منعته الحرب من العودة
محمد عياد الطنطاوى.. الأزهرى الذي نشر الإسلام في روسيا ونال احترام القياصرة
الإسم : محمد بن سعد بن سليمان بن عياد الطنطاوى
تاريخ الميلاد : 1810 بقرية محلة مرحوم مركز طنطا
المؤهل : إجازة العالمية الأزهرية
الوظيفة : مدرس لغة عربية
«هذا مرقد الشيخ العالم محمد عياد الطنطاوى ، كان مدرس اللغة العربية في المدرسة الكبيرة الإمبراطورية بطرسبورج المحروسة، وتُوفي في شهر جمادى الثاني سنة 1278 من الهجرة عن خمسين سنة».
وقف الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف أمام العبارة السابقة المحفورة على شاهد قبر الشيخ محمد عياد الطنطاوى بمدينة فولكوفو الروسية، ليقرأ الفاتحة على روح الشيخ الذى أفنى عمره فى سبيل نشر الإسلام في روسيا قبل عدة قرون بتكليف من الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الشريف.
ولد الشيخ الطنطاوى في قرية محلة مرحوم مركز طنطا، في عام 1810، وفي سن مبكرة أرسله والده لحفظ القرآن الكريم في مدينة طنطا، إذ كانت أشهر مدن مصر والشرق الأوسط كله خدمة للقرآن الكريم، لا سيما في الجامع الأحمدي " مسجد السيد البدوى"، وحين أتم حفظ القرآن الكريم، انتقل إلى حفظ عدد من المتون اللغوية والشرعية آنذاك، مثل ألفية ابن مالك في النحو، والمنهاج في الفقه.
ولما بلغ الطنطاوي الثالثة عشرة من عمره رحل إلى القاهرة، ثم لحق به والده الذي آثر السكنى في القاهرة، ثم التحق بدروس الجامع الأزهر التى كانت تقتصر على حفظ الشروح، ودراسة علوم الفقه والمنطق والبلاغة والبديع.
تأثر الشيخ محمد عياد الطنطاوى بشيخ الجامع الأزهر الشيخ حسن العطار، الذى كان من المنفتحين على العلوم والمعارف الأوروبية لا سيما الفرنسية منها، كما عمل في ميدان الصحافة محررا لأول جريدة مصرية هي "الوقائع المصرية"، وشجع تلامذته على الإقبال على العلوم والمعارف الأوروبية، وعلى رأسهم رفاعة رافع الطهطاوي، ومحمد عياد الطنطاوى .
وبعد تخرجه من الأزهر الشريف، آثر الاتجاه إلى تعليم الأجانب اللغة العربية بجوار عمله في الجامع الأزهر.
كان محمد علي باشا والي مصر قد فتح الباب واسعا أمام الأجانب والأوروبيين للاستثمار والعمل في البلاد، وجذبت التسهيلات والمغريات المئات والآلاف من هذه الجاليات، وأدرك هؤلاء أن مفتاح مصر يكمن في معرفة اللغة العربية، فسارعوا إلى إلحاق أقسام للغة العربية في مدارسهم ومجالسهم وجمعياتهم، وأصبحت الحاجة إلى استقدام مدرسين في هذا التخصص مُلِحّة، وكان الشيخ محمد عياد الطنطاوي ممن اجتذبته هذه البيئة الجديدة، لشهرته التي اكتسبها في الأزهر الشريف في هذا المضمار العلمي واللغوي.
مشاهير المستشرقين الأوروبيين
بدأ الطنطاوي في العمل مُدرسا للغة العربية وآدابها في المدرسة الإنجليزية بالقاهرة، وقد فتح هذا المجال الجديد أمامه الأبواب للتعرف على عدد من مشاهير المستشرقين الأوروبيين والروس الذين كانوا في مصر آنذاك، بل كان السبب في سفره إلى روسيا فيما بعد، فقد درس على يديه المستشرق البريطاني الشهير إدوارد وليام لاين، والمستشرق الفرنسي فرنيل أو فلجانس فرينل الذي أصبح قنصل فرنسا في جدة والموصل وتوفي في بغداد، وهو صاحب كتاب "الرسائل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، وكان تأثير الطنطاوي في فرنيل كبيرا ومتبادلا.
يقول الطنطاوي في إحدى رسائله عن هذا الدبلوماسي والمستشرق الفرنسي: وأول من عاشرته حضرة الخواجة فرنيل، وهو يُحبّ العربية بالطبع، فكان يحثّني دائما على الاشتغال، وهو الآن قنصل جدة، وبسببه تقوّيتُ في العلوم الأدبية؛ لأنني كنتُ أقرؤها معه، وهو كان من أهل التحقيق والتدقيق، وله توقفات حسنة، وبنات أفكار جميلة
كما درس على يديه عدد من المستشرقين والشخصيات الألمانية، مثل فالن، وبرونر طبيب محمد علي باشا، إلا أن العالمين الروسيين موخين وفرين اللذين عملا في حقل الاستشراق والدبلوماسية الروسية قد لفتهم قدرة الشيخ وهو ما زال في شبابه، فقد كان موخين متخرجا في كلية التاريخ والآداب الشرقية في جامعة سان بطرسبورج ، وكان يدرك بعمق قدرة الطنطاوي وملكاته العلمية في حقل اللغة والعربية وآدابها والعلوم الإسلامية، وقد مدحه الطنطاوي من جانبه، إذ صار فيما بعد مترجما له ودليله في رحلته إلى روسيا
رحلة الطنطاوى إلى روسيا
في عام نفسه 1839، كلف وزير الخارجية الروسي المستشار نسلرود ، الدوق مديم قنصل روسيا العام في الإسكندرية للبحث عن شخصية مناسبة من العلماء العرب لإعارته إلى روسيا لتدريس اللغة العربية فى الجامعة الروسية، ووقع الاختيار على الشيخ محمد عياد الطنطاوى، وكان لزاما عليه أن يأخذ الإذن بالسفر والإعارة من الوالي محمد علي باشا شخصيا، وقد قابله بالفعل، وحثه الوالى على دراسة اللغة الروسية وإتقانها، ووعده بعطفه وعنايته به
وانطلق الطنطاوي إلى رحلته لتدريس اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية في جامعة بطرسبورج عاصمة روسيا القيصرية آنذاك، فغادر القاهرة في 16 مارس سنة 1840م، ليصل بطرسبورج بعد رحلة طويلة استغرقت ثلاثة أشهر ونصف في 29 يونيو سنة 1840.
كان استقبال الشيخ حافلا، حيث كانت جموع المثقفين والمستشرقين تترقب وصول هذا الـمعمم الأزهري الذي تحط قدماه كأول عربى يدرس للطلبة الروس.
وعلى مدار عقدين قادمين، يعمل الشيخ الطنطاوى أستاذا للعربية وآدابها في كلية الدراسات الشرقية بجامعة سان بطرسبورج، إلى جانب نشر الاسلام الحنيف، لم يرجع فيها إلى مصر إلا سنة 1844 ليأتي بزوجته وابنه الصغير أحمد، ويقرر بإرادته أو رغما عنه عدم الرجوع مرة أخرى إلى وطنه، لطول المسافة ووعورة الطريق، واشتعال حروب القرم بين الدولة العثمانية وروسيا.
أوسمة من الدولة الروسية
حظي الشيخ الطنطاوى في سنوات تدريسه، على تقدير الأوساط العليا في الدولة الروسية، فقد قلده القيصر بنفسه أرفع الأوسمة، مثل وسام ستانيسلان ووسام حنا وخاتما مرصعا بالألماس.
وفى عام 1855، تدهورت الحالة الصحية للشيخ محمد عياد الطنطاوى ، حيث أصيب فيه بالشلل الرعاش ثم عدم القدرة على الحركة، واضطر إلى العلاج والراحة الطويلة، وفي عام 1860 أحيل الشيخ للتقاعد، وقررت له الدولة الروسية معاشا شهريا، وكانت زوجته قد توفيت قبله، واضطر إلى إيداع ابنه الوحيد أحمد في إحدى المدارس الداخلية للاعتناء به، وفي 29 أكتوبر سنة 1861، انتقل الشيخ محمد عياد الطنطاوى إلى رحمة الله.
ودون التاريخ اسمه كأول أساتذة اللغة العربية والعلوم الإسلامية والاستشراق، ليُدفن في مقبرة المسلمين بمدينة فولكوفو قرب سان بطرسبورج.