و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

أي إمبراطورية عالمية يجب أن يكون لها ظهيرعسكري يمكنها أن تخضع غيرها من الإمبراطوريات والممالك ، كما يجب أن يكون لديها نظام إقتصادي واجتماعي يقدم كنظام يحتذى به ويكون المثال الأكثر تطورًا ، ولا يمكن لها الاستمرار والتطور إلا أن يكون لها شرعية أخلاقية قد تكون مجموعة قواعد دينية لديانة عالمية يتبعها الغالبية ، ويمكن ان تكون القواعد المقبولة بالفطرة البشرية من عدل وحرية وتكافل وغيرها والتي لا يختلف عليها الناس.
وطبعًا الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية حاول كل منهما أن يقدم نفسه كإمبراطورية عالمية حاكمة من خلال قوة كل منهما العسكرية وحجم ترسانة الأسلحة الاستراتيجية لديهما ، كما قدمت كل دولة عظمى منهما النموذج الإقتصادي والأخلاقي التي تبشر به الإنسانية حال إنفرادها بقيادة العالم ، ولأسباب لا داعي لتفصلها سقطت الإمبراطورية السوفياتية سقوطًا مروعًا مع سقوط كل حجر من أحجار سور برلين ، فلم يكن للنظام الشيوعي الماركسي القبول لدى معظم الناس ، ومع السقوط الاقتصادي المريع سقط الاتحاد بالكامل وسقطت معه حكومات دول حلف وارسوا التابع لها ، كما أن الدعاية الغربية عامة والأمريكية خاصة استطاعت ان تغازل أحلام شعوب العالم وتقدم لها بديل يوفر الرفاهية والحرية وقائم على قاعدة أخلاقية لا تتصادم مع الأفكار الدينية وينتشلها من الشمولية الشيوعية وسطوة الحكم الاشتراكي الذي يجعل الإنسان ترس في آلة الدولة ، كل هذه العوامل أوجدت ما تم تسميته بالحلم الأمريكي.

النظام الاقتصادي الرأسمالي 

قادت أمريكا العالم منفردة كإمبراطورية عالمية طوال حقبة التسعينات من القرن الماضي وحتى الأن ، وقد أثبت النظام الإقتصادي والمالي الأمريكي فشل ذريع ، فمثلاً عدم احترام امريكا لوعودها في اتفاقية دايتون وود بوجود ظهير ذهبي ثابت للدولار وعدم احترام تعهداتها في أزمة خليج الخنازير برد القيمة الذهبية للدولار ، كل ذلك كان مقبولًا أو على الأقل له ما يبرره في ظل الحرب الباردة بين الكتلتين ، ولكن لا يوجد أي مبرر لزيادة نسبة الفقر عالميًا حتى في أمريكا نفسها أو للإفلاس العالمي بزيادة الدين العام العالمي ليصل الي اربع أضعاف الناتج المحلي العالمي ولا يوجد أي مبرر لعمليات طباعة العملات لاسيما الدولار بدون أي غضاء ذهبي أو ناتج محلي حقيقي يسمح بعملية الطباعة ، وبدا واضحًا أن النظام الاقتصادي الرأسمالي مريض جدًا ويجلس في غرفة الانعاش وان الإقتصاديين والماليين يحاولون بكل الطرق إنعاش هذا الإقتصاد ، وجاءت أزمة الرهن العقاري في 2008 لتقضي على أي أمل في إنعاش هذا الاقتصاد الميت سريريًا وحدث تباطئ مريع وزاد حجم الدين الأمريكي لمعدل غير مسبوق وتمت عملية طبع للدولار وضغ كميات كبيرة منه على المكشوف لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي ذهب نصيب الأسد منها لشركات التأمين الكبرى والبنوك ولم يشعر الفرد العادي الا بزيادة الضغوط.
وفي غضون ما يحدث للإقتصاد الأمريكي كا هناك في أقصى شرق الكرة الأرضية وبخطى ثابتة ينشأ اقتصاد بديل وهو الاقتصاد الصيني القائم على المبادئ الشيوعية بعد عملية تعديل تاريخية تسمح بحجم هائل من الحريات وحقوق الإنسان وقدم حالة نجاح اقتصادي على قاعدة انتاج حقيقي مع رفع المستوى المعيشي للفرد الصيني وبدأ العالم يحصي عدد المليونيرات في الصين والشركات الكبرى ودخلت الشركات الصينية مع مثيلاتها الغربية والأمريكية في سباق تقدم مع دعم لا محدود من الحكومة الصينية ليكون للصين نصيب الأسد في أفضل الشركات العالمية وأغنى البنوك والمعاهد المالية ، وأصبحت الصين تمثل حلمًا للفقراء والمقهورين وبدلًا من الحلم الأمريكي أصبح لدينا الحلم الصيني.

 أمريكا والصين

وطبعًا الصين قوة عسكرية كبرى باعتبارها احد الأعضاء البارزين في النادي النووي وعضو دائم في مجلس الامن ولديها قوة بشرية هائلة ، فأصبحت هناك قوة أخرى وبديل آخر عسكري واقتصادي وأخلاقي تقدم نفسها كبديل ناجح عن البديل الأمريكي ويتمتع بقبول عام ، ولذلك صدر الأمر الأمريكي بحرب البديل الصيني دعائيًا أولًا ، فانتشرت الدعاية ضد الصين بسوء مستوى منتجاتها وتضخيم أي اخطاء وحث جميع القنوات ووكالات الأنباء العالمية بإظهار أي جانب سيء صيني اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي ، ورغم ذلك لم يكن هذا كافيًا فتطورت الحرب الدعائية مع ولاية الرئيس ترامب الاولى لتصبح حرب تجارية صريحة ، بوضع قوانين الإغراق والكوتا أمام المنتجات الصينية والقوانين الجمركية بشكل عام ، وحظر بعض المنتجات الصينية والذي تطور لحظر بعض الشركات الصينية وحظر التعامل معها وتعد شركة هواوي أكبر دليل على ذلك ، ولكن الصين لم تقف مكتوفة الأيدي بل ردت بقوانين مماثلة على بعض المنتجات الامريكية وثبتت الإدارة السياسية في مواجهة الأزمة وأخذت بعض القرارات التي أصابت الاقتصاد الأمريكي بضرر بالغ منها على سبيل المثال تخفيض قيمة عملتها ، وبدا واضحًا أن كل من أمريكا والصين يحاول إزاحة صاحبة من أمامة ، وطبعًا الإمبراطورية الأمريكية لن تترك موقعها بسهولة للتنين الصيني وفي خضم هذه الحرب التجارية وتفكير القائد الأمريكي لتقديم اقتصاد بديل عن اقتصاده المنهار قبل الإعلان عن موت نظامه الاقتصادي ودفنه ، دخل العالم أزمة وباء كورونا التي كشفت الغضاء عن الوجه الميت والمتعفن والمتحلل للاقتصاد الأمريكي من ناحية ، كما أدت للإنهيار السريع للشرعية الأخلاقية للإمبراطورية الغربية بشكل عام  والأمريكية على سبيل الخصوص.

انهيار للنظام العالمي

واستمرارًا للفشل الرأسمالي فإنه تمغط عن نظام تأمين صحي فاشل لا قبل له بمواجهة الأوبئة ، وعدم جاهزية النظام الطبي والمستشفيات لمثل هذه الظروف ، ان كورونا أسقطت النظام الاقتصادي الأمريكي بغير رجعة وضربت نظام التأمين الصحي الغربي والأمريكي في مقتل ، ليس هذا فقط ولكن عرت الخلفية الأخلاقية للنظام الرأسمالي برمته ، بدأ من عدم احترام أفراد الشعب للقوانين واللوائح التي اتخذتها السلطات اثناء الأزمة مرورًا بسرقة ومصادرة المنتجات الطبية ومنتجات التطهير الخاصة بالدول الأخرى أعادة للأذهان عمليات القرصنة البحرية في القرون الوسطى إنتهاء بعمليات الانتقاء الطبيعي بين المرضى من يستحق العلاج ومن يستحق الموت ، فترك المرضى المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة لمصيرهم ووضع المرضى الأصغر سنًا على أجهزة التنفس الصناعي ، كل ذلك عرى الخلفية الأخلاقية للنظام العالمي دون الدخول في تفاصيل يعلمها الجميع وبعد كورونا طلت الحرب الروسية الأوكرانية برأسها على العالم لتبين حقيقتين أولهما ان الحرب العالمية باتت وشيكة وثانيهما قسمت العالم الي معسكرين روسيا ومن والاها وهم قلة وامريكا ومن في ركابها وهم كثرة وظلت الصين على الحياد الايجابي ، ثم بدأ طوفان الأقصى والذي صاحبه سقوط اخلاقي مروع للإنسانية جمعاء وهي ترى إبادة جماعية لشعب كامل مع قمع كل من تعاطف حتى في الدول التي تدعي الانسانية ، وقبل ان يفيق العالم من صدمته جاءت احداث سورية ولا يعرف احد ماذا سيحدث غدا.

والعالم بين سيناريوهات: 

 السيناريو الاول: هو استمرار العم سام في الدعم اللاأخلاقي للممارسات عديمة الإنسانية للكيان من ناحية مع وضع ضغوط اخرى على الصين قد تصل الي إشعال العالم بحرب عالمية ثالثة ولن تكون مثل مثيلاتها من الحروب السابقة ، والسيناريو الثاني هو أن تقدم الصين البديل الكامل للنظام الرأسمالي دون الحاجة لخوض حروب عسكرية صريحة ، والسيناريو الثالث الأقرب للمنطق هو إحلال نظام جديد عبارة عن ولادة نظام إقتصادي معدل يجمع بين عدة أنظمة إقتصادية فيكون نظام مختلط لا يتأثر بالأوضاع السياسية لدولة أو أكثر عضو في النظام العالمي ، يختلف عن الأنظمة المختلطة المعروفة عالميًا والتي تتأثر بالأنظمة السياسية وموازين القوى في جميع الاحوال فان القادم مرعب ، ولا يستطيع كائنا من كان ان يتنبأ بقادم الايام ، ومصر خلاصها في وحدتها وان يكون قلوب شعبها على قلب رجل واحد 
حمى الله مصر

تم نسخ الرابط