و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

أول حروب العرب مع إسرائيل

مصر تعلن الأحكام العرفية لتأمين الجيش في حرب فلسطين

موقع الصفحة الأولى

كان يوم الثالث عشر من شهر مايو عام ١٩٤٨ شاهدًا على فرض الأحكام العرفية على مصر ، استعدادًا لدخول الجيوش العربية إلى فلسطين، بعد يومين فقط في الخامس عشر من نفس الشهر لمواجهة العصابات الصهيونية التي كانت تستعد لإعلان دولة إسرائيل فوق الأراضي العربية.
تم فرض الأحكام العرفية بقرار من الملك فاروق، والذى تضمن تعيين محمود فهمي النقراشى حاكمًا عسكريًا للبلاد، لمدة عام واحد ، بموجب القانون رقم 73 لسنة 1948 والذي نص علي جواز إعلان حالة الطوارئ من أجل تأمين الجيش المصري علي أرض فلسطين، وحماية طرق مواصلاته.
ورغم تحديد المدة بعام واحد فقط، إلا أن استمرار الاغتيالات السياسية التي قامت بها جماعة الإخوان في ذلك الوقت، حال دون رفعها، حيث قررت الحكومة في مايو ١٩٤٩ تمديدها واستمرت حتى أبريل من عام ١٩٥٠، حيث قررت حكومة مصطفى النحاس باشا رفع الأحكام العرفية.


قرار تقسيم فلسطين


في ذلك الوقت كانت بريطانيا قد أعلنت إنهاء انتدابها على فلسطين وغادرت القوات البريطانية من منطقة الانتداب، فيما أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية الأمر الذي عارضته الدول العربية.
ففي 29 نوفمبر 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية "فلسطينية" وتدويل منطقة القدس وكان قرار التقسيم يمنح اليهود نسبة 56% من الأرض، وللعرب 43%، واعتبر القدس، والتى تمثل 1% منطقة دولية، تم وضعها تحت الانتداب بإدارة الأمم المتحدة، وشمل القرار أيضا تقسيم الحدود بين الدولتين الموعودتين وحدد مراحل في تطبيقه وتوصيات لتسويات اقتصادية بين الدولتين. 
وبشكل عام، رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون بالإجحاف والظلم نتيجة المؤامرة الدولية التي بدأت قبل سنوات بتواطؤ بعض الحكام.
وشنت الدول العربية ممثلة في المملكة المصرية والمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية، هجوما عسكريا ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تتشكل من البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين، وهي الميليشيات التى شكلت النواة الأولى لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ودارت الحرب بداية من 15 مايو 1948 واستمرت حتى مارس 1949.


الجيوش العربية الميدانية


وبحسب الوثائق التاريخية، شاركت مصر في هذه الحرب بعشرة آلاف جندي تحت قيادة اللواء أحمد علي المواوي، وزادت عدد الجنود إلى نحو عشرين ألفا، وتمثلت هذه القوات في خمسة ألوية مشاة، ولواء آلي واحد، ولواء مجهز بـ16 مدفعا عيار 25، ولواء مجهز بثمانية مدافع عيار 6، ولواء مجهز بمدفع آلي متوسط.

ولم يكن لدى العرب قاذفات للقنابل، فعمل اللواء طيار مهندس عبد الحميد محمود أثناء الحرب على تحويل طائرات النقل إلى قاذفات للقنابل، كما قام بإصلاح سرب من طائرات "الكوماند" تركه الأميركيون في مطار القاهرة عام 1945، وتحويله إلى قاذفات للقنابل، فأصبح لدى القوات الجوية سربا كاملا من الطائرات.
اما الجيش الأردني فضم 8 آلاف جندي ارتفع عددهم إلى 12 ألفا خلال الحرب، وتولى قيادته ضابط إنجليزي يدعى جلوب باشا.
وضمت القوة الأردنية بطاريتي مدفعية، كل واحدة بها أربعة مدافع 25 رطلا بريطانية الصنع.
بينما أرسلت العراق قوة عسكرية بقيادة العميد محمد الزبيدي ضمت 3000 فرد إلى شرق الأردن، وارتفع عدد هذه القوة فيما بعد إلى 15 ألفا.
أما سوريا فأرسلت 2000 جندي، تحت قيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم، وصلوا فيما بعد إلى 5000.
وعلى الحدود الجنوبية له حشد لبنان كتيبتي مشاة في كل منها ثلاثة سرايا بنادق، وتكونت كل سرية من ثلاث فصائل، وضمت الكتيبة الواحدة 450 جنديا، وفصيل مدفعية هاون ومدافع رشاشة، وبطارية مدفعية من أربعة مدافع عيار 105 ميلمترات، كما أرسلت أربع عربات مدرعة وأربع دبابات خفيفة، وكانت هذه القوات تحت قيادة العميد فؤاد شهاب.
وشاركت المملكة العربية السعودية في هذه الحرب بنحو 3200 مقاتل، قادهم العقيد سعيد بيك الكردي، وقاتلت إلى جانب القوات المصرية.


قضية الأسلحة الفاسدة 


مع نهاية 1947 كانت أعداد منظمة الهاجاناه قد وصلت إلى نحو 45 ألفا وثلاثمائة فرد، بينهم 2200 من البلماخ، وفق المصادر الرسمية الإسرائيلية، وعقب قرار التقسيم انضم لها نحو ثلاثين ألفا من يهود فلسطين، وعشرين ألفا من يهود أوروبا، حتى إعلان قيام دولة إسرائيل.
وحينما اندلعت الحرب ارتفعت أعداد الهاجاناه في الأسبوع الأول من يونيو 1948 إلى نحو 107 آلاف.
هاجمت الجيوش العربية المستوطنات اليهودية بفلسطين، كما هاجم الجيش المصري تجمعي "كفار داروم، ونيريم" بمنطقة النقب، لكن النتائج لم تكن فى صالح الجيوش العربية التى منيت بالهزيمة بسبب عوامل كثيرة كان أهمها قضية الأسلحة الفاسدة.
كان الملك فاروق قد قرر دخول الحرب قبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين بأسبوعين فقط، ثم أقر البرلمان المصري دخول الحرب قبلها بيومين فقط.
ودفع نقص التسليح وضيق الوقت القيادة المصرية لتشكيل لجنة "احتياجات الجيش" في 13 مايو 1948، ومنحها صلاحيات واسعة  لشراء السلاح وتحديد مصادره وأنواعه، في أقرب وقت، دون رقابة.


غرامة 100 جنيه للمتورطين


ومع حظر مجلس الأمن بيع الأسلحة للدول المتحاربة في فلسطين، لتحجيم قدرة الدول العربية على القتال، لجأت الحكومة المصرية لعقد صفقات مع شركات السلاح تحت غطاء أسماء وسطاء مصريين وأجانب، للتحايل على القرار.
وعندما وجدت لجنة احتياجات الجيش أن الوقت ضيق جداً للحصول على السلاح الذي يحتاجه الجيش للحرب، قررت اللجوء لمصادر كثيرة ومنها مصادر سريعة وغير مضمونة لتوريد السلاح وتمثلت في تجميع أسلحة ومعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية واختيار الصالح منها وإرساله إلى الجيش، وأدى استخدامها لوفاة عدد غير قليل من الجنود المصريين.
وقد أصدر ديوان المحاسبة تقريرا سنة 1950، حمل مخالفات مالية جسيمة شابت صفقات أسلحة للجيش تمت في عامي 1948 و1949.
وقدم المسؤولون عن هذه الصفقات للمحاكمة، لكنهم حصلوا جميعا على البراءة، ما عدا متهمين اثنين حكم عليهما بغرامة مائة جنيه على كل منهما، وهما القائم مقام عبد الغفار عثمان والبكباشي حسين مصطفى منصور.

وقف القتال وخرق الهدنة


فرض مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار يوم 10 يونيو 1948 وحظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة وتوقف القتال.
تم تحديد هدنة لمدة أربعة أسابيع، وعلى الرغم من حظر التسليح أو إرسال أي قوات جديدة لجبهات القتال فإن إسرائيل لم تلتزم بهذا الشرط، وسعت لتعويض خسائرها، وانهالت عليها الأسلحة بصورة مكثفة وخصوصا الطائرات، كما تطوع كثيرون من يهود أوروبا للقتال.
خرقت إسرائيل الهدنة، وزحفت جنوبا نحو الفالوجة التي كانت تتمركز فيها القوات المصرية لتوسيع رقعة الأراضي التي احتلتها وتطويق الجيش المصري المتمركز بها، وإضعاف الجبهة الجنوبية التي كانت تقترب من تل أبيب.

وفي 8 يوليو 1948 استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة تمديد الهدنة.
ومع انتهاء الهدنة اتخذت المعارك مسارا مختلفا، وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم مكنت إسرائيل من بسط سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية.
وفي 21 يوليو توقفت المعارك بعد تهديدات من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات قاسية على طرفي المعركة، وقد قبل العرب هدنة ثانية، وكان هذا القبول بمثابة اعتراف بالهزيمة.
وفي 7 يناير 1949 انتهى القتال بعد أن استولى الجيش الإسرائيلي على معظم منطقة النقب وطوق القوات المصرية، ثم بدأت المفاوضات في جزيرة رودس اليونانية حيث توسطت الأمم المتحدة بين إسرائيل والعرب.
في يوليو 1949 تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع، وفيها تم تحديد الخط الأخضر، وكان مجلس الأمن قد أوصى في 7 مارس 1949 بقبول إسرائيل عضوا كاملا في الأمم المتحدة، و أقرت الأمم المتحدة التوصية في 11 مايو 1949.

تم نسخ الرابط