و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

وجوده إهانة لأرواح الشهداء

الدكتور الحفناوي عن عودة التمثال: ديليسبس نصاب سرق فكرة حفر القناة ومهد للاحتلال

موقع الصفحة الأولى

مازالت أزمة قرار عودة تمثال ديليسبس إلى بورسعيد عند مدخل قناة السويس، تلقي بأصدائها بين الوسط الثقافي والسياسي والشعبي، بعد حالة الغضب العارمة التي انتابت أساتذة التاريخ والمفكرين، رفضا لما تمثله عودة التمثال من إهانة لكفاح الشعب المصري أثناء حفر القناة، ونضاله لعودتها إلى مصر بعد قرار التأميم والعدوان الثلاثي على مصر، وهو ما أكدته الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واتحاد كتاب مصر، والندوة التي أقامتها نقابة الصحفيين رفضا لعودة التمثال، وهو ما يطالب به أيضا الطعن الذي أقامه الدكتور علي أيوب المحامي أمام مجلس الدولة.

وقال الدكتور علي الحفناوي، أستاذ العمارة في جامعة باريس، والباحث في الدراسات التاريخية، إن تمثال ديليسبس لا يعد جزء من تاريخ بورسعيد كما يردد البعض، لأن التمثال أزالته المقاومة الشعبية من مكانه عام 1956، أي منذ 68 عاما، وكان قد أقيم عام 1899 بمعرفة شركة قناة السويس الاستعمارية، وظل على قاعدته 57 عاما، أي أقل من مدة غيابه عن القاعدة.

كما نفى "الحفناوي" صحة مقولة إن ديليسبس كان له الفضل الأكبر في تنفيذ مشروع حفر قناة السويس، وفندها قائلا إن القناة هي عاشر قناة تحفر في التاريخ المصري منذ قدماء المصريين، وكانت قناة أمير المؤمنين التي حفرها عمرو بن العاص آخر قناة قبل القناة الحالية، ثم جاء نابليون بونابارت في حملته إلى مصر مع علماءه ومهندسيه لحفر القناة حتى تسيطر فرنسا على طريق الهند بدلا من بريطانيا، وأجرى مهندس الحملة "لوبير" الرفع المساحى لبرزخ السويس لشق القناة، ولولا خطأ حسابي لحفرها نابليون قبل غيره.  

وبعدها جاءت جماعة تسمى السان سيمونيين الاشتراكية، والتي درست مشروع القناة وصححت أخطاء المهندس لوبير، ولولا طلب محمد على باشا من تلك الجماعة بقيادة "أنفنتان" مساعدته في بناء القناطر الخيرية، التي كانت تمثل محور اهتماماته، لكانوا قد بدأوا في بأعمال الحفر وقتها.  

ديليسبس المحتال

وأشار "الحفناوي" إلى أن ديليسبس سرق الدراسات من جماعة السان سيمونيين، وأسرع إلى الوالى سعيد باشا للحصول على امتياز شخصى لحفر القناة، فحصل عليه، ما اضطر الجماعة إلى رفع قضية أمام المحاكم الفرنسية في باريس وحكم لهم بالفعل ضد ديليسبس، كما أن المهندس النمساوى نيجرللى، نفذ الرسومات التنفيذية للقناة بناء على مسابقة دولية أطلقتها جماعة السان سيمونيين، ولكنه توفى قبل بدء الحفر، ولكن ديليسبس تحايل على أرملته لشراء الرسومات بثمن زهيد، ثم طالبت ابنة نيجرللى بتعويض في محاكم باريس، وحكم لصالحها أيضا ضد المحتال ديليسبس.

وأكد أن المهندس لينان بك، وكان مصريا من أصل فرنسى انتسب في شبابه لجماعة سان سيمون، هو من أشرف على كل أعمال الحفر طوال فترة المشروع، كما دفعت الخزانة المصرية نصف قيمة أسهم شركة القناة، وقدمت مصر عمال السخرة على نفقتها لتنفيذ المشروع خلال عهد الوالى محمد سعيد.  

ويضيف الباحث التاريخي، أنه بعدما ألغى الخديوى إسماعيل السخرة، لجأ ديليسبس إلى نابليون الثالث مستنجدا، ورفعت قضية تحكيم بين ديليسبس وإسماعيل، فحكم نابليون الثالث على مصر بدفع تعويضات ضخمة لديليسبس، فكانت بداية ديون مصر ووقوعها في فخ الإفلاس، الذى انتهى في النهاية بعزل إسماعيل وبيع أسهم مصر في القناة بمعرفة ديليسبس لرئيس الحكومة الإنجليزية ديزرائيلى، وهو ما أوجد لها مبررا لاحتلال مصر.  

ويلفت "الحفناوي" إلى أن هناك الكثير من أفعال ديليسبس الفاضحة والمخلة بالشرف التي ملئت كتب التاريخ، سواء في فرنسا أو إنجلترا أو مصر، فلماذا ينادى البعض بتمجيد هذا النصاب الذى حكمت عليه وعلى ابنه حكومة بلاده بالسجن للنصب والاحتيال، ولم يقام له تمثالا واحدا في بلده؟؟  

واختتم الدكتور علي الحفناوي: "أذكر ما قاله والدي الدكتور مصطفى الحفناوي في التليفزيون الرسمي الفرنسي يوم 20 مايو 1969، وفى وجود ابنة ديليسبس: "لو كنت فرنسيا، لأقمت لديليسبس تمثالا في كل موانئ فرنسا، بل وفى كل موانئ أوروبا، وذلك لما قدمه للتنمية الاقتصادية لبلاده ولأوروبا على حساب ما أخذه من مصر من خيرات للهيمنة والاستحواذ على القناة طوال عقود حتى تأميمها، أما في مصر فهو مجرد جزء من تاريخ القناة، فيكون مكانه المتاحف لا غير"".  

والدكتور علي الحفناوي، أستاذ العمارة جامعة باريس، والباحث في الدراسات التاريخية، مؤسس القرية الذكية وأول رئيس لمجلس إدارتها، وهو أيضا مؤسس الجامعة الفرنسية في مصر ورئيس مجلس أمنائها، وهو ابن الدكتور مصطفى الحفناوي أول من أعد رسالة دكتوراه تؤسس لحق مصر في استعادة ملكية قناة السويس، واستعان به الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في صياغة قرار تأميم القناة وضمه لعضوية مجلس إدارة القناة مشرفا على الجوانب القانونية.  

طعن مجلس الدولة

وكانت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة، قررت تأجيل الطعن المقام ضد محافظ بورسعيد للمطالبة بوقف قرار إعادة تمثال ديليسبس إلى بورسعيد، إلى جلسة 21 يناير الجاري، وإحالة أوراق القضية إلى هيئة المفوضية لإعداد تقرير عنها.

ورفع الدكتور علي أيوب المحامي، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ببورسعيد للطعن على قرار محافظ بورسعيد، بعودة تمثال ديليسبس إلى المحافظة رغم الرفض الشعبي لعودة التمثال من ناحية أهالي المدينة الباسلة، وقال "أيوب" إنه تم إيداع الدعوى برقم 1640 لسنة 13 قضائية.  

 من جانبها، قالت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، برئاسة الدكتور أحمد الشربيني، أستاذ التاريخ الحديث، عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة الأسبق، والتي تأسست في منتصف أربعينيات القرن الماضي، إنها تتابع بقلق بالغ ما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي من أنباء حول نقل تمثال ديليسبس من متحف قناة السويس بالإسماعيلية إلى مدينة بورسعيد الباسلة، دون اعلان السبب من هذا النقل.  

وقالت الجمعية إذا كان النقل مرتبطاً بتنشيط السياحة، فإن وجود التمثال بأحد متاحف منطقة القناة، يوفر الاتاحة له مع غيره من المقتنيات الأثرية بالبيئة الحاضنة للمتحف، كما أن وجود التمثال بمتحف قناة السويس بمدينة الإسماعيلية، يعد في حد ذاته تكريم لصاحبه، الذي يرتبط اسمه بمشروع رأسمالي كولونيالي غير مسبوق، بعد أن استغل هو وجماعته ظروف الدولة المصرية في أعقاب الحصار الذي فرض عليها في اربعينيات القرن التاسع عشر، لتقزيمها، واستنزاف ثرواتها، وحصل على امتياز لتنفيذ مشروع لربط البحرين المتوسط والأحمر، لم يكن هو صاحب فكرته، ولا شركته أول من نفذه، وهو مشروع لا يختلف كثيراً عن المشاريع الكولونيالية التي نفذت في مصر، كمشروع خط سكك حديد الإسكندرية السويس وغيرها.

وأكدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية أن ديليسبس وغيره من دعاة المشاريع الكولونيالية، ليسوا إلا رموزا للاستغلال والاستعباد، وإذا كان هناك حاجة لتكريم تلك الرموز المقيتة، فلتكرمها حكوماتها وشعوبها، التي تربت على استنزاف ثروات وإمكانات المناطق التي قاموا بنهب منظم لثرواتها وخيراتها، ولا تستحق أن تكرم في المناطق التي تعرضت للنهب على اياديهم، ذلك النهب الذي خطط له ديليسبس وجماعته في مصر، قبل أن تبدأ أعمال الحفر بالقناة،

وطالبت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالإبقاء على تمثال ديليسبس في متحف قناة السويس بالإسماعيلية والدعوة لإقامة نصب تذكاري بمدينة بورسعيد للفلاح المصري، الذي هاجر من قريته عنوة للعمل في حفر القناة، ولم يقدر لكثر منهم العودة إلى قراهم، وأسرهم التي طال انتظارها لهم، بعد أن قضوا نحبهم بين ضفتي القناة، بعد أن ضنت شركة القناة عليهم بالكساء والغذاء وقبلهما بالماء.

عودة تمثال ديليسبس

وكان اللواء محب حبشي، محافظ بورسعيد، أعلن عودة تمثال ديليسبس إلى المدينة الباسلة بعد فترة طويلة من الانتظار، وقال خلال مشاركته أبناء المحافظة الاحتفال بالعيد القومي الذي يتزامن مع ذكرى الانتصار على العدوان الثلاثي 23 ديسمبر 1956، أن إعادة التمثال تعتبر خطوة إيجابية ستسهم في تعزيز مكانة بورسعيد كوجهة سياحية.

كما عقدت نقابة الصحفيين، ندوة بعنوان لا لعودة تمثال ديليسبس إلى مدخل قناة السويس، وشارك في الندوة الدكتور مصطفى الحفناوي، والدكتور أحمد الصاوي، أستاذ التاريخ والآثار، والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، والدكتورة آمال عسران، ابنة البورسعيدى السيد عسران الذي فجر التمثال، والدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية.

وأصدرت الندوة مجموعة من التوصيات، أبرزها تصميم تمثال للزعيم جمال عبد الناصر بصفته مؤمم القناة والذي استردها للشعب المصري من الاستعمار وبجواره عامل وفلاح لأنهم هم من حفروا القناة، وتنظيم اكتتاب شعبي لنحت تمثال للفلاح المصري الذي حفر القناة يوضع على قاعدة التمثال، ووضع لوحة تذكارية جانب قاعدة التمثال تجسد عملية إسقاط التمثال، وتشييد برج أيقوني في مدخل القناة ليكون مزارا سياحيا، وإلغاء اسم ممشى ديليسبس وتحويله إلى اسم آخر، وليكن ممشى القناة.  

 كما أوصت الندوة بأعداد قائمة سوداء بأسماء من يطالبون بعودة التمثال، بتدريس أجزاء من تاريخ كل محافظة لأبنائها الطلاب، ومطالبة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بإعادة النظر في تسجيل تمثال دبليسبس كأثر، حيث تم تسجيله بالمخالفة للقانون لعدم مرور مائة سنة متصلة عليه، ومطالبة فرنسا بإزالة تمثال شامبليون من جامعة السوربون الذي يضع قدمه فوق رأس فرعون مصري.

جريمة في حق الشعب المصري

أما اتحاد كتب مصر، فاعتبر محاولات تنصيب تمثال ديليسبس إهانة لأرواح الشهداء وجريمة في حق الشعب المصري البطل، وتحديًا لإرادة الشعب الباسل الذي أسقط التمثال من منصته، التي نصبته فوقها سلطة الاحتلال، أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فأصبح سقوطه تعبيرًا عن استرداد عزة الوطن، وثأرًا لشهدائه.

وقال كتاب مصر في بيان: "رأى الشعب في تنصيب تمثال ديليسبس على رأس قناة السويس إهانة لأرواح 120 ألف فلاح مصري استشهدوا في حفر القناة، وتمجيدًا لمستعمر قهر المصريين، واستغلهم، واحتل بلادهم، وتكريمًا لنصاب أدانته بلاده فرنسا وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة الاحتيال، وحكمت على ابنه بالعقوبة نفسها، كما حكمت على حفيده بالإعدام بتهمة الخيانة الوطنية".  

وأكدت النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر أن النصب التذكارية لأمة هي رموز عزتها ونصرها، وهي شواهد تحريرها ونهضتها، وهي رسائل الأوطان إلى شعوبها، وإلى العالم أجمع، بما تختزنه من تاريخ وقيم، وبما تعبر عنه من علامات مجد وخلود، وما كان ينبغي لهذه النصب في أى مكان أو زمان أن تصبح أداة لتخليد الجلادين والمستعمريه وناهبي الثروات".  

وتوجه كتاب مصر ومثقفوها وفنانوها بهذا النداء إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمنع تنصيب تمثال ديليسبس المشئوم على رأس قناة السويس، ليس لأنه عمل يجافي منطق التاريخ والمشاعر الوطنية فحسب، بل لأنه يستفز مشاعر المصريين، ويمثل استهانة بتاريخ مصر الوطني وإرادتها، كما نأمل أن يتبنى سيادته إقامة تمثال بيد فنان مصري كبير يليق بالمناسبة التي جسدت كفاح شعبنا المصري العظيم وتضحياته، وسيقوم مثقفو مصر ومبدعوها وكتابها وفنانوها بالاكتتاب لإقامة هذا الصرح العظيم". 

تم نسخ الرابط