والذين معه
وصية علي بن أبي طالب وآخر ما قاله قبل استشهاده في رمضان
اليوم، لقائنا مع الإمام علي بن أبي طالب، مكرم الوجه، السخي، القوي الشجاع، الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي»، أول من أسلم من الصبيان، من نام في فراش النبي عند هجرته، أحبه النبي وزوجه ابنته الزهراء، ومنه نسل النبي حتى قيام الساعة.
نسب ولقب علي بن أبي طالب
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وكانت كنيته أبو الحسن، وأبو ترابٍ، وهي التي أطلقها عليه الرسول بعدما وجده نائما في المسجد وقد أصاب جسده التراب، بعد أن سقط رداءه عنه، فمسح الرسول التراب عنه، وهو يقول له: «قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ» [رواه البخاري].
ولادة علي بن أبي طالب
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، مولود في داخل الكعبة، وهو أول من يولد في ذلك المكان الطيب المبارك، مع اختلاف بين الروايات حول تاريخ ميلاده بالتحديد، فمنهم من قال قبل البعثة بعشر سنوات، ومنهم من قال قبلها بخمس عشرة أو ست عشرة سنة، ومنهم من اتجه إلى القول بأنه كان قبل البعثة بخمس سنوات.
وكان علي أصغر أولاد أبيه، سيد قريش والمسؤول عن سقاية الحجاج، أما أمه، فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وقيل إنها أول هاشمية تلد لهاشمي، وكان والداه كفلا رسول الله، بعدما توفي أبويه وجدّه عبد المطلب، حيث تربى النبي ونشأ في بيتهما.
وبعدها بسنوات، تكفل الرسول برعاية وتربية علي، وقصة ذلك تعود، حينما عانت قبيلة قريش في أحد الأعوام من أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير الأولاد وكثير المسؤوليات والأعباء، بسبب زعامته لقريش وتوليه مسؤولية سقاية الحجاج، فقرر النبي مع عمه العباس، أن يتكفلا كل واحد منهما بأحد أبنائه، للتخفيف عن أبي طالب، فتكفل العباس بجعفر، وتكفل الرسول بعلي، ومن وقتها تربى في بيت النبوة.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ملازما للنبي عليه الصلاة والسلام ويذهب معه إلى أي مكان، حتى أنه ذهب معه إلى غار حراء للتعبد والصلاة، كما كان قبل الإسلام حنفيا، ولم يسجد لصنم أبدا طوال حياته، ولذلك يقال عن علي حين يذكر اسمه كرم الله وجهه، كما يقال إن ذلك بسبب أنه لم ينظر إلى عورة أحد أبدا.
زوجات علي ابن أبي طالب وأولاده
تزوّج الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بعددٍ من النساء، وأنجب منهنّ العديد من الأبناء، ولكنه لم يتزوج على السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول أي امرأة في حياتها، وبعد وفاتها تزوج من أم البنين بنت حزام الكلابيّة، وليلى بنت مسعود التميميّة، وأم حبيبة بنت زمعة التغلبيّة، وأم سعيد بنت عروة الثقفيّة، وأسماء بنت عُميس الخثعميّة، وأُمامه بنت أبي العاص، خولة بنت جعفر الحنفيّة.
وأنجب الإمام علي من فاطمة الزهراء، الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى وأم كلثوم، كما أنجب من أم البنين بنت حزام الكلابيّة، العبّاس وجعفر وعبد الله وعثمان، ومن ليلى بنت مسعود التميميّة أنجب عبيد الله وأبو بكر، ومن أم حبيبة بنت زمعة التغلبيّة أنجب عمر ورقية، ومن أم سعيد بنت عروة الثقفيّة أنجب أم الحسن ورملة الكبرى، ومن أسماء بنت عُميس الخثعميّة أنجب يحيى ومحمد الأصغر وعون، ومن أُمامة بنت أبي العاص أنجب محمد الأوسط، ومن خولة بنت جعفر الحنفيّة، محمد الأكبر، المعروف بابن الحنفيّة.
صفات الإمام علي بن ابي طالب
ووصف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأنه رجلا رِبعة في القامة، له لحية بيضاء كبيرة تصل إلى صدره، وكانت هامته ضخمة وذراعه ضخمة، وأيضا ساقه، عريض المنكبَين، وكان من يراه يشبه وجهه بالبدر، وعينيه صغيرتين، وكان رأسه أصلع الرأس، ولكن يوجد شعر أبيض خلفه.
وعرف سيدنا علي بن أبي طالب بمعرفته وحكمته العالية والحِكمة، وقال عنه عبد الله بن عبّاس: "كنّا إذا أتانا الثَّبْت عن علي -رضي الله عنه- لم نَعْدل به، بينما قال ابن شُبرُمة: "إذا ثبت لنا الحديث عن علي -رضي الله عنه- أخذناه وتركنا ما سواه"، كما كان أكثر الصحابة دراية بأمور القضاء، ويروي عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله قال: "أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللَّهُ عمرُ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ".
واشتهر الإمام عليّ بكرمه الشديد، وكان قضاء حاجة الآخرين أحبّ إلى قلبه ممّا في الأرض من كنوز، كما أوقف في حياته من الأوقاف حوالي أربعين ألف دينارا.
استشهاد الإمام علي بن أبي طالب
استشهد الإمام على ابن أبى طالب، بعد الضربة التي تلقاها من أحد الخوارج، وهو عبد الرحمن بن ملجم في شهر رمضان سنة 40 هجرية، ولما أدرك سيدنا علي أنه سيموت، كتب وصيته، والمذكورة في كتاب البداية والنهاية لابن كثير.
وصية علي بن أبي طالب
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.
أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فإنّي سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: “إنّ صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام” انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوا ليهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام فلا تعفو أفواهم ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنّهم وصية نبيكم، ما زال يوصى بهم حتى ظننا أنّه سيورثهم.
والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإنّ صيامه جنة من النار.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة فإنّها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم.
والله الله في أصحاب نبيكم فإنّ رسول الله ﷺ أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإنّ آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: « أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم».
الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله.
ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ثم لم ينطق سيدنا علي بن أبي طالب إلا بلا إله إلا الله حتى مات.