أوجه الكرم في شهر الصيام
رمضان كريم.. دعوة صاحبت الغلاء في زمن الشدة المستنصرية
رمضان كريم .. عبارة يتداولها المصريون مع بداية شهر رمضان المبارك وعلى مدى 30 يوما متصلة، مرة من أجل التهنئة بحلول شهر الصوم، ومرة للتحية فيما بينهم ومرات من أجل إنهاء حوار أو خلاف بين اثنين، ودائما ما يكون الرد عليها هو "الله أكرم".
لكن بعض الرواة أرجعوا عبارة رمضان كريم إلى زمن الشدة المستنصرية، عندما كان الناس يسألون بعضهم بعضا، فيكون الرد على لسان العامة دائما في ظل حالة المجاعة واحتياج الجميع "رمضان كريم"، أى دعوة لله عز وجل بأن يكرمهم في رمضان بفك الكرب.
زمن الشدة المستنصرية
الشدة المستنصرية هو مصطلح يطلق على مجاعة حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر.
ويروى المؤرخون حوادث قاسية في هذا الزمن، فقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في بعض الحوادث أكلوها، وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد.
وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب؛ لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.
ووفقا لما جاء في كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، فقد ظهر الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفساد وأكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط وبلغت رواية الماء دينارا وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين دينارا اشترى بها دقيق.
وعم مع الغلاء وباء شديد قضى على مئات الآلاف من البشر، وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف الثمينة.
وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً، ثم عدم ذلك كله، وأكل الناس الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.
وهو ما استمر عدة سنوات كان الناس يسألون الطعام بعضهم بعضا خاصة في شهر رمضان الذى انتشرت معه مقولة رمضان كريم والله اكرم للرد على سؤال المتسولين والمحتاجين فى الشوارع والطرقات.
كتب التراث الإسلامي
ورغم أن العبارة لم ترد في أي من كتب التراث الإسلامي وخصوصا في قرونه الأولى، إلا أن بعض المتخصصين يرون أن حقيقة عبارة "رمضان كريم" هي في الواقع لارتباط الشهر فى تاريخ الحضارة الإسلامية بالكرم والعطاء من الخلفاء والحكام لشعوبهم وبين الناس بعضهم بعضا.
وبحسب علماء اللغة فإن عبارة رمضان كريم، هي جملة خبرية، تشير إلى أن رمضان هو شهر الكرم، ولعل قائلها يقصد بها الدعاء فكأنه يدعو لغيره بأن يكون رمضان شهر كرم وبركة عليه، ويمكن أن يقصد بها الإخبار على حقيقته، ويكون معناها الإخبار عما يحصل من تفضل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم.
لم يعرف المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عبارة رمضان كريم، بل كانت التهنئة بحلول شهر رمضان عبارة عن نصيحة أو تذكير بالعبادة وحسن الطاعة.
ولذلك يحرص العلماء والوعاظ على التذكير بأن شهر رمضان هو موسم تجديد الإيمان وتقوية العلاقة بالله والإكثار من الطاعات والزيادة في الخيرات وتزكية النفوس وسعادة الأرواح.
ورغم أن كلمة رمضان ليست كلمة مرتبطة أو مقتصرة على الإسلام فقط، لأنها كانت منتشرة ومعروفة قبل الإسلام، فهي من الأسماء العربية المعلومة في الجاهلية، حيث يرجع أصلها إلى كلمة رمض، وتعني اشتداد الحر وارتفاع درجة حرارة الجو، وقد تطابقت تسمية الشهر مع الفريضة التي يؤديها المسلم في هذا الشهر الكريم، حيث أن الصيام يجعل جوف المسلم جاف وحار نتيجة شعوره بالعطش والجوع.
ويفسر البعض أحرف كلمة رمضان الخمسة كالتالي: حرف الراء: رضا الله على الصائمين، المقربين.
حرف الميم: مغفرة الله لمن يتوب إليه ويندم على ذنوبه. حرف الضاد: ضمان يقدمه الله للصائمين بدخول الجنة. حرف الألف: آلفه الله لمن يتوكل عليه. حرف النون: نوال الصائم تلبية لدعوته ورغباته.
بينما يفسر البعض كلمة رمضان من خلال كلمة رمض، والتي تعني رمض المعاصي وحرقها، وهناك من يرى أن رمضان يأتي من رميض، وهو المطر الذي يغسل الذنوب.
أوجه الكرم الرمضانى
لقد تعددت أوجه الكرم والسخاء والجود في هذا الشهر، منها كرمه فى فرحة استقباله، فرمضان شهر الفرح، والفرح هو لذة تقع فى القلب عند إدراك المحبوب فينتج عنه حالة من السرور والفرح.
وكرمه في عظمة الصيام والجزاء، فرمضان كريم فى عطاءه للمؤمن الصائم العابد، فأجر عبادة الصوم لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، حيث قال تعالى فى حديث قدسي كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لى وانا أجزي به.
كما أن رمضان كريم بالمساجد، فهي عامرة بالمصلين فى رمضان، كما أنه كريم في منزلته فهو الشهر الذى أنزل فيه القراءن الكريم أعظم الكتب السماوية، وفيه ليلة القدر التي هي ليلة خير من ألف شهر.
وكذلك رمضان كريم بالطاعات وكثرتها والمنح التى منحها الله للمسلمين فى هذا الشهر، ورمضان كريم بملايين بل مليارات من الحسنات تستطيع أن تحققها فالحسنات تتزايد وتتضاعف ولا تنسى في رمضان
وأيضا رمضان كريم بين الناس، فلا تجد فقيرا يعانى في هذا الشهر الذي تكثر فيه الصدقات ويزيد التضامن والتآلف بين الناس وتكثر مساعدة الناس بعضهم بعضا.
ليس من كرم هذا الشهر المعاصى، بل الطاعات والعادات التى لا تعارض الشرع، فكرمه من كرم الله لقد منح الله هذا الكرم ليصبح رمضان كريم فمن أسماء الله الحسنى الكريم. وعموما فقد منح هذا الشهر صفة الكرم لأنه شهر كل الكرم والمنح والعطاء وشهر الجود والخير والصدقات.