و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

من تاريخ العدوان الثلاثى

إميل البستاني .. درس عربى لم يستوعبه رجال الأعمال فى مأساة غزة

موقع الصفحة الأولى

الإسم: إميل البستاني
تاريخ الميلاد: 27 يونيه 1907
المؤهل: بكالوريوس الهندسة من الجامعة الأمريكية ببيروت

يسجل التاريخ العربى الحديث دور رجل الأعمال اللبنانى إميل البستاني في كشف جرائم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فقد دفعت البستانى غيرته العربية، للتوجه من بيروت الى لندن، حاملاً صوراً وفيديوهات عن الدمار الذي ألحقته طائرات العدو المغيرة على مدن القناة، منددا بجرائم العدوان في كافة الأوساط السياسية والثقافية، وهو ما كان سببا فى وقف العدوان وسقوط أنطونى إيدن.
في لندن التي كان إميل البستاني يقيم علاقات واسعة مع قيادات بريطانية، وخصوصا من حزبي العمال والمحافظين، حمل اميل البستاني صور الدمار الشامل، ودخل مجلس العموم البريطاني، ووزعها على مقاعد اعضائه ليشاهدوا " مآثر" طائرات جيشهم ضد المدنيين.
في كتابه ملفات السويس، يقول محمد حسنين هيكل: عندما قامت مدافع الأسطول البريطاني بدك مدينة السويس، وتمكن المصور السويدي أندرسون من التقاط فيلم سينمائي ومجموعة من الصور المؤثرة للدمار الذي حل بالمدينة، كان جمال عبدالناصر حريصا على أن يصل الفيلم ومجموعة الصور إلى لندن بأسرع ما يمكن، وسُلّمت هذه المادة إلى جورج براون الذي طلب في اليوم نفسه من رئيس مجلس العموم البريطاني تخصيص قاعة لعرض فيلم وصور تلقاها عما حدث لمدينة بور سعيد، وفي العرض الأول كان في القاعة تسعون عضوا من أعضاء مجلس العموم.  كيف وصل الفيلم والصور إلى لندن؟ هذا السؤال يقود إلى كتاب آخر لمحمد حسنين هيكل، وهو «كلام في السياسة» وفيها: عندما بدأت معارك السويس في أكتوبر 1956، فإن انطوني آيدن رئيس الوزراء البريطاني، حاول أمام مجلس العموم أن يدعي بأن القوات البريطانية والفرنسية قامت بعملية عسكرية نظيفة، وجرى اتصال تليفوني مع إميل البستاني، وقامت طائرة مصرية بمغامرة حملت الأفلام والصور إلى بيروت، ومن هناك أخذها إميل البستاني إلى لندن، وبعد أقل من ساعة واحدة، كان يُعرض على أكثر من مائة عضو في مجلس العموم صورا وأفلاما تكشف حقيقة ما جرى في مدينة بورسعيد، وخرج أنيورين بيفان ـ نائب في مجلس العموم ـ من قاعة العرض يدعو إلى مظاهرة، وكان حجمها نصف مليون رجل وإمرأة، وخسر انطوني آيدن معركته السياسية في قلب لندن في الوقت الذي خسر معركته العسكرية على شواطىء بورسعيد.

رجل أعمال بحجم الوطن

ولد إميل البستاني عام 1903، في بلدة الدبية قضاء الشوف، تخرج من الجامعة الأميركية في بيروت وأكمل دراسته في الولايات المتحدة، بدأ أعمال المقاولة في مدينة حيفا بفلسطين بين عامي 1936 و1937، وكان المسؤول عن الهندسة المدنية في مدينتي عكا والناصرة، وأسس عام 1938 شركة المقاولات والتجارة العربية ـ كات ـ في حيفا، وترأس وفد الغرفة التجارية العربية إلى انجلترا، انتخب عضوا في مجلس إدارة البنك العربي، وأسّس شركة لإستخراج النفط وقد امتدت أعماله من باكستان إلى العراق وتركيا ودول الخليج وصولا إلى افريقيا.
وفى 15 مارس 1963 اختفى رجل الأعمال إميل البستاني عندما سقطت طائرته الخاصة في البحر قبالة ميناء بيروت، فى حادث لم تكشف أسراره حتى الآن.
كان إميل البستاني من الشخصيات القليلة في عالمنا العربي الذي امتلك مفتاحين، مفتاح المعرفة ومفتاح العلاقات، وكان في الوقت ذاته يمتلك مفتاحاً ثالثاً هو ثقة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان إميل البستاني يتمتع بثروة من هذه العلاقات مع شخصيات فاعلة ومؤثرة في عملية صنع القرار البريطاني، ولأنه كان يعرف أن من المهمات ما يتطلب من السرية إنكار الذات، لم يتردد في إنكار نفسه وإخفاء دوره حتى بعد سقوط حكومة أنطوني آيدن إثر الحملة التي تعرضت لها على خلفية العدوان الثلاثى على مصر.
لم تصدر في الصحافة البريطانية أي إشارة عن إميل البستاني أو الى الدور الذي قام به والذي أدى مع أدوار أخرى الى تلك النتيجة التاريخية، فالسقوط السياسي لحكومة آيدن هزم دول العدوان الثلاثي في السويس.
وظل إميل البستاني، نموذجا لرجل الأعمال العربى الذى يحمل على عاتقه هموم أمته، وهو ما افتقدناه كثيرا فى مخلتف القضايا المعاصرة من رجال رجال الاعمال العرب خصوصاً العاملون منهم في الغرب، الى حمل صور الدمار الشامل الذي يفرضه العدوان الصهيوني على مدن قطاع غزة، وصور الاطفال القتلى تحت الانقاض.

تم نسخ الرابط