أحزاب المعارضة تبحث عن مرشح توافقي
زلزال سياسي في الجزائر بعد قرار تقديم الانتخابات الرئاسية.. وتبون يستعد للتمديد
تسبب قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية واجرائها مبكرا في شهر سبتمبر 2024، في حالة شديدة من الجدل بين المواطنين الجزائريين وفي الشارع السياسي وداخل أحزاب المعارضة، خاصة وأن إعلان تبون عن الانتخابات المبكرة، لم يقترن بحسم موقفه من الترشح لولاية ثانية، أم الاكتفاء بفترته الرئاسية الحالية.
وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت أن الرئيس عبد المجيد تبون قرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في السابع من سبتمبر المقبل، على أن يتم استدعاء الهيئة الناخبة يوم 8 يونيو المقبل، وجاء قرار تبون بعد رئاسته اجتماعاً ضم رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس الحكومة ورئيس أركان الجيش، ووزير الداخلية ورئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وجاء قرار الرئيس الجزائري، بعد التلميحات التي أطلقها نهاية عام 2023، عن رغبته في الترشح لولاية ثانية، وقال ردا على مطالبة بعض البرلمانيين له بالترشح من جديد: «إن شاء الله ربي يعطينا الصحة، وفي النهاية الشعب هو من يقرر».
الجيش الجزائري يساند تبون
وربما يستند تبون عند اتخاذه قرار الترشح لولاية رئاسية ثانية، إلى مساندة الجيش الجزائري، الرقم القوي والصعب في الحياة السياسية، خاصة بعد حديث مجلة الجيش الرسمية، في عددها الصادر يناير 2024، عن أن فترة تبون الرئاسية الأولى كانت إيجابية، ودعوة المجلة إلى استمراره في قصر المرادية.
أما وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فحاولت تقديم تبرير وشرح لقرار الرئيس تبون بالدعوة للانتخابات الرئاسية المبكرة، وقالت إن القرار يستند إلى وجود دواع تكتيكية، وحاولت نفي وجود أزمة في هرم السلطة قد تمنع الرئيس الحالي من الترشح لفترة ثانية، بل ولمحت إلى أن تبون سيكون رئيس البلاد في السنوات الخمس المقبلة.
وتحدثت الوكالة الجزائرية عن وجود تهديدات خارجية حقيقية وملموسة، وهو ما يؤدي إلى ضرورة خفض مدة الفترة الرئاسية الأولى، باعتباره ضرورة تكتيكية، استباقًا لاضطرابات مبرمجة حسب وصف الوكالة.
أحزاب المعارضة تختار مرشح توافقي
من جانبها، قررت أحزاب جزائرية معارضة، بدء مشاورات بين أعضائها، لاختيار مرشح توافقي لخوض انتخابات الرئاسة المقررة في سبتمبر المقبل، وتأتي مبادرة الأحزاب تحت قيادة الوزير السابق بلقاسم ساحلي، رئيس التحالف الوطني الجمهوري.
وقال ساحلي إن المجموعة اجتمعت لبحث التطورات الأخيرة بعد قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، وتقديم تشخيص للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، بهدف إعادة الاعتبار للفعل السياسي، وتجاوز حالة الجمود الحزبي والحصار الإعلامي، على أن يجري الإعلان عن تكتل سياسي يجمع الأحزاب، وتزكية مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية.
ويتشكل التحالف المعارض من أحزاب «التجديد والتنمية، وجبهة النضال الوطني، وحركة الوفاق الوطني، والجبهة الديمقراطية الحرة»، كما يضم أيضا التحالف الجمهوري.
أما زبيدة عسول، المحامية الجزائرية الشهيرة ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، فقررت خوض الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وقالت إن وضع البلاد لا يتحمل الاستمرار تحت حكم هذا النظام، الذي وصفته بالمتأزم داخليا، والاقتصاد العاجز عن التخلص من التبعية لأسعار البترول، وطالبت الشعب الجزائري ممارسة حقه في التصويت في الانتخابات الرئاسية.
زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا
وربط الدكتور مهدي فتاك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، مؤسس مبادرة تمنراست للتعاون الإقليمي، بين زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا "المستعمر القديم" بداية أكتوبر المقبل، وبين الموعد القديم الذي كان محددا للانتخابات الرئاسية نهاية العام، وقال إن تزامن الموعدين أثار تساؤلات حول كيف يمكن للرئيس زيارة فرنسا خلال الحملة الانتخابية، ليفاجئ الرئيس تبون الجميع ويعلن عن تقديم موعد الانتخابات بثلاثة أشهر.
وأضاف فتاك في تصريحاته لموقع الصفحة الأولى، أن المتابع لأوضاع الجزائر منذ 2018 يدرك أن النظام الجزائري مر بفترة عصيبة بدأت بأزمة سياسية حول ترشيح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لفترة خامسة، ثم بروز حراك شعبي ألغى الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يونيو 2019، وجاء الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، حتى موعد إجراء انتخابات شهر ديسمبر من نفس السنة، والتي فاز فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، أن العديد من وسائل الاعلام، خصوصا الفرنسية، روجت لفكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية وبدأت التكهنات تدور حول السبب وترجيح إمكانية أن الامر يعود إلى الصراع مع المغرب والاضطرابات التي تشهدها دول الجوار.
أزمات جزائرية داخلية وخارجية
وأشار فتاك إلى أن فترة الرئيس تبون الأولى شهدت العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، منها أزمة كورونا والتي أدخلت البلاد في إغلاق تام كباقي دول العالم وأدخلت الرئيس نفسه في أزمة صحية، ورغم ذلك تم الحديث عن العديد من الإنجازات، ومنها إعادة كتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية، وإجراء إصلاح قانوني، وحدوث تكيف مع الأزمة الاقتصاد العالمية، مع حلحلة الأزمة السياسية الداخلية.
وعاد أستاذ العلوم السياسية الجزائري ليؤكد أن النجاح في ضمان استقرار الجبهة الداخلية، يقابله حالة من عدم الاستقرار في علاقات الجزائر الخارجية، وأرجع ذلك إلى موقفها من ملف التطبيع، حيث حاولت العديد من الأطراف الضغط من أجل فرض موقف جزائري يتماشى مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما رفضته الجزائر وأعلنت عن موقفها المعادي للتطبيع وللهرولة نحوه من دول الخليج والمغرب، وتبع ذلك أيضا خلق أزمات عديدة، منها محاولة افشال عقد القمة العربية، وتمييع اتفاق المصالحة الفلسطينية، ودعم المغرب في ملف الصحراء الغربية بإنشاء قنصليات في العيون وكذلك السياسات التخريبية للمصالح الجزائرية في منطقة الساحل.
ضغوط أمريكية
وأشار إلى زيادة الضغوط الامريكية على الجزائر، بداية من دعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمغرب، إضافة إلى موقف الجزائر من أزمة الغاز، ورفض إعادة تشغيل خط الغاز العابر للأراضي المغربية تجاه إسبانيا، وأيضا موقفها الحالي من أزمة غزة.
وحول سبب تبكير الانتخابات الرئاسية الجزائرية، قال فتاك إن الشق التنظيمي يتعلق باستحالة تنظيم انتخابات في فصل الشتاء نتيجة الاضطرابات المناخية التي تمنع المرشحين من خوض الحملة الانتخابية، وتصعب على المواطنين الانتقال إلى مكاتب التصويت، وكانت تجربة ديسمبر 2019 دليل على ذلك، إضافة إلى صعوبة إجراء الانتخابات صيفا، خاصة في مناطق الهضاب العليا والصحراء، خاصة وأن تاريخ الانتخابات في الجزائر يؤكد أن فصلي الخريف والربيع أكثر الفترات الملائمة.
أسباب سياسية
أما الأسباب السياسية، فمحاولة الانتقاص من شرعية الرئيس سواء من أطراف محلية او خارجية طيلة الفترة الانتخابية، جعلت الرئيس تبون، أدت إلى قرار تقليص عهدته الانتخابية بثلاثة أشهر، وتغليبه للمصلحة الوطنية على مصلحته الشخصي، وأيضا من الأسباب الأخرى، ضغوطات البيئة السياسية الدولية حيث يشهد العام 2024، إجراء انتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية قد تعيد ترامب إلى السلطة ما يجعل المنطقة تعيش اضطرابات لا متناهية لا تخدم الجزائر.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو أن الساحة السياسية الجزائرية أصبحت "متصحرة" من مرشحين أقوياء يستطيعون منافسة الرئيس تبون، لذلك يبدو أن هناك شبه اجماع في الشارع الجزائري على استعداد الرئيس لتولي منصب الرئاسة لفترة ثانية، إضافة إلى الشعبية التي اكتسبها من خلال مواقفه سواء الداخلية في إطار مكافحة الفساد، أو الخارجية المعادية لاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الغربية.