أحاول الهروب من الكتابة عن غزة وجريمة التطهير العرقي التي تتعرض لها ونسيان لبنان لؤلؤة الشرق الأوسط وباريس العرب لكني أجد نفسي مشدودا. مسحولا نحوهما.
أنا من الجيل الذي تربى سياسيا على أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع العربي الإسرائيلي.. ورفع راية اللاءات الثلاثة لا تفاوض، لا تصالح، لا سلام بدون قيام الدولة الفلسطينية، ورتل قصيدة الشاعر الراحل أمل دنقل:
لا تصالح.. ولو منحوك الذهب.
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ.
لا تصالح ولو توَّجوك بتاج الإمارة.
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ...؟
كامب ديفيد قتلت فلسطين
أنا من الجيل الذي رأى في كامب ديفيد خيانة وأنها وفقا لتعريف الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة في كتابه "هذه المعاهدة" هي صفقة خرجت بمقتضاها مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وسمحت للكيان الصهيوني بالتمدد والعربدة في بيوت العرب أتذكر يوم حضر الزعيم المناضل الفلسطيني أبو عمار لمقر حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ليشرح لماذا ذهب إلى أوسلو وهتفنا ضد التطبيع والمطبعين وهتفنا ضده ليلتها زرفت الدموع من عينيه وقال يا أولادي لقد صرت وحيدا وهذا يعني أن القضية صارت وحيدة منذ مطلع التسعينيات بعد أن ذبحت في كامب ديفيد 1979.
أنا من الجيل الذي سمع قصص حرب الاستنزاف وأكتوبر ليس عبر التليفزيون والراديو، ولكني سمعتها ممن خاضوها، من أبناء عمي وأبناء الجيران واعتقادي الراسخ أن دماء المصريين على رمل سيناء ومحافظات قناة السويس وغزة والنقب وبئر سبع لازالت تغلي ولن تهدأ حتى نأخذ ثأرهم، لأن الرئيس السادات خاض أكتوبر كحرب تحريك لا تحرير أنا من الجيل المقتنع بأن الوحدة العربية، وحدة شعوب قبل أن تكون وحدة أنظمة وأن صراعنا مع الكيان الصهيوني صراع وجود وليس حدود لذلك كله احتفل بانتصار المقاومة الفلسطينية واللبنانية وهزيمة الكيان الصهيوني وأعوانه من الإمبريالية الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا) والجديدة الولايات المتحدة الأمريكية. ولا أنتظر موقفا عربيا موحدا لأنه لن ولم يحدث إلا بالقوة الشعبية.
أروح على فين؟
قررت أن أهرب من السياسة والكلام فيها لأني من الجيل الذي تعاطى ذلك السم مبكرا، حتى أصبحت مدمنا وأن حب الوطن أسمى وأغلى الأشياء وأن الوطن العربي وطني الأم، لذلك تجدني مهموما بفلسطين وسنينها، ولبنان ومرضها، وليبيا وآلامها، والعراق ومقتلها، والسودان ووجعها، واليمن وقسمتها قلت أهرب من غزة ولبنان وأروح على فين؟ أروح للحب الذي أشقت له، واشتاق لي فهز بابي المقفول، ذلك الكائن الذي يزورك دونما موعد مسبق أو مراعاة للعمر وظروفك الخاصة.
الحب كالموت لا يعرف الأعذار، والأعمال، الموت قد يأتيك، حتى لو كنت في بداية العمرأما الحب فهو يأتي، حتى لو كنت في أواخر العمر فجأة تجد نفسك فريسة لعيون لا تعرف لونها، مأثور بملامح غير واضحة لأنك عندما تنظر إليها تجد طاقة من النور المشع لا تستطيع النظر إليها.. بين لحظات غير مفهومة تعيش العذاب.
بين عذاب الحب
فأنا لم أختار، ولكني وجدتني مجذوبا نحو من لا أعرفه ولا يعرفني ولا أملك السؤال ولا الجواب!!
وجميل هو العذاب في الحب خاصة للشعراء لأنه يخرج ما لديهم من مشاعر لكن أصعب عذاب هو المرض وألآمه والأصعب الفراق موتا وفراق العشاق كل العذاب ألم لكنه يحوي شجنا يفجر طاقة الشعراء، لكن العذاب المؤلم والقاسي والذي لا يمكن لشاعر أن يصفه مهما كتب هو عذابات غزة، التي طال صداها عنان السماء السابعة غزة تتعذب من الموت جوعا وعطشا وقصفا، وتموت من الآلام لعدم توافر العلاج والدواء والحبيب يموت ويتألم من بدايات الحب وإلى أي مصير سينتهي.. وهل الحالة التي هو عليها حب أم وهم؟
فما بين عذابات غزة التي تؤلم النفس والضمير، وعذاب الحب الذي يؤلم القلب، يولد الشعر، والشجن، وأغنية لم تكتب بعد.