و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

أخر ثلاثة نجحوا فى إسقاط نظام

حكاية أهم 5 ثورات مرت على مصر من العرابية لـ30 يونيو

موقع الصفحة الأولى

مع الاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير 2011، شهد تاريخ الشعب المصري الحديث العديد من ثورات التحرر الوطني والدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة، والتي اندلعت في مواجهة الظلم والطغيان والاستبداد الداخلي، والاحتلال الخارجي، ولكن السمة الأبرز لمعظم الثورات المصرية، هي اتحاد الشعب مع الجيش صفا واحدا كالبنيان المرصوص، بعدما مثلت القوات المسلحة المصرية "عمود الخيمة" في الدولة الوطنية المصرية.  

الثورة العرابية

من أكثر الثورات المظلومة في التاريخ، والتي طالب فيها الشعب والجيش بالحرية والعدالة والاستقلال، بقيادة الزعيم أحمد عرابي، والذي تعرض لمؤامرة من الخديوي توفيق متحالفا مع السلطان العثماني والإنجليز، ليتهم ظلما بعد ذلك بأنه تسبب في الاحتلال البريطاني لمصر.

وبدات أحداث الثورة العرابية بتقديم زعيمها عريضة باسم الضباط لإقالة ناظر الجهادية، ليوافق الخديوي توفيق على المطالب، لتستغل الثورة ذلك وتقدم لائحة بزيادة المرتبات للجند، وتحسين جودة الطعام مع سن قوانين للترقي، وإعادة الضباط المطرودين، ليذيع صيت عرابي بين الضباط والجنود والشعب المصري كله.

ومع خشية الزعيم أحمد عرابي من وقوع مصر فريسة للاحتلال البريطاني، أرسل رسالة للأعيان للمطالبة بإقالة وزارة رياض باشا، مع إبلاغه لناظر الجهادية بأن آلاي "لواءات" القاهرة ستجتمع أمام قصر عابدين في التاسع من سبتمبر 1881.

وفي يوم المظاهرة التي اتحد فيها الجيش مع الشعب، حضر عرابي ومعه لواءات الجيش، وخرج الناس وراءهم إلى قصر عابدين، وعندما رأى الخديوي احتشاد الجنود طالبهم بإغماد سيوفهم والعودة إلى أماكنهم، فلم يجيبوه، فسأل عرابي عن طلباته، فأجابه بأنهم يطلبون "إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس النواب على النسق الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى القدر المحدد في فرمانات السلطان العثماني، كوان قوام الجيش 12 ألف جندي، والفرمان السلطاني يقضي بأن يكون 18 ألفا.  

رفض الخديوي هذه المطالب وقال لعرابي "ما أنتم إلا عبيد إحساننا"، فقال عرابي جملته الشهيرة "نحن خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم".

وتقدمت الحكومتان البريطانية والفرنسية بمذكرة مشتركة طالبتا باستقالة حكومة البارودي وإخراج عرابي من القطر المصري، وإبعاد عبد العال بك حلمي وعلي بك فهمي إلى الأرياف، مع احتفاظهم جميعا برتبهم وراتبهم ونياشينهم، وأكدتا دعم الخديوي.

قبل الخديوي المذكرة، واستقالت الحكومة على إثرها رفضا للتدخل الأجنبي، لكن أعيان القطر وضباط آلاي الإسكندرية ذهبوا إلى الخديوي وأبلغوه رفضهم المذكرة المشتركة، وأنهم لا يرضون غير عرابي وزيرا للجهادية، وأنه إن لم يعد خلال 12 ساعة فإنهم غير مسؤولين عما سيحدث، فاضطر الخديوي للتراجع، فتمت إعادة عرابي إلى وزارة الجهادية، لكن القوات الأجنبية لم يعجبها ذلك.

كانت الأساطيل لا تزال مرابطة على شواطئ الإسكندرية، وبدأت القصف صباح 11 يوليو 1882، ولم تصمد المدينة أمام القصف الذي دكّها، وحاول عرابي التحصن في كفر الدوار، لكنه هزم، فانتقل العرابيون للدفاع من التل الكبير.

وفكر الجيش المصري في ردم جزءا من قناة السويس حتى لا يدخل منها الأسطول الإنجليزي، لكن ديليسبس قال لعرابي إن القناة محايدة، وأن الإنجليز لن يدخلوا منها، فتراجع عرابي عن ردمها، لكن الأسطول الإنجليزي من القناة في 26 يونيو، لتكتمل فصول الخيانة

سلّم عرابي نفسه في القاهرة بعد دخول الإنجليز، وحوكم ورفاقه بقرار الإعدام في الثالث من ديسمبر 1882، لكن الخديوي توفيق خففه للنفي خارج البلاد، ومنذ ذلك الحين بقي الاحتلال الإنجليزي في مصر حتى 18 يونيو 1956.

وفي أخر فصول الثورة العرابية تم نفي عرابي إلى جزيرة سيلان "سريلانكا" في 28 ديسمبر 1883، وبقي في المنفى 20 عاما، كتب خلالها مذكراته ورؤيته السياسية من بدايتها، حتى صدر قرار بالعفو عنه وعن زملائه، فعاد في 1903، لكنه ظل متهما ظلما بالتسبب في احتلال مصر.

ثورة 1919

اشتعلت ثورة 1919 بعد نفي زعيم الحركة الوطنية سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة مالطة، لكنه لم يكن السبب الوحيد الذى دفع المصريين للخروج في مظاهرات حاشدة، حيث كانت مطالب الشعب المصري الرئيسية  استقلال البلاد وإلغاء الحماية البريطانية.

وكان سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي ذهبوا في 13 نوفمبر 1918 إلى دار الحماية للقاء المندوب السامي البريطاني ريجنالد وينجيت، وقدموا إليه مطالب الشعب المصري، وهي إلغاء الأحكام العرفية، وإنهاء الرقابة على المطبوعات، واستقلال مصر عن الاحتلال البريطاني.

كما قرر زعماء الحركة الوطنية تأسيس هيئة الوفد المصري لجمع توكيلات من الشعب، تمنحهم الشرعية والصلاحية الكاملة في تمثيل المصريين، ووصلت التوكيلات التي تم جمعها من عموم الشعب إلى مليوني توكيل من أصل 14 مليون مواطن، ومع اتساع رقعة جمع التوكيلات أمرت سلطات الاحتلال الحكومة المصرية بمنع جمع التوقيعات ومصادرة ما تم جمعه.

وطلب زعماء الحركة الوطنية من جيش الاحتلال البريطاني السماح لهم بالسفر إلى لندن لعرض قضية مصر والإعلان عن مطالبهم، ولكن سلطات الاحتلال رفضت ذلك، وقالت إنه يمكنهم إرسال طلباتهم مكتوبة، فغضب سعد زغلول ورفاقه، وشنوا حملة مضادة لسلطات الحماية، وأرسلوا برقيات لرئيس الوزراء البريطاني لويد جورج لعرض قضية مصر والمطالبة باستقلالها.  

وفي 8 مارس عام 1919 ألقي القبض على سعد زغلول ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي، لنفيهم إلى جزيرة مالطة، وهو ما أشعل فتيل الثورة بين المصريين، واشتعل غضب الشعب المصري في القاهرة والمحافظات، وامتنع الطلاب عن تلقي دروسهم، وخرجوا بمظاهرات سلمية في الشوارع مطالبين بسقوط الحماية، مرددين هتافات مطالبة بعودة سعد زغلول ورفاقه من المنفى.

وبعد نحو شهر من اندلاع ثورة 1919، رضخت السلطات البريطانية لبعض مطالب الحركة الوطنية وفي 7 أبريل 1919 أُفرج عن سعد زغلول ورفاقه وأُعيدوا من المنفى، كما تم إلغاء قيود السفر للمصريين، والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر باريس لتمثيل الشعب المصري، وخرجت المظاهرات في جميع المحافظات احتفالا بخروج زعماء الحركة الوطنية،

ومع عودة سعد زغلول من المنفى عام 1921، وأصدرت بريطانيا تصريحا في 28 فبراير 1922 بأن مصر دولة مستقلة، وأنهت الحماية البريطانية مع تمسك سلطات الحماية بـ4 تحفظات هي: تأمين مواصلاتها في مصر، وحقها في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداء، وحماية المصالح الأجنبية، وحماية الأقليات، كما صدر أول دستور مصري عام 1923، وأُجريت الانتخابات وفاز بها حزب الوفد برئاسة سعد زغلول، وتم تشكيل أول وزارة برلمانية عام 1924، وكان سعد زغلول رئيسا لها.

ثورة 23 يوليو 1952

مثلت ثورة 23 يوليو 1952 نقطة تحول جوهرية في تاريخ مصر والوطن العربي وأفريقيا والعالم، بعدما تحولت بعد سنوات قليلة من انطلاقها إلى مرجع لكل الثورات وحركات التحرر الإقليمية والعالمية.  

وقام بثورة 23 يوليو بعض ضباط الجيش المصري، والذين أطلقوا على أنفسهم "تنظيم الضباط الأحرار" بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر، وأطلق عليها في البداية "حركة الجيش"، ثم اشتهرت فيما بعد باسم ثورة 23 يوليو وبعد أن استقرت أوضاع الثورة أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار، لتعرف باسم مجلس قيادة الثورة.

واجبر الجيش الذى حظي بتأييد شعبي كبير، الملك فاروق على التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش وتم ترحيل الملك وأسرته إلى إيطاليا على متن يخته الخاص المحروسة، ثم تم إلغاء الملكية، لينتهي حكم أسرة محمد علي وأعلنت الجمهورية عام 1953.

واعتمدت ثورة 23 يوليو 1952على ستة مبادئ أساسية وهي القضاء على الإقطاع، والاستعمار وسيطرة رأس المال، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وبناء جيش وطني، وتميزت بأنها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وقدمت وجوها وطنية شابة في مصر.  

واكتسبت الثورة تأييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين والعمال وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة، وعلى أثر نجاح الثورة اتخذ قرار بحل الأحزاب وإلغاء دستور 1923 والالتزام بفترة انتقال حددت بثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهوري جديد، كما وتبنت الثورة فكرة القومية العربية، وساندت الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكل صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا، فكان لمصر دور رائد في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز.  

ونجحت ثورة 23 يوليو في تحقيق إنجازات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، كتأميم قناة السويس، وتوقيع اتفاقية الجلاء بعد اكثر من سبعين عاما من الاحتلال البريطاني وبناء حركة قومية عربية، وأقرت مجانية التعليم وساعدت في إلغاء الطبقات بين الشعب وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي.  

ثورة 25 يناير 2011

تعتبر ثورة 25 يناير 2011 من أنصع الثورات وأشرفها على طول التاريخ المصري الحديث، رغم كل ما أحاط بها من طفيليات أصابتها بالضعف والهوان، وهي التي انطلقت شرارتها الأولي احتجاجا على الواقع المرير الذي كان يعيشه الشعب المصري، وتعبيرا واضحا عن رفض نظام حكم أصاب البلاد بالجمود والترهل، بفعل الفساد وغياب التخطيط والرؤية السياسية الوطنية الشاملة، علاوة علي إهدار كافة مباديء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

وأهان النظام الحاكم كافة القيم ووأهال التراب على مصر الحضارة وتاريخها العريق، وإنما راح يكرس لتوريث الحكم وترك الدولة لمجموعة من الهواة أغرقوا البلاد في وحل التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية بمباركة من رأس النظام الذي سخر من الشعب بمقولته الشهيرة " خليهم يتسلوا، وموافقة من قوي دولية طمعت في السيطرة على مصر".

وراقب الجيش المصري المشهد عن قرب، ووفقا لعقيدته السابقة منذ فجر التاريخ، وانحاز الجيش لحركة الشعب في الشوارع والميادين، ورفض المساس بأي مواطن مصري خرج للتعبير عن رأيه سلميا، فكان الهتاف الأبرز في تلك الأيام الخالدة "الجيش والشعب ايد واحدة"، وهو الهتاف الذي تسبب في خوف وقلق أعداء الخارج وعملائهم في الداخل.

وتمثل الحدث الأبرز صباح 25  يناير 2011، في دعوة التظاهر التي انطلقت في مصر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك، بالتزامن مع نجاح الثورة التونسية، التي حظيت باهتمام عالمي واسع.

واندلعت المظاهرات وسط ترقب محلي وإقليمي ودولي، تحت شعار "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" و"أحلف بسماها وبترابها.. الحزب الوطنى اللى خربها"، ولم تكن المطالب تتجاوز إقالة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية، إلا أن كرة الثلج كانت أسرع مما تخيل الجميع.

والتزم الجيش المصري بأكبر درجة الوعي السياسي وإدرك حساسية المرحلة الراهنة، مما أوجد مناخا من الثقة بين الجانبين وعبر بمصر مرحلة شديدة الخطورة، ما أكسب القوات المسلحة ثقة كبيرة من قبل الشعب والذي تحمس لقرارات المجلس العسكرى.

ومارس الجيش المصري دوره الوطني خلال فترة ثورة 25 يناير 2011، ونجح في الحفاظ على وحدة وصلابة مصر والوصول بسفينة الدولة الى بر الأمان وسط الأمواج العاتية التى كانت تعصف بدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وذلك سواء من خلال التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأعلى درجات الانضباط الوطنى مع أحداث الثورة، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية التى تلت إعلان مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية.

ثورة 30 يونيو 2013

مثلت ثورة 30 يونيو 2013 محطة مهمة في التاريخ المصري الحديث، والتي اكدت من جديد وحدة الشعب والجيش في مواجهة التحديات التي تسبب فيها حكم وممارسات جماعة الإخوان، والتي كادت أن تحول مصر إلى إمارة تابعة لمخططات خارجية تحت وهم فكرة الخلافة، كما مهدت لها موجة ثورية سابقة في 25 يناير 2011، والتي خرجت لمواجة حالة التردي والفساد التى صنعها الرئيس الأسبق حسني مبارك ونظامه.  

وأنهي الشعب المصري بمشاركة جيشه الوطني، حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته، بعد عام وثلاثة أيام فقط قضاها في الحكم، ارتكب خلالها أخطاء فادحة، ليحتشد المصريون بالملايين في الميادين، مطالبين بعزل مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

كما جمعت حركة تمرد الشبابية، أكثر من 23 مليون توكيل شعبي لسحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسي ونظامه، وفي يوم 1 يوليو 2013، خرج وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ببيان القوات المسلحة الذي يؤكد علي الظروف الخطيرة المحيطة بالوطن، مع إمهال الجيش 48 ساعة للجميع، لتعلو وقتها صيحات "الجيش والشعب إيد واحدة".

وفي يوم 3 يوليو 2013، أعلن أن قيادة القوات المسلحة تجتمع بمع قيادات سياسية ودينية شبابية، وبعد الاجتماع أذاع التليفزيون الرسمى بيانًا ألقاه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى، أعلن فيه إنهاء رئاسة محمد مرسى للبلاد، وتم تسليم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور لإدارة شؤون البلاد حتى إجراء انتخابات رئاسية.

تم نسخ الرابط