بداية من "بوش" ونهاية بـ "ترامب"
مصر عصية عن الانكسار.. تاريخ التلويح بقطع المساعدات الأمريكية يثبت فشل الأداة

في خطوة استفزازيه هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر والأردن في حال رفض البلدين تهجير الفلسطينيين لهما.
وكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحديث عن مقترحه لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، ملوّحاً هذه المرة بقطع المساعدات عن البلدين.
وقال: "ربما أوقف المساعدات عن الأردن ومصر إذا لم يستقبلا اللاجئين".
وأضاف: "أعتقد أن الأردن سيستقبل لاجئين، الناس في غزة يريدون الخروج إذا وفرنا لهم مكاناً مناسباً، وأعتقد أن هناك دولاً يمكنها توفير ذلك".
يأتي هذا في ظل رفض عربي واسع لخطة ترامب، الذي قال إنه يسعى "لشراء غزة وامتلاكها" من أجل إعادة بنائها، مشدداً على أن الفلسطينيين الذين سيخرجون من القطاع لن يكون لهم حق العودة إليه.
لكن تلويح ترامب بقطع المساعدات عن مصر يعكس عن خطابا استفزازيا، ليس له أي سند قانوني دوليا، فمن المعلوم سياسيا بالضرورة ، أن المساعدات الأمريكية لمصر هي مبلغ ثابت سنويا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. وتمثل المساعدات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
ولا يعد التلويح بقطع المساعدات الأمريكية الأول من نوعه ولن يكون الأخير فدائماً ما تستخدمها الولايات المتحدة كورقة ضغط لتحقيق مصالحها السياسية، لكن محاولات التلويح بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر فشلت عبر العقود السابقة والادارات الأمريكية المتعاقبة، وتراجعت تلك الادارات عن التلويح بهذا الأمر لأنها تدرك جيدا أهمية مصر إقليميا ودوليا ومدى الخسارة التي ستلحق بأمريكا من خسران حليف استراتيجي كمصر في المنطقة.
تاريخ التلويح بقطع المساعدات
وبالعودة إلى التاريخ الحديث نرى محاولات بائسة من الإدارات الأمريكية لقطع المساعدات عن مصر لكنها تراجعت سريعا عن هذا الأمر، ومن أبرز الأمثلة والمواقف ما يلي:
- في عهد جورج بوش عام 2005، صعد الكونجرس ضد مصر وتعهد باستبعاد المساعدات الأمريكية عن مصر تحت زعم تراجع الإصلاح السياسي وتردي حالة حقوق الإنسان، في حين دافعت حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش عن برنامج المساعدات الأمريكية لمصر مطالبة الكونجرس بعدم قطعها لأن ذلك سيضر بالمصالح القومية للولايات المتحدة، وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد وولش إن مصر حجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وتستحق استمرار المساعدة بالرغم من بطء خطوات الإصلاح السياسي. مؤكداً أن إدارة بوش ستبقي علي المساعدة التي تمنحها لمصر.
- وفي عهد الرئيس باراك اوباما ، تحديدا في يونيو 2013، أصدر بيانا يطالب فيه الإدارة المصرية، إلى التحرك بسرعة ومسئولية لإعادة السلطة الكاملة إلى حكومة مدنية منتخبة من خلال عملية شاملة وشفافة، وتجنب أي اعتقالات تعسفية للرئيس المعزول محمد مرسى ومؤيديه، مشيرا إلى أنه وجه الإدارات والوكالات الأمريكية المختصة لمراجعة ما يترتب على ما شهدته مصر مؤخرا فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية للحكومة المصرية وفقا للقانون الأمريكي.
وكان هذا تلويحا من أوباما وتهديدا بقطع المساعدات الأمريكية لكن سرعان ما تراجع بعدها خاصة بعد إجراء انتخابات رئاسية ونيابية في مصر مما عكس الأداء الديمقراطي وهو ما اسفر عن تراجع ادارة اوباما عن تهديداتها بقطع المساعدات.
- وفي عهد جو بايدن، لوحت إداراته بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر، مرتين ، الأولى كانت في يوليو 2024 تحت زعم الكونجرس بتراجع حقوق الإنسان في مصر، لكن الدبلوماسية المصرية استطاعت تقديم تقارير ايجابية حول وضع حقوق الإنسان الحقيقي في مصر، فتم إقرار المساعدات رسميا في سبتمبر من نفس العام ، أما المرة الثانية التي لوح بها كانت في نهاية ولايته حين صدور تقرير من الخارجية الأمريكية يطالب باقتطاع 95 مليون دولار من المساعدات لمصر وتوجيهها إلى لبنان لمساعدتها في بناء جيشها واعداده تسليحيا .
جبهة عربية موحدة
ويستبعد المحللون أن تقطع المساعدات الأمريكية لمصر لأنها تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، واستفادت من خلالها واشنطن الكثير عبر التاريخ .
واعتبر السفير حسن هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق أن التهديد بقطع المساعدات عن مصر يعكس حالة من الغباء السياسي والجهل الحقيقي بالعلاقات الدولية.
وقال هريدي: ان تصريحات ترامب الجوفاء عن قطع المساعدات الأمريكية عن مصر ما هي إلى محاولة إبتزاز سياسي تعكس عن قصوره في فهم العلاقات الدولية، فهو لا يمنحها هبه من جيبه وإنما هي جزء من التزامات متبادلة مرتبطة باتفاقية كامب ديفيد ودور مصر المحوري في استقرار المنطقة.
وشدد هريدي على ضرورة شكيل جبهة عربية موحدة ضد الغطرسة الأمريكية والاسرائيلية، مشيرا إلى أن الدول العربية تمتلك أوراق ضغط اقتصادية وسياسية قوية، تشمل إمكانية تعليق الاتفاقيات، وتقليص التبادل التجاري، واستخدام سلاح النفط.
وأضاف أن الوضع الحالي يستدعي تشكيل قوة عربية موحدة لردع أي محاولات للمساس بالأمن القومي العربي، مؤكدا أن التكاتف العربي في هذه المرحلة ضرورة حتمية لحماية المصالح المشتركة.