة، كذلك كرس ذات النصوص التي توجب حضور المتهم بشخصه في محاكمات الجنايات إذا رأى القاضي ذلك، وذلك كله بالمخالفة للمبدأ الدستوري الذي يقضي بكفالة حق الدفاع أصالة أو بالوكالة.

كذلك أعاد المشروع صياغة ذات النصوص التي تعطى لسلطة التحقيق الحق في إجراء التحقيقات دون حضور المحامى، والحق في حجب أوراق التحقيق عن المحامي، وذلك كله بالمخالفة للمبادئ الدستورية وقانون المحاماة، كما أعاد المشروع ذات النصوص التي تقصر حق الطعن على الأحكام الجنائية على النيابة العامة والمتهم دون المجنى عليهم أو المدعى بالحقوق المدنية.

وأضاف عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة الأسبق أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية أعاد صياغة ذات النصوص التي تجيز لسلطة التحقيق ندب مأمورى الضبط القضائي المباشرة إجراءات التحقيق، ومنها إستجواب المتهم في حالات معينة، وهو ما يتنافى مع الأسس التي تنهض عليها العدالة الجنائية القويمة بألا تباشر إجراءات التحقيق بأى حال سوى من السلطة القضائية المختصة.

إخلال جسيم بحق الدفاع

كما أعاد المشروع ذات النصوص الخاصة بإستئناف أحكام الجنايات رغم الملاحظات التي أبديت عليها، وبصفة خاصة جواز إستئناف النيابة العامة للأحكام الغيابية الصادرة من محكمة أول درجة، وهو ما ينطوى على إخلال جسيم بحق الدفاع، خصوصاً أن الحكم الغيابي حكم تهديدي.  

وأيضا النص في المادة 408 من المشروع على أنه إذا تخلف المحكوم عليه أو وكيله بغير عذر عن الحضور في الجلسة المحددة لنظر إستئنافه أو في أي جلسة تالية تندب له المحكمة محامياً للدفاع عنه وتفصل في الدعوى، رغم أن هذا النص معيب من أساسه وينطوى على إخلال بحق الدفاع: إذ يحرم المتهم من دفاع حقيقي من محام إختاره هو، خصوصاً أنه قد يكون المتهم قد تغيب بعذر وليس أمامه من سبيل لتقديم هذا العذر أخذاً في الاعتبار أن الحكم سيكون حضورياً، ولن يكون هناك وسيلة لتقديم العذر مع عدم وجود إمكانية للمعارضة الإستئنافية في الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات المستأنفة على غرار محاكم الجنح المستأنفة.

وأكد استاذ القانون الجنائي أن المشروع أعاد بصفة أصلية صياغة ذات النصوص التي يتضمنها قانون الإجراءات الجنائية الحالي، والتي كان ينتظر إعادة النظر فيها حتى يتناسب المشروع الجديد مع المبادئ الدستورية.

ولفت الدكتور محمود كبيش إلى أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية أضاف في بعض مواده عبارات لا يتضمنها قانون الإجراءات الجنائية الحالي، ليكرس بذلك الإخلال بحقوق الدفاع.

 

التحقيق مع المتهم

وقال إنه وفقا لنص المادة 124 من قانون الإجراءات الحالي في فقرتها الثالثة (في خصوص التحقيق مع المتهم) على أنه: "وللمحامى أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات"، ولم يرد فيها تطلب إذن المحقق بذلك، بينما جاء المشروع في المادة 72 منه ليقرر: "لا يجوز لوكيل الخصم الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة العامة، فإذا لم يأذن وجب إثبات ذلك في المحضر".

وحذر "كبيش" من أن ذلك النص يضيف، حتى من ناحية الشكل، سلطة للمحقق قد تنطوي على مساس بحقوق الدفاع أثناء التحقيق الإبتدائي واستهانة بالمحامى الحاضر.

كما استحدث المشروع عبارة في المادة 242 منه، لم يتضمنها قانون الإجراءات الجنائية الحالي، قد تنطوى على إساءة معنوية لمهنة المحاماة، فضلاً عما قد تؤدى إليه من إخلال بحقوق الدفاع وإعاقة للمحامى عن أداء واجباته، حيث إستحدث المشروع النص على أنه: "إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة تشويشاً مخلاً بالنظام، أو ما يستدعى مؤاخذته جنائياً يحرر رئيس الجلسة محضراً بما حدث وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامى الى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعى مؤاخذة جنائية، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعى مؤاخذته تأديبيا.

وحذر "كبيش" من أنه نص سئ السمعة يسئ إلى مهنة المحاماة، وقد يقود الى إعاقة عمل المحامى في الدفاع ولم يكن له أي مبرر فالنص الخاص بجرائم الجلسات كفيل بمواجهة الحالات التي يحدث فيها إخلال بالنظام داخل الجلسة أو إرتكاب إحدى الجرائم، خصوصاً أن عبارة "التشويش التي تضمنها النص عبارة فضفاضة يمكن إستغلالها بطريقة غير صحيحة.

واستحدث المشروع أيضا في المادة 520 منه، نصا يسمح بإخفاء شخصية الشاهد وبياناته وهو أمر قد يتنافى مع اعتبارات العدالة، إذ بذلك يمكن أن تعتمد المحكمة على شهادة شخص مجهول وتصدر حكماً بناء عليها باعتبارها دليلاً في الدعوى دون تمكين أصحاب الشأن من مناقشة هذه الشهادة وبيان عوارها باعتبار أن ذلك غير متصور من الناحية العملية ما لم تكن شخصية الشاهد معلومة.

إيجابيات مشروع قانون الإجراءات الجنائية

ولم يتحدث عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة الأسبق فقط عن سلبيات مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعد من قبل اللجنة الفرعية للجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، بل عرض الإيجابيات التي أضافها المشروع، وذلك من باب الإنصاف والعدالة.

وقال أستاذ القانون الجنائي، إن المشروع نص صراحة على حق المتهم في الصمت وعلى وجوب تنبيهه إلى ذلك، ولكنه لم يضف كثيراً في هذا الخصوص، فهذا المبدأ مقرر في الدستور وتقره المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ولا يحتاج الى نص خاص يؤكده.

كما نص المشروع في المادة 120 وما بعدها على حدود قصوى للحبس الإحتياطي سواء في مرحلة التحقيق الإبتدائي أو في كافة مراحل الإجراءات الجنائية أقل من تلك المقررة في قانون الإجراءات الحالي، وهي الحبس بمعرفة النيابة، ففي الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، يجب الإفراج عن المتهم المقبوض عليه بعد مرور 8 أيام من تاريخ استجوابه، إذا كان له محل إقامة معروف في مصر ولم يكن عائداً أو سبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة.

أما في غير ذلك من الجنح، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ثلاثة أشهر، وفي الجنايات، لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على خمسة أشهر.

كما نظم المشروع الحبس بمعرفة المحكمة المختصة سواء أثناء التحقيق الابتدائي أو أثناء المحاكمة، وسواء في الجنايات أو الجنح لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي عن ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز 4 أشهر في الجنح و12 شهراً في الجنايات و18 شهراً إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد أو الإعدام. ولمحكمة الجنايات المستأنفة ومحكمة النقض إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو السجن المؤيد فيمكن أن تصل مدة الحبس الاحتياطي الى سنتين.

 

الحدود القصوى للحبس الاحتياطي

وأكد الدكتور محمود كبيش، أنه يلاحظ أنه حتى في هذا الخصوص لم يأت المشروع بإضافات ذات شأن الى ما هو مقرر في قانون الإجراءات الجنائية الحالي منذ 2006 وما طرأ عليه من تعديلات لاحقاً، فالحدود القصوى للحبس الاحتياطي حالياً في قانون الإجراءات الجنائية هي ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة الحرية بحيث لا تجاوز 6 أشهر في الجنح، و8 أشهر في الجنايات وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام، وإن كان قانون الإجراءات الجنائية الحالي يستثنى محكمة النقض ومحكمة الإحالة، في حالة كان هناك إحالة، من هذه الحدود القصوى إذا كانت العقوبة المحكوم بها هي الإعدام أو السجن المؤيد.

وقال "كبيش" إن معنى ذلك، أن التعديلات في الحدود القصوى للحبس الاحتياطي في المشروع ليست ذات أهمية بالمقارنة بالمنصوص عليه حاليا في قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما لا يستحق الترويج لهذا المشروع في هذا الخصوص بالشكل الذي تم به.

 

التعويض على الحبس الإحتياطي

كما نص مشروع قانون الإجراءات الجنائية على تنظيم التعويض على الحبس الإحتياطي، حيث إستحدث نصاً ينظم التعويض عن الحبس الاحتياطى، في المادة 523، وذلك في حالات: إذا كانت الواقعة محل الإتهام معاقب عليها بالغرامة أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة نقل عن سنة وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم في مصر وهذه الحالة تفترض أن الحبس الاحتياطي تم في غير الحالات التي قررها القانون، وفي حالة إذا صدر أمر نهائي بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم صحة الواقعة، وفي حالة إذا صدر حكم بات ببرائته من جميع الاتهامات المنسوبة اليه مبنياً على أن الواقعة غير معاقب عليها، أو غير صحيحة، أو لأي سبب آخر خلاف حالات البطلان أو التشكيك في صحة الاتهام أو أسباب الإباحة أو الإعفاء من العقاب أو العفو أو امتناع المسئولية.

وأشار عميد كلية الحقوق الأسبق إلى أن مبدأ التعويض عن الحبس الاحتياطي مقرر منذ 2006 وكرسه دستور 2014 وكان ينقصه التنظيم القانوني، وأن الحالات التي حصر فيها نص المشروع استحقاق التعويض على الحبس الإحتياطى يستحيل أو يندر من الناحية العلمية توافرها بما يجعل هذا التنظيم غير ذي جدوى، فضلاً عن التناقض الذي تضمنه النص، فحالات الحبس الإحتياطى في جرائم لا يجوز فيها قانوناً الحبس الإحتياطي نادرة للغاية.

فالمشروع اشترط للتعويض في حالة الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أن يكون هذا الأمر قد صدر لعدم صحة الواقعة، دون حالة أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً، وهو ما يتناقض مع حالة صدور حكم بات بالبراءة. فقد نص على التعويض سواء أكان الحكم مستنداً لعدم صحة الواقعة أو لأن الواقعة غير معاقب عليها وهي تفرقة غير مفهومة.

كما أن اشتراط أن يكون الحكم البات بالبراءة صادراً لعدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها يجعل إستحقاق التعويض شبه مستحيل لأن الأحكام الجنائية غالبا تؤسس البراءة على مجرد التشكك في الإتهامات، فكل ما سبق يجعل النص على التعويض عن الحبس الاحتياطى غير ذي جدوى من ناحية التطبيق العملي.

مواد تنقص قانون الإجراءات الجنائية  

طالب "كبيش" بمعالجة بعض القصور في نصوص إستئناف أحكام الجنايات، كما كان مطلوباً أن يتواكب مع هذا المشروع تعديل القانون رقم 57 لسنة 1959 بالعودة الى الوظيفة الأساسية لمحكمة النقض وقصرها على مراقبة صحة الأحكام دون الإستمرار في إتقال كاهلها بنظر الموضوع والذي كان له تأثير سلبي على العدالة الجنائية.

وأضاف "كبيش": كنا ننتظر الاستفادة من التطورات التقنية الحديثة، لضبط الأدلة في المواد الجنائية، وضمان الحريات الشخصية بالنص على إلزام مأموري الضبط بتسجيل وقائع القبض والتفتيش بالصوت والصورة لكي تكون دليلاً معتبراً في القضايا، كما كنا ننتظر أن يأخذ المشروع بما أخذت به كثير من التشريعات الحديثة بتسجيل جلسات المحاكمة والإجراءات التي تباشر فيها، وذلك لتوفير ضمانات أكبر للعدالة الجنائية، وأن يكون هناك نص على التزام جهات التحقيق والحكم بإرفاق الرقم القومي للمتهمين أو المحكوم عليهم أو الصادر لهم أوامر قضائية، وذلك للقضاء على ظاهرة تشابه الأسماء.

وطالب أستاذ القانون الجنائي بالاستفادة من وسائل التقنية الحديثة وإيجاد آلية للإعلانات تحول دون الإعلانات الوهمية وتتجنب كثيراً من الأحكام الغيابية، وقال إن كل ذلك وغيره لم يتناوله المشروع واقتصر على إعادة صياغة نصوص قانون الإجراءات الجنائية مع بعض تعديلات غير مؤثرة لم تكن تستحق إصدار مشروع متكامل للإجراءات الجنائية تم الترويج له وخلق طموحات غير محدودة لدى المهتمين بالعدالة الجنائية. 

تم نسخ الرابط