بينما العالم كله مشغول بالحرب الروسية الاوكرانية والنزاع في الشرق الأوسط والإبادة العرقية للكيان في غزة والتطورات على الساحة السورية والتضخم العالمي والمشكلة الاقتصادية العالمية ، والتي يصلح كل منها ان يكون سببا لاندلاع حرب كونية ، فان تايون مرشحة وبقوة لتكون هي سبب هذه الحرب ، وللأسباب التي سنسوقها في هذا المقال التحليلي.
فان تايوان تُعد ذات أهمية استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة لأسباب سياسية، اقتصادية، وعسكرية، ومن أبرزها ان لها دور جيوسياسي نظرا لموقعها بين المحيطين الهادي والهندي ، وما لا يعرفه الكثير ان تايوان تتحكم في سلاسل الإمداد العالمية ، فهي موطن شركة “TSMC” ( لتصنيع أشباه الموصلات) same conductor ، وهي أكبر منتج للرقائق الإلكترونية في العالم هذه الرقائق تعد أساسية في تصنيع الأجهزة الإلكترونية، السيارات، والأدوات العسكرية ، تايوان يمكنها التحكم في حوالي 80 من الصناعات العسكرية في العالم لتحكّمها في اشباه الموصلات كما ان تايوان تحافظ على التوازن العسكري ، وتشكل خط دفاع أمامي في وجه التوسع العسكري الصيني فبالنسبة لأمريكا اذا سيطرت الصين على تايوان فان ذلك سيمنحها إمكانية التوغل بشكل أعمق في المحيط الهادئ وتهديد القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان، كوريا الجنوبية، وغوام ، وأخيراً فإن أي تراجع عن حماية تايوان قد يُضعف الثقة في الالتزام الأمريكي بأمن شركائه مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا
مبدأ الصين الواحدة
اما من ناحية الصين فان اهمية تايوان بالاضافة الي الاسباب التي جعلتها مهمة لدى امريكا فان الصين تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها بموجب مبدأ “الصين الواحدة” واستعادة السيطرة على تايوان يُعد هدفًا وطنيًا للحكومة الصينية، ورمزًا لإنهاء إرث “القرن المهين” الذي عانت خلاله الصين من تقسيم الأراضي وتدخل القوى الأجنبية ، والحفاظ على وحدة الصين يُعتبر أمرًا حاسمًا للحزب الشيوعي الصيني للحفاظ على شرعيته أمام الشعب الصيني ، الذي يرى تايوان جزء لا يتجزأ من الصين ثم ان تحقيق السيطرة على تايوان سيُمكن الصين من تهديد القواعد العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ وتقوية نفوذها العسكري في آسيا ، وتتحكم الصين في تايوان يعني تحكمها في الانتاج العسكري عالميا ويعني ذلك تركيع اوروبا كلها للصين وأخيرًا فان استعادة تايوان سيُظهر للعالم أن الصين قادرة على تحقيق أهدافها الجيوسياسية رغم المعارضة الأمريكية، مما يُعزز مكانتها كقوة عالمية صاعدة ، فهذا الحدث يمكن أن يُعيد رسم خرائط النفوذ في آسيا ويُضعف ثقة الدول الإقليمية في دعم الولايات المتحدة .
لذلك فان تايوان ليست مجرد جزيرة بالنسبة لأمريكا والصين ، بل هي قضية تمس السيادة الوطنية والاعتراف الدولي، كما أنها مفتاح للسيطرة الاستراتيجية والتفوق الاقتصادي والتكنولوجي. لهذا السبب تُصر الصين على أن إعادة توحيد تايوان أمر غير قابل للتفاوض.
فهل ستكون تايون سبباً مباشرً لحرب عالمية ثالثة
هناك عوامل كثيرة يمكنها ان تشعل فتيل الحرب ومنها على سبيل المثال ، أي تحرك صيني عسكري ضد تايوان قد يُجبر الولايات المتحدة على التدخل لحماية الجزيرة ومنع السيطرة الصينية ، وكذلك التصعيد العسكري الذي يكون بتزايد المناورات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان واختراق الطائرات الصينية للمجال الجوي التايواني يزيد التوتر ، وفي المقابل فان الولايات المتحدة تزيد من مبيعات الأسلحة لتايوان وتجري تدريبات عسكرية مشتركة مع حلفائها في المنطقة، مما قد يثير مواجهة غير مقصودة ، والتنافس بين الصين والولايات المتحدة فالنزاع حول تايوان يُمثل نقطة اشتعال في التنافس الأكبر بين الصين والولايات المتحدة على النفوذ العالمي ، وإذا شعرت الصين بأن الولايات المتحدة تُحاول تعزيز استقلال تايوان أو تقويض سيادتها، فقد تتحرك عسكريًا ، وبالنسبة للصين فان الضغوط الداخلية على القيادة الصينية لتوحيد تايوان كوسيلة لتعزيز الشرعية الوطنية تتزايد كل يوم ، اما في الولايات المتحدة فان أي تراجع عن دعم تايوان قد يُفسر كضعف، مما يدفع القيادة الأمريكية لاتخاذ موقف صارم ، واخيرًا فان قيادة الحزب الجمهوري برئاسة ترامب والمشهور عنه التهور قد تتخذ قرارات غير مسؤولة او مسبوقة بشأن تايوان فتنزع فتيل الحرب.
الحرب ستؤدي إلى أزمة عالمية
ولكن هناك ايضا عوامل قد تمنع الحرب ومنها فداحة العواقب الاقتصادية فالصين والولايات المتحدة مترابطتان اقتصاديًا، وأي حرب ستؤدي إلى تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك التجارة وسلاسل الإمداد ، كما ان أي هجوم صيني على تايوان قد يدمر قطاع أشباه الموصلات، مما سيؤدي إلى أزمة عالمية في التكنولوجيا ، ناهيك عن الردع العسكري ، فالولايات المتحدة تمتلك تحالفات قوية مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، مما يجعل أي حرب مع الصين مكلفة للغاية ، وهناك الردع النووي بين القوتين يُعقد احتمالية التصعيد إلى نزاع شامل كما ان الدولتين يحافظان على القنوات الدبلوماسية ، فهناك مساعٍ دبلوماسية مستمرة للحفاظ على الوضع الراهن ، بما في ذلك سياسة “الصين الواحدة” التي تعترف بها الولايات المتحدة مع الحفاظ على دعم غير رسمي لتايوان ، كما ان الصين تضع نصب أعينها التكلفة السياسية ، فأي هجوم عسكري قد يؤدي إلى عزلة دولية وعقوبات واسعة ، اما بالنسبة للولايات المتحدة، الدخول في حرب قد يكون مكلفًا سياسيًا وعسكريًا، خاصة إذا لم تكن مدعومة شعبيًا أو دوليًا.
لذلك فان امكانية اندلاع حرب بسبب تايوان موجودة، لكن الكلفة العالية لأي صراع تجعل الأطراف حريصة على تجنبه. ومع ذلك، أي سوء تقدير أو خطأ استراتيجي قد يؤدي إلى تصعيد خطير يصعب السيطرة عليه.