الزعيم الذى كلف مصر الكثير
جمال عبد الناصر ..أصبح قائد للثورة وملهما بعد 4 سنوات من قيامها
ولد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 في 18 شارع قنوات في حي باكوس بالإسكندرية، وهو الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام 1888 في قرية بني مر بمحافظة أسيوط صعيد مصر، والذي التحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية.
ودخل عبد الناصر في عام 1929 بالقسم الداخلي بمدرسة حلوان الثانوية، وظل فيها عاما واحدا، ثم نقل في السنة التالية لمدرسة رأس التين الثانوية في الإسكندرية مع انتقال والده للعمل في مصلحة البوسطة هناك، واشترك في أول مظاهرة في حياته، للاحتجاج على قرار وزارة إسماعيل صدقي بإلغاء دستور 1923، وبعدها التحق عام 1933 بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر في القاهرة، ومع استمراره في نشاطه السياسي، أصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.
وخلال نشاطه في التمثيل على المسرح، اشترك عبد الناصر في حفل مدرسة النهضة الثانوية عام 1935، وجسد دور يوليوس قيصر بطل تحرير الجماهير في إحدى مسرحيات شكسبير، في حضور وزير المعارف وقتها احمد نجيب الهلالي.
إصابة عبد الناصر بالرصاص
واستمر نشاط جمال عبد الناصر السياسي أثناء دراسته الثانوية، فقاد مظاهرة ن تلاميذ المدارس الثانوية في 13 نوفمبر 1935 احتجاجا على تصريح صمويل هور، وزير الخارجية البريطانية، في 9 نوفمبر، برفض لندن عودة الحياة الدستورية في مصر، وواجهت قوات البوليس البريطاني المظاهرة، وأصيب بجرح في جبهته بسبب رصاصة مزقت الجلد، إلا أنها ولكنها لم تخترق الرأس لحسن حظه، ونقله رفاقه إلى دار جريدة الجهاد وقعت الأحداث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر في اليوم التالي بين أسماء الجرحى، حسبما تذكر الدكتورة هدى عبد الناصر.
ويتحدث عبد الناصر عن تلك الإصابة في كلمته بجامعة القاهرة يوم 15 نوفمبر 1952: "وقد تركت إصابتي أثرا عزيزا لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز".
دخول الكلية الحربية
وبعد اتمام دراسته الثانوية وحصوله على البكالوريا في القسم الأدبي، تقدم عبد الناصر للالتحاق بالكلية الحربية، فنجح في الكشف الطبي، ولكنه رسب في كشف الهيئة لأنه لا يملك واسطة، ولأنه حفيد فلاح من بني مر، وابن موظف بسيط، كما اشترك في مظاهرات 1935.
فتقدم عبد الناصر في أكتوبر 1936 إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة، وظل فيها ستة أشهر، حتى إعلان معاهدة 1936، فقررت الكلية الحربية قبول دفعة ثانية في عام 1936، مع الاتجاه إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثرواتهم، وبالفعل التحق بها جمال في مارس 1937، وتخرج منها بعد 17 شهرا فقط، في يوليو 1938، بسبب الرغبة في تخريج دفعات الضباط المصريين سريعا لسد الفراغ بعد انتقال قوات الاحتلال البريطانية إلى منطقة قناة السويس.
زوجة جمال عبد الناصر
وتزوج جمال عبد الناصر من السيدة تحية كاظم في 29 يونيو 1944، وأنجب منها منى وهدى وخالد وعبد الحميد وعبدالحكيم، وتوفت السيدة تحية في 25 مارس 1992.
تنظيم الضباط الأحرار
وفي عام 1945 ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت حركة الضباط الأحرار في التشكل، والتي قال عنها عبد الناصر: "ركزت حتى 1948 على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".
حرب فلسطين 1948
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947، اجتمع الضباط الأحرار، بعدما تأكدوا من مجيء اللحظة للدفاع عن حقوق العرب مساعدة المقاومة في فلسطين، فذهب عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئا في مصر، في حي مصر الجديدة، وعرض عليه خدماته وزملاؤه كمدربين لفرقة المتطوعين وأن يقاتلوا معها، ولكن المفتى قال له إنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية، ووبالفعل رفض العرض.
وقدم عبد الناصر طلب إجازة كي يستطيع الانضمام إلى المتطوعين في حرب فلسطين، لكن قبل النظر في طلبه، اتخذت الحكومة المصرية قرارا بمشاركة الجيش في الحرب فسافر "جمال" إلى فلسطين في 16 مايو 1948، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ "رائد" أوائل عام 1948.
وتنقل هدى عبد الناصر عن والدها وتجربته في حرب فلسطين: "لم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزة للملك فاروق".
وأصيب عبد الناصر مرتين في حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى، وتم منح نيشان النجمة العسكرية عام 1949، بسبب بسالته في الحرب ودوره المتميز خلال المعارك.
مواجهة الملك فاروق
وبعد حرب فلسطين، تولدت لدى عبد الناصر قناعة بأنه من الضروري تركيز الجهود لمواجهة أسرة محمد على، حيث كان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية 1948 وحتى 1952، ووضع موعدا مبدأيا للقيام بالثورة عام 1955، لكن التطورات المتلاحقة عجلات بقيامها.
وعين عبد الناصر مدرسا في كلية أركان الحرب، بعدما نجح في امتحانها بتفوق في 12 مايو 1948، ليعود من جديد نشاط الضباط الأحرار، وتشكلت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وضمت كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي تحولت إلى مجلس الثورة فيما بعد عام 1950، 1951.
ورقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى "مقدم" فى 8 مايو 1951، واشترك مع الضباط الأحرار بشكل سري في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية بمنطقة قناة السويس، من خلال تدريب المتطوعين وتوريد السلاح.
قيام ثورة 23 يوليو 1923
وبعد حريق القاهرة، وانتخابات نادي الضباط، قرر جمال عبد الناصر، رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، تقديم موعد الثورة، ليتحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952 وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسربت الأنباء عنها.
وتذكر الدكتورة هدى عبد الناصر، أن الضباط الأحرار أخبروا اللواء محمد نجيب بما يدبروه، وباحتمال انضمامه إليهم إذا نجحت الثورة، ولكن لسلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبد الناصر حتى 25 أغسطس 1952 عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
ويوم 26 يوليو 1952، تنازل الملك فاروق عن العرش لابنه أحمد فؤاد، وفى اليوم التالي أعيد انتخاب عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وفى 18 يونيو 1953 صدر قرار مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، على أن يصبح محمد نجيب رئيس الجمهورية إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952، وتولى عبد الناصر أول مناصبه العامة كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية ليتولاه زكريا محيى الدين واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.
الخلاف مع محمد نجيب
وفى فبراير 1954 استقال محمد نجيب بعد أن اشتعال الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس قيادة الثورة ورئاسة مجلس الوزراء، ولكن تم تدارك مظاهر هذا الخلاف، ليقرر مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في 27 فبراير 1954، كما قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيسا للمجلس ورئيسا لمجلس الوزراء، بعد أن تنازل عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وفي 26 أكتوبر 1954 تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية، وأثبتت التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كانً يعتزم تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم.
وقرر مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر 1954 إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.
عبد الناصر رئيسا للجمهورية
وفى 24 يونيو 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور 16 يناير 1956، وهو أول دستور للثورة.
وفى 22 فبراير 1958 أصبح جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى الانفصال في 28 سبتمبر 1961، وظل جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى وفاته في 28 سبتمبر 1970، عن عمر يناهز 52 عاما.