الاقتصاد
الاقتصاد الرقمي.. كيف خططت مصر لمواكبة الثورة التكنولوجية؟
يبرز عصر العولمة والثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الاقتصاد الرقمي كواحد من أكثر القطاعات تأثيرًا في الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الرقمي لا يقتصر على استخدام التكنولوجيا في العمليات الاقتصادية بهدف رفع كفاءتها وتحسين تنافسيتها فحسب، بل يعيد تشكيل كيف نعيش ونعمل ونتفاعل في مجتمعاتنا المعاصرة في سياق قطاع واعد عالمياً.
ومن المتوقع أن يُسهم عام 2025 الجاري بقرابة ربع الناتج الإجمالي العالمي، ويعتمد هذا الاقتصاد على عدة مكونات، منها: البنية التحتية، والتقنية، والأجهزة، والبرمجيات، والشبكات، بالإضافة إلى الآليات الرقمية التي تتم على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يُسهم في خلق فرص اقتصادية جديدة غير مسبوقة .
الاقتصاد الرقمي وتحقيق النمو
وارتبط تنامي دور الاقتصاد الرقمي خلال العقدين الأول والثاني من الألفية الجديدة ببزوغ التقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، والتي من بينها: تقنيات الذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وغيرها .
ووجود العديد من الدراسات السابقة التي أكدت العلاقة الإيجابية القوية بين الاقتصاد الرقمي وتحقيق النمو الاقتصادي وأهداف التنمية المستدامة. فقد أعد الاتحاد الدولي للاتصالات -إحدى مؤسسات منظمة الأمم المتحدة- سلسلة دراسات النمذجة الاقتصادية القياسية الإقليمية التي قدمت تحليلات اقتصادية قياسية توضح أثر استخدام الإنترنت ذات النطاق العريض الثابت والمتنقل على الاقتصاد، ووضع الأقاليم الجغرافية من حيث الرقمنة وتأثير الرقمنة على الناتج المحلي الإجمالي. أشارت نتائج الدراسة على سبيل المثال إلى أن كل زيادة في مستويات انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض في الدول العربية والإفريقية بنحو 10% تسهم في زيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج بنسبة تقارب 2.5 %.
الرقمنة على النمو الاقتصادي
ووفقا لإحصائية أعدها الاتحاد الدولي للاتصالات حول أثر الإنترنت ذات النطاق العريض والرقمنة على النمو الاقتصادي تبين الآتي:
- إفريقيا: زيادة انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض المتنقل في إفريقيا بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة بنسبة 2.5% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي .
- الدول العربية: زيادة انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض في الدول العربية بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة بنسبة 2.49% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي .
- الأمريكتان: زيادة انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض الثابت في الأمريكتين بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة بنسبة 1.9% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي .
- أوروبا: زيادة انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض بنسبة 10% تؤدي إلى نمو بنسبة 1.4% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي .
- دول الكومنولث: زادة انتشار الإنترنت ذات النطاق العريض الثابت بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة بنسبة 0.63% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي .
وعلى الرغم من صعوبات تقدير حجم الاقتصاد الرقمي على مستوى العالم، إلا أن تقديرات المؤسسات الدولية تشير إلى أن مساهمته في الناتج الإجمالي العالمي قد سجلت قرابة 15.5% في عام 2016 بحسب تقديرات البنك الدولي، فيما يتوقع أن يساهم بنحو 26% من الناتج الإجمالي العالمي في عام 2026، بحسب تقديرات البنك الدولي .
الاعتماد المتسارع على التقنيات الرقمية
كما تتباين بشكل كبير مساهمة الاقتصاد الرقمي عبر دول العالم المختلفة، ففي الوقت الذي ترتفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى قرابة 40%، يسهم الاقتصاد الرقمي بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا مجتمعةً، فيما تنخفض مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات دون ذلك في العديد من الدول النامية .
ووفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، زادت الصادرات العالمية من سلع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 4%، لتصل إلى أكثر من 2.3 تريليون دولار في عام 2020، بما يعكس الاعتماد المتسارع على التقنيات الرقمية خلال إجراءات الإغلاق في أثناء أزمة جائحة كوفيد-19 في العديد من الاقتصادات، يأتي هذا التنامي في الوقت الذي تراجعت فيه حركة التجارة للسلع التقليدية بنحو 7.5 %.
وشهدت الفترة من عام 2018 إلى عام 2022 زيادة هائلة في عدد مستخدمي الإنترنت؛ حيث وصل عدد المستخدمين الجدد إلى 1.5 مليار مستخدم خلال الفترة (2018- 2022)؛ مما يرفع إجمالي عدد المستخدمين في العالم إلى 5.3 مليارات مستخدم، بما يمثل نحو ثلثي سكان العالم .
تحسين الإنتاجية
وبلغ إجمالي ناتج قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العالمي بلغ 6.1 تريليونات دولار في عام 2022، بما يمثل نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، واستنادًا إلى بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات، امتلك أكثر من 95% من الأفراد في البلدان ذات الدخل المرتفع هاتفًا محمولًا في عام 2022، وبلغت نسبة مالكي الهواتف المحمولة 76% في البلدان ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع، و66% في البلدان ذات الدخل المتوسط إلى المنخفض، و49% فقط في البلدان منخفضة الدخل .
وجميع الدول والمجتمعات تشهد تحولًا رقميًّا سريعًا، ويلعب الاقتصاد الرقمي في الوقت الحالي دورًا محوريًّا في النمو الاقتصادي، وتحسين الإنتاجية، والتنافسية الدولية. وفي هذا الإطار، تزايد عدد الاستراتيجيات الرقمية التي أطلقتها الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء، والتي تلقي الضوء على أهمية اتباع نهج شامل لمعالجة القضايا الخاصة بالاقتصاد الرقمي.
وبتحليل عدد من الاستراتيجيات الوطنية للاقتصاد الرقمي في عدد من الدول المتقدمة ذات الترتيب المرتفع في مؤشر التنافسية الرقمية العالمي 2024، مثل: سنغافورة التي احتلت المرتبة الأولى، وهولندا التي احتلت المرتبة التاسعة، وأستراليا التي احتلت المرتبة الثالثة عشرة، إلى جانب عدد من الدول النامية، ومنها كينيا ونيجيريا، والتي اهتمت أيضًا بمواكبة التطورات العالمية فيما يخص الاقتصاد الرقمي، كما يتضح حرص العديد من دول العالم على صياغة رؤى واستراتيجيات طموحة للاقتصاد الرقمي، تسعى من خلالها إلى الريادة الإقليمية أو العالمية .
استراتيجيته لبناء مصر الرقمية
من جانبه، أكد أسامة مصطفى خبير تكنولوجيا المعلومات، أن مصر تأتي في صدارة الدول العربية المستثمرة في قطاع التكنولوجيا؛ إيمانًا بأهمية التحول الرقمي الذي ترتكز استراتيجيته لبناء مصر الرقمية على ثلاثة محاور أساسية، هي: التحول الرقمي، والمهارات والوظائف الرقمية، والإبداع الرقمي. موضحًا أن مصر خلال الفترة الماضية بذلت جهودًا كبيرة في تفعيل التحول الرقمي في مختلف المجالات، ونجحت في تأسيس وتطوير بنية تحتية رقمية قوية.
وأشار إلى أن إنجازات مصر عديدة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات انعكست بالفعل على معدل نمو هذا القطاع الذي نما بنحو 16.3% في العام المالي 2022/ 2023، ليكون بذلك القطاع الأعلى نموًّا في الدولة لمدة 5 سنوات متتالية. كما حقق قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال العام المالي 2022/ 2023 إيرادات بلغت 315 مليار جنيه بمعدل نمو نحو 75% مقارنة بالعام المالي السابق عليه .
خطة إحلال الشبكات
وفي ذات السياق، قال خالد البرماوي خبير التسويق الرقمي، إن مصر تعمل كحلقة وصل لنقل البيانات الدولية؛ حيث تشرف على 90٪ من حركة البيانات بين الشرق والغرب من خلال الكابلات البحرية الممتدة من البحر الأحمر إلى شواطئ البحر المتوسط عبر شبكة محلية. وفي إطار توسيع هذه الشبكة، تم بناء 2600 كيلومتر إضافية من المسارات في عام واحد، بالتوازي مع 2700 كيلومتر تم بناؤها خلال العقدين الماضيين، ليصل إجمالي المسارات إلى 5300 كيلومتر .
وأشار إلى أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدأت فى تنفيذ خطة لإحلال شبكات النحاس بكابلات الألياف الضوئية باستثمارات 150 مليار جنيه لنشر خدمات الانترنت فى كافة أنحاء الجهورية ورفع كفاءة الخدمة .