كشفت الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية منذ السابع من أكتوبر 2023، عقب طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، وما يحدث في سوريا، كشفت أن الأنظمة العربية مصابة بداء علامات الكسرة والسكون والجر ، أمام الممارسات الإسرائيلية التي يعلمها الجميع دون اكتراث بالقوانين الدولية وحكم المحكمة الجنائية الدولية والنداءات الأممية، فيما الموقف العربي لا يتخطى البيانات والمؤتمرات التي لا تثمن ولا تغني من وقف العدوان، وكأننا قليلي الحيلة، تاركةً الحسرة لغالبية الشعوب .
عواصم للإقامة الإنسانية
ومن الكسرة والجر، والحسرة قيام قطر بترحيل أعضاء المكتب لحركة حماس لعدم رضوخهم لرغبات الكيان الصهيوني والاستسلام لرغباته بإطلاق سراح أسراه بشروطه، في محاولة لغسيل سمعتها من وصمة دعم الإرهاب قبل قدوم ترامب للبيت الأبيض، والذي سبق واتهمها بدعم الإرهاب، وكذلك اعتزامه وفقا لما ذكرته وسائل إعلام أمريكية فتح تحقيق في عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسليمها لحركة طلبان التي لها مكتب تمثيل بالعاصمة القطرية الدوحة.
قطر اعترفت أنها مصحوبة بعلامة الجر، فبعد إعلانها عن توقفها كوسيط بين حماس وإسرائيل عادت لممارسة دورها بتعليمات من ترامب الذي أرسل مندوبه للدوحة وتل أبيب لإنجاز صفقة غزة، متوعداً الجميع بالجزاء والعقاب إذا لم يحل الموضوع قبل قدومه للبيت الأبيض في العشرين من يناير 2025.. والموقف الترامبي جاء نتيجة لإبلاغه من قبل رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتزوغ أن أكثر من نصف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية أحياء، وأنه سبق وأبلغ ذلك لبايدن المنصاع لرغبات نتنياهو.. وفي اعترافات الجر قالت الدوحة إنها افتتحت مكاتب لطالبان وحماس بطلب أمريكي للمساعدة في ترتيب اللقاءات وإنجاز المهام ومن علامات الكسرة والحسرة أيضاً، أن موريتانيا والجزائر بعد قبولهم بافتتاح مكاتب لحركة حماس على أراضيها، تراجعت وأبلغتهم بالإقامة الإنسانية فقط دون ممارسة أي ألعاب سياسية فيما عرضت اليمن عليهم فتح مكتب لهم، لكن الحركة اعتذرت لدواعي أمنية، وهو ما ينطبق على العراق وإيران، أما مقر الخلافة بأنقرة فقد أنصاع للقرار الأمريكي، وأكد أن قادة حماس ضيوف غير دائمين، علماً بأن أردوغان كان ولازال يسعى لإيجاد دور في الملف الفلسطيني.. وعليه أصبح قادة الحركة سياسيين بدرجة رحل ما بين عواصم الإقامة الإنسانية.
لبنان بين الكسرة والجر
وفيما يخص لبنان ومعركة أولى البأس وجدنا، الأنظمة متلازمة لعلامات الكسرة والسكون والجر.. فرغم إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني الذي لم يلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق منذ اليوم الأول للهدنة، وبلغت خروقاته للهدنة أكثر من مئة خرق، ورغم تصريحات وزير المالية الصهيوني سموترتيش "لن ننتظر أي آلية وسنحافظ على حرية العمل العسكري في لبنان"، وتأكيد نتنياهو بأن الحرب في لبنان لم تنته.. لم نسمع صوت عربي عن الانتهاكات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، وحتى في الاتصالات والمشاورات بشأن وقف الحرب كانت الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات مصحوبة بعلامة الجر الأمريكية والفرنسية والأوروبية المجرورة بالرغبات الإسرائيلية، الذي حقق ما يريده بإبعاد حزب الله من الجنوب ليستفرد ببنياته ومزارعه وسكانه، علماً بأن خرق وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل ليس عادياً، فهو يؤدي لعودة الحرب بعدما قام الحزب بإطلاق صاروخين على موقع عسكري بالأراضي المحتلة رداً على العدوان المستمر على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت.
القضاء على المقاومة والأسد
نتنياهو يقول إنه أتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية على حرية حركة جيش الاحتلال في سماء وأرض ومياه لبنان للقضاء على حزب الله، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ينفي ذلك مؤكداً أن نص الاتفاق المعروض على لبنان لم يتضمن ذلك البند.. وفي ذلك السياق ذكرت مصادر مقربة من حزب الله والمكونات السياسية اللبنانية لـ “الصفحة الأولى" أن أطرافاً إقليمية شاركت بالضغط على الدولة اللبنانية والحزب لوقف إطلاق النار، وكشفت عن وجود تفاهمات وترتيبات أمنية أمريكية وفرنسية وألمانية وبريطانية وإسرائيلية بمشاركة دول إقليمية كبرى للقضاء على الحزب بعد الحرب منها وصول قائد الجيش اللبناني جوزيف عون لسدة الحكم والذي تعهد بالقضاء على الحزب أمام الأمريكي والدول الإقليمية.. كما تضمنت التفاهمات قطع الطريق على إيصال الأسلحة لحزب الله، حتى أصبح نقل الذخائر بين المناطق مهمة أصعب من المواجهة، والتي نفذها وينفذها الاحتلال بقصف المعابر بين لبنان وسوريا، وقرى الجنوب اللبناني لتصعيب المهمة على الحزب وما ذكرته المصادر اللبنانية بشأن حزب الله ينطبق تماما على حركة حماس حيث كشف كتاب الحرب للكاتب الصحفي الأمريكي بوب وودورد، عن تورط أنظمة وشخصيات عربية في إمداد الكيان بمعلومات خاصة بالمقاومة وأبداء رغبتهم في القضاء على المقاومة التي تشعرهم بالحرج أمام شعوبهم نتيجة لموقفهم المصاب بعلامات السكون والجر والكسرة.
ووفقاً لتصريحات مصادر لبنانية وسورية، فإن الصحوة المفاجئة للميلشيات الإرهابية المدعومة من أمريكا وتركيا وإسرائيل والتطورات المتسارعة في حلب وإدلب وحماه بسوريا، والتي تزامنت مع اليوم الأول لما يسمى بوقف إطلاق النار في لبنان، لم يكن وليد اللحظة، ولكنه يأتي في سياق متصل بلبنان وربما تلحق بها العراق، لقطع أواصل التواصل بين المقاومة العربية، وتوجيه ضربة لنظام الأسد، بعد فشل الضغوط الأمريكية عبر الوسطاء العرب بإقناع الرئيس السوري بفك الارتباط بمحور المقاومة، وإيران وروسيا.. ولذلك لا تستبعد المصادر تحرك المجموعات الارهابية في سوريا بضوء أخضر من نتنياهو بالتنسيق مع تركيا برعاية أمريكية، لإضعاف محور المقاومة ومنع تزويد حزب الله بالسلاح من سوريا، وتشكيل مزيد من الضغط على الرئيس السوري لفك ارتباطه بالمحور وفلسطين، وما يؤكد ذلك إرجاع البيت الأبيض صحوة الإرهابيين وفقدان سيطرة الجيش السوري على حلب ثاني أكبر المدن السورية إلى اعتماد بشار الأسد على روسيا وإيران، التي يرغب الجميع بما فيهم العرب توجيه ضربة عسكرية قاسمة لها لإجلائها عن سوريا، لمساندتها للمقاومة.. وبالتالي أصبح الهدف إما التخلص من النظام أو ممارسة المزيد من الضغوط عبر ما يسمى المعارضة السورية لتحقيق هدف فك الارتباط على كلٍ في سياق الإصابة بعلامات السكون والكسرة والجر، الجامعة العربية أدت ما عليها بالتأكيد على ضرورة احترام وحدة الأراضي السورية وستعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة الممارسات الإسرائيلية، وقادة الأنظمة العربية يتواصلون مع بشار الأسد للاطمئنان على صحته وصحة شعبه وأراضيه.. وهل سيتعقل وينضم للكسرة والجر والسكون؟