أكثر من مليون وثيقة تكشف جرائم النظام المخلوع..
فرنسا تلاحق بشار الأسد في جرائم حرب.. ووثائق: أوامر خرجت من مكتبه
لم يمضي بضعة أسابيع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حتى بدأت جرائم الرئيس المخلوع تتكشف من قبل الجهات القضائية الدولية، حيث أصدرت قاضيتان فرنسيتان مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد للاشتباه في تورطه في جرائم حرب.
وتعد هذه المذكرة هي ثاني مذكرة توقيف تصدر عن قضاة فرنسيين في دائرة مكافحة الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية في باريس، وتستهدف الرئيس السوري السابق الذي أطيح في ديسمبر 2024، وأتى صدور المذكرة بطلب من النيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب وفق المصادر الفرنسية.
وتفيد عناصر التحقيق أن النيابة العامة تعتبر أن بشار الأسد لم يعد في منصبه ولا يتمتع بالتالي بحصانة شخصية تحميه من أي ملاحقة قضائية أمام محاكم أجنبية بموجب ممارسة في القانون الدولي تستند إلى احترام السيادة المتبادل.
وصدرت مذكرة التوقيف في ختام تحقيقات خلصت إلى أن صلاح أبو نبوت، وهو مواطن سوري فرنسي يبلغ 59 عاما ومدرس لغة فرنسية سابق، قتل في السابع من يونيو 2017 جراء قصف منزله بمروحيات تابعة للجيش السوري.
ويعتبر القضاء الفرنسي أن بشار الأسد أمر بهذا الهجوم ووفر له الوسائل الضرورية بصفته "ٌقائدا أعلى للقوات السورية"، وسبق أن صدرت مذكرات توقيف في حق ستة ضباط في الجيش السوري بشبهة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب في إطار هذا التحقيق القضائي الذي بوشر في 2018.
وقال عمر أبو نبوت نجل الضحية "هذه القضية تشكل نتيجة نضال طويل من أجل العدالة التي آمنّا بها منذ البداية أنا وعائلتي"، آملا بحصول "محاكمة وأن يتم توقيف المرتكبين ومحاكمتهم أينما تواجدوا".
وفي نوفمبر 2023 صدرت مذكرة توقيف أولى في حق بشار الأسد في إطار هجمات بأسلحة كيميائية نسبت إلى قواته في الخامس من أغسطس في عدرا ودوما (450 مصابا) وفي 21 أغسطس 2013 في الغوطة الشرقية حيث قتل أكثر من ألف شخص وفق عدة مصادر، بغاز السارين.
أكثر من مليون وثيقة
ومن جانب أخر، قال تقرير بصحيفة تايمز البريطانية إن الرئيس المخلوع بشار الأسد كانت له يد مباشرة بالانتهاكات التي تعرض لها السوريون بالسنوات الماضية.
وكشف تقرير نشرته صحيفة تايمز البريطانية عن أرشيف من 1.3 مليون وثيقة رسمية، تفصل "الفظائع" الممنهجة والجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ الأسد بحق السوريين.
ويعتبر الأرشيف، الذي جمعه المحامي والمحقق الكندي في جرائم الحرب بيل وايلي لـ13 عاما بمساعدة فريق من السوريين، محوريا في تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المنظمة التي ما زالت تتكشف بسوريا، حسب التقرير.
وتم تهريب الوثائق بالكيلوجرامات خارج البلاد إلى مدينة أوروبية لم يكشف التقرير عنها، ليتم تصويرها رقميا وتحليلها من قبل منظمة وايلي، واسمها لجنة العدالة والمساءلة الدولية، بدعم من الحكومات البريطانية والأمريكية والألمانية.
وللحصول على المواد، كان أعضاء الفريق السوريون، البالغ عددهم 43، يتخفون بزي الرعاة والتجار، ويستخدمون كل ما يتوفر -من الشاحنات إلى الطوافات- لنقل خزائن كاملة من الأوراق عبر نقاط التفتيش.
وقد قتل النظام أحد أفراد الفريق، بينما أصيب آخر واختطف ثالث، واضطر بعضهم لترك أوراق في مخابئهم لما ينطوي على نقلها من مخاطر.
وقد استخدمت وثائق لجنة العدالة والمساءلة الدولية بالفعل في 13 قضية في جميع أنحاء العالم ضد مسؤولي النظام.
وقال وايلي إن الوثائق تثبت دون أدنى شك أن بشار الأسد لم يكن مجرد رئيس شكلي، بل إنه كان يدير الأمور، واستدل على ذلك بمحاضر من خلية إدارة الأزمة المركزية التي أنشأها الأسد في مارس 2011 للتعامل مع الثورة.
وكانت هذه الخلية تجتمع كل ليلة تقريبا وتناقش إستراتيجيات لسحق المعارضة، وفق التقرير، كما كانت الإدارة على تواصل باللجان الأمنية وعناصر المخابرات في كل محافظة، تتلقى منها أحدث نتائج وسائل القمع الممنهجة، وترسل لها أوامر جديدة.
الأوامر من مكتب الأسد
وأكد وايلي دور الأسد الرئيسي بالعملية، إذ "كانت المحاضر تؤخذ إلى مكتبه الشخصي وينتظره أحد الموظفين بينما يراجعها، ونرى دليلا على ذلك في الهوامش أوامر تقول افعلوا كذا وكذا، لا تفعلوا كذا، وحينها تأكد لنا أنه لم يكن مجرد رئيس شكلي".
وقام نظام الأسد بتوثيق عمليات التعذيب والإعدام واستخدام الأسلحة الكيميائية وحالات الاختفاء الجماعي على نطاق واسع، وأشرفت سلسلة من القيادات برئاسة الأسد على "بيروقراطية الموت" هذه، وفق تعبير البعض بالتقرير.
وقال وايلي: "هذا هو القمع الأكثر توثيقا في التاريخ" ، مشيرا للملفات المخزنة بـ406 صناديق، والتي تضم جرائم حرب لحزب البعث المخلوع: "وكأنهم نازيون بأجهزة حاسوب".
وكثفت لجنة وايلي جهودها بعد سقوط الحكومة، خصوصا أن سرعة انهيار النظام لم تسمح له بتدمير الدلائل الورقية، وعينت 10 باحثين إضافيين في الأيام السابقة، وأكد المحقق: "نحن نعيش حالة نادرة تاريخيا، مثل ألمانيا في 1945 والعراق في 2003 ووسط وشرق أوروبا بين 1990 و1991، حين يمكن جمع مواد من مصادر أولية".