و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 المشكلة اكبر من كونها فرض مجموعة رسوم جمركية  عقابية والرد عليها من التنين الصيني برسوم عقابية مقابلة ، المشكلة الحقيقية ان حوالي ٣٣٪ من الناتج القومي الصيني يجد طريقة للسوق الأمريكية، وان ميزان المدفوعات مختل لصالح الصين لانها تصدر لأمريكا ما قمته ٤٣٩ مليار دولار وهو يشكل اربعة أضعاف ما تستورده منها ، الان بعد فرض جمارك بنسبة ١٠٤٪ على المنتج الصيني هذا سيؤدي الي تقليل الطلب على المنتج الصيني في السوق الأمريكي فتفقد الصين واحد من اهم اسواقها ، وهذا معناه تباطؤ الاقتصاد الصيني وخسارة الكثير من الوظائف لان الكثير من المصانع ستضطر لغلق أبوابها وسيؤدي ذلك لعجز في الاقتصاد الصيني الذي يمر بازمة فعلية الان من اثار وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وحالة التضخم العالمية والتي قللت الطلب على السلع الاستهلاكية ، هذه هي المشكلة ، وأمريكا تقوم بذلك بغرض التأثير السلبي على الاقتصاد الصيني كنوع من الحرب التجارية لكبح جماح الاقتصاد الصيني المنطلق كالصاروخ.
طبعا الصين لن تقف مكتوفة الأيدي ، لذلك هي ايضا فرضت رسوم عقابية على الواردات الاميركية للصين ، ولجأت ايضاً لحيلة قوية وهي تخفيض سعر العملة الصينية مقابل الدولار والذي سيحدث اثر عكسي بتقليل التكلفة الحدية للمنتج الصيني مقابل منتجات باقي الدول وكذلك الصين قامت بانشاء منظمة الحزام والطريق تحسباً لهذا اليوم حتى تتمكن من توزيع منتجاتها في أسواق اخرى مثل السوق العربي والأفريقي والذي رغم اعتماده على المنتج الصيني مازال يعتبر سوق ناشئ لان اجمالي الصادرات الصينية لهذه الاسواق لا يتخطى ٩٪ من الناتج القومي الصيني ، لذلك لجأت الصين الي حيلة اقراض هذه الدول مقابل مصالح لها في هذه البلاد ، وذلك لكي تحافظ على مستوى الوظائف لديها 
ولكن هناك سببين رئيسين ممكن ينتقل النزاع من كونه نزاع تجاري الي نزاع عسكري 
السبب الاول : استمرار التصرفات العقابية بين البلدين سيؤدي الي افلاس شركات كبرى في كل من الصين وأمريكا ، وهذا سيكون عامل ضغط شديد على صانع القرار للقيام بحرب محدودة 
وهنا تكمن مشكلة كبيرة اخرى ، كنا نلاحظ ان الحزب الديمقراطي الامريكي لم يتخذ اجراءات عقابية ضد الصين رغم التلويح بها ولكن كان يفضل الحلول السياسية والتفاوضية، لان اتخاذ مجموعة من الاجراءات العقابية من المستحيل الرجوع فيها إلا بعد الانتصار الكامل وإعلان الصين هزيمتها والا تعتبر أمريكا مهزومة وهذا معناه انتهاء حقبة الإمبراطورية الامريكية وبزوغ نجم امبراطورية الصين الجديدة ، لذلك لم يشأ الديموقراطيون ان يصلوا الي هذه النقطة ، ولكن ترامب كرئيس احمق ليس له في السياسة اتخذ هذه الخطوات ، في المقابل فان الصين إذا فرضت عليها هذه الحرب من المستحيل ان تتراجع لعدة اسباب اولها الخسائر المباشرة والتي تفوق تحملها على المدى البعيد وثانيها فقدان ثقة حلفائها والدول النامية فيها والتي تنظر اليها على انها الامل في كسر الغطرسة الامريكية ، وثالثها وهو الأهم فان الصين اصبح لها مصالح في العديد من الدول واستثمارات وقروض منحتها للعديد من الدول النامية وخسارتها الحرب التجارية سيجعل هذه الدول تطمع في عدم رد حقوق الصين لديها وسيؤدي بشكل مباشر في التأثير على مصالحها وهذا من المستحيل ان تتحمله الصين ، فليس هناك مفر في هذه الحالة إلا إعلان احد الأطراف انه ضعيف وانتهاء سطوته الاقتصادية او الوصول لحرب قد تكون محدودة او عالمية حتى يخرج كل طرف ويعتبر نفسه منتصرا في هذه الحرب 
باختصار تراجع امريكا يعني خسارتها للصراع التجاري واذا حدث هذا فانه يعني انتهاء حقبة امريكا ، اما تراجع الصين يعني ضعفها ووقف التنمية الاقتصادية والازدهار الذي تعيشه الان ، كما سيؤدي الي صدمة لدى الدول النامية
والسبب الثاني: تايوان ممكن للصين استخدام ورقة تايوان والتي تنتج اكثر من ٩٠٪ من أشباه الموصلات والتي تحتجها أمريكا وجيشها في المعدات للاستخدامات العسكرية والمدنية ، فاذا حاولت الصين استخدام هذه الورقة (تايوان) قد نصل الي حرب عالمية.

 فشل النظام الرأسمالي


هذا كان الكلام عن سلبيات هذه الحرب والتي قد تؤدي الي انهيار البورصات العالمية وإفلاس العديد من الشركات وخسارة الكثير من الوظائف ، ولكن هناك ايضا ايجابيات فان النظام المالي العالمي يعيش أزمة حقيقية وثبت فشل النظام الرأسمالي، واصبح الدين العالمي أسطوري وكان يجب تحريك المياه الراكدة وقد قام ترامب بتحريكها فلا عودة الي الوراء ، وهناك فرصة للدول النامية ان تشب عن الطوق وتتوقف عن اعتمادها على امريكا والدولار والبحث عن مقابل احتياطي عالمي اكثر ثقة ولا يخضع للسيادة الأمريكية ، كما يمكن بزوغ نجم تحالفات اقتصادية كبرى مثل البركس لتحل محل النظام القائم على الدولار الأمريكي .  
نحن الان في مرحلة عض الأصابع وفي ظني ان امريكا لن تتحمل ما يمكن للصين ان تتحمله ، فالشعب الأمريكي اعتاد على الرفاهية وقد لا يتحمل سلبيات الحرب التجارية بخلاف الشعب الصيني حديث العهد بالرفاهية ، وكذلك فان الشعب الصيني يثق في حكومته ومستعد لدعمها الي ابعد حد ، بخلاف الشعب الأمريكي الذي ينقسم بين ديمقراطي وجمهوري وقد تؤدي اي نتائج سلبية الي انقسام مجتمعي قد يصل الي انفصال بعض الولايات ، كما يمكن للصين اللعب بورقة اليوان الإلكتروني بعيداً عن نظام سويفت والذي سيلفظ انفاسه في هذه الحرب لصالح العملات المشفرة والتي ستصلح لتكون مقابل سداد عالمي لا يخضع لرقابة الولايات المتحدة الأمريكية 
من كل ما سبق فان العد التنازلي لانهيار النظام المالي الرأسمالي العالمي قد بدأ بالانهيار وبالتالي انهيار الإمبراطورية الأمريكية ، كل ذلك بسبب قرار حرب تجارية غير مسؤول وامريكا غير مستعده له ، وسيؤثر سلبا على كل من امريكا والصين ، ولكن الصين ستتمكن من اجتياز الأزمة والتي قد تصل الي حرب عالمية ثالثة

تم نسخ الرابط