متى يشعر المواطن بالتحسن الاقتصادي؟
بعد عودة التضخم للارتفاع.. خبراء: «السحر الإحصائي» تسبب في حالة من عدم الثقة
مع عودة معدلات التضخم للارتفاع، يشعر المواطن البسيط بحالة من الدهشة، ويتسائل: هل انخفض التضخم بالفعل حتى يرتفع من جديد؟ ومتى تنخفض الأسعار وتعود إلى معدلاتها الطبيعية، ومتى يشعر المواطن بوجود تحسن اقتصادي ينعكس على حياته اليومية.
وكان البنك المركزي، أعلن ارتفاع معدل التضخم العام للحضر إلى 26.2% في أغسطس 2024 مقابل 25.7% في يوليو 2024، بعدما سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2.1% في أغسطس 2024 مقابل 1.6% في أغسطس 2023 و0.4% في يوليو 2024.
وأضاف البنك المركزي أن معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، سجل 0.9% في أغسطس 2024 مقابل 0.3% في أغسطس 2023 وسالب 0.5% في يوليو 2024. وعلى أساس سنوي، سجل معدل التضخم الأساسي 25.1% في أغسطس 2024 مقابل 24.4% في يوليو 2024.
انعدام الثقة
وقال الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، إن هناك انعدام ثقة عند قطاع واسع من المتخصصين المستقلين بسبب حالة عدم الشفافية في البيانات الرسمية التي تصدر من أجهزة الإحصاء.
وأشار "فاروق" في تصريحات لـ الصفحة الأولى إلى أن هناك مصطلح اقتصادي اسمه السحر الإحصائي، والذي يعني أنه باستخدام الأدوات والمعادلات الرياضية بطرق معينة يمكن الخروج بنتائج مختلفة حسب الهدف المراد منها، فيمكن زيادتها أو انقاصها، وأشهرها ما يسمى بالرقم القياسي لاسبير والرقم القياسي باش، فالأول "لاسبير" يظهر معدل التضخم وارتفاع الأسعار أعلى من الثاني "باش"، ولذلك تفضل النقابات العمالية في أوروبا استخدام الرقم الأول، على عكس رجال الأعمال، ولذلك، ففي علم الاقتصاد والإحصاء هناك إمكانية كبيرة للتلاعب بالأرقام.
معدلات التضخم
وأضاف أنه في تكوين الرقم القياسي للأسعار، الذي يشتق منه معدلات التضخم السنوية والربع سنوية، مكون من حوالي 20 عنصر، ومن مجموعات مختلفة، وكل مجموعة لها وزن نسبي، فالطعام والشراب تأخذ حوالي 60% من المكون الإحصائي، لأن معظم الناس تضع الأكل والشرب في الأولوية رقم 1، ومجموعة الصحة تأخذ نسبة أخرى، وهكذا.
ولذلك فإن معدلات التضخم، تعتمد على الرقم القياسي للمستهلكين في الحضر أو الريف أولا، وثانيا الرقم المعلن او الرسمي للسلع، فمثلا سعر الطماطم عند اتحاد الغرف التجارية، يختلف عن السعر النهائي في السوق عند البائع العادي، بحكم طول سلسلة الامداد والانتقالات.
وتابع أن الوزن النسبي للعنصر قد يتغير، زيادة أو نقصان، وهو ما يؤدي إلى تغيير الرقم القياسي النهائي، وبالتالي معدلات التضخم المعلنة، حسب رغبة الحكومة في توجيه الرقم وإعلانه، ولذلك فإن التلاعب بالأرقام وارد لاعتبارات مختلفة.
وقال "فاروق" إن المعدل المعلن للتضخم أقل كثيرا من المعدل الحقيقي لارتفاع الأسعار في الأسواق، وأنه يمكن التحقق من صحة وحقيقة الأرقام المعلنة، من خلال التزام الجهة التي تعلن عن بيانات التضخم والأسعار بإرفاقها بالأساس الاحصائي والعلمي الذي بناء عليه تم استخراج النتيجة المعلنة، وذلك هو السبيل الوحيد الذي يمكن الخبراء المستقلين من التأكد من مدى صحته ومطابقته للواقع.
ارتفاع أسعار المحروقات
أما الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، رئيس مركز العاصمة للأبحاث والدراسات الاقتصادية، فقال إن ارتفاع معدل التضخم لأول مرة منذ 5 أشهر، يعود إلى ارتفاع أسعار المحروقات الذي جرى في الفترة الأخيرة.
وأشار في تصريحاته لـ الصفحة الأولى إلى أن ارتفاع أسعار تكاليف الانتاج يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، وهو ما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، برغم أن الوضع الاقتصادي في مصر في تحسن، بدليل حجم المشروعات المنفذة والاستثمارات الواردة، وارتفاع الاحتياطي النقدي، ما يساعد في تلبية احتياجات المصنعين والمستوردين، ولكن زيادة أسعار المحروقات والكهرباء ورفع الدعم جزئيا، أدى إلى زيادة الأسعار وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم.
وأوضح أن البنك المركزي، قرر الحفاظ على أسعار الفائدة كما هي دون تغيير، برغم قرار الفيدرالي الأمريكي خفضها، ولذلك بهدف السيطرة على التضخم وعدم ارتفاعه بشكل مبالغ فيه.
التحسن الحقيقي
وأكد "الشافعي" أن المواطن سيشعر بتحسن حقيقي عندما تهدأ الأسعار، وذلك لن يتحقق إلا بانضباط السوق، وذلك لن يحدث إلا عندما تقوم الأجهزة الرقابية بدورها الذي حدده القانون، مع ضرورة إنشاء بورصات سلعية في كل محافظات مصر، والضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب في أسعار السلع والمنتجات داخل الأسواق، ومواجهة كل المحتكرين، أو من يقومون بتعطيش السوق سعيا لمزيد من الأرباح.
وأكد الخبير الاقتصادي أن المواطن البسيط لا يعرف معنى كلمة تضخم، بل يعرف ويتابع الأسعار فقط لأنها تمس حياته اليومية، وأن بيانات التضخم انعكاس للحالة الاقتصادية العامة، وعوامل أخرى مثل دور الأجهزة الرقابية واتحاد الصناعات وغيرها.
ولفت إلى ان المواطن "سيأخذ نفسه" ويرتاح عندما يتم وضع رؤية والعمل بفعالية لإعادة الانضباط لأسعار السلع والمنتجات، سواء الصناعية أو الزراعية، من خلال آليات واضحة وفعالة، حيث نجد المصنع يحدد سعر المنتج دون تدخل حكومي، أو رقابة من اتحاد الصناعات أو الغرف التجارية التي لا تقوم بدورها.