مصر هي عصب ورمانة الميزان فيما يخص القضية الفلسطينية.. وإذا كانت تتعرض لانتقادات ولوم فهذا من قبل الرهان عليها فيما يتعلق بفلسطين شعباً وأرضاً.. ونظراً لتاريخها مع القضية التي يعتبرها الشعب المصري والنظم السياسية منذ العام 1948 وما بعدها بأنها أم القضايا والقضية المركزية..
الشعب المصري وأنظمته الحاكمة المتعاقبة ترى أن فلسطين قضية وجودية، ولا أمان ولا سلام بدون إقامة الدولة الفلسطينية..
عن جهل أحيانا، وتعمداً في أوقات أخرى لأسباب سياسية أو نتيجة لصراعات خفية يتم الترويج لفكرة تواطئ مصر بالتحالف مع الكيان الصهيوني والأمريكي ضد القضية وشعبها..
مالم يفهمه البعض عن عمد أو بقصد أو لجهالة أن القاهرة تقف خلف المقاومة الفلسطينية والعربية وتمنحها القوة والدعم السياسي وربما يكون هناك دعماً من أنواع أخرى ومثل هذه الأمور لا تعلن ولا يعلن عنها.. وهنا أتذكر تصريحا لعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قال فيه "إن رئيس جهاز المخابرات العامة الراحل عمر سليمان كان يطلب منا عدم التوقف عن المقاومة وأنه على أتم الاستعداد لتوفير كل ما يلزم.. مؤكدا على ضرورة الاستمرار في مباحثات لم الشمل الفلسطيني والتفاوض بشأن السلام والمقاومة".
وأيضاً، كانت القيادة السياسية والمخابرات المصرية والقوات المسلحة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك تعلم بأماكن الأنفاق وعددها الذي على ما أتذكر نحو 600 نفق وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، تحدث الاحتلال عن الأنفاق فقال مبارك " الأنفاق لإدخال البضائع نتيجة الحصار الذي فرضه الاحتلال، وأن الاتفاق الإسرائيلي الأمريكي لمراقبة تهريب السلاح لا يُلزمنا بشيء لأننا دولة مسؤولة وقادرة على حماية حدودها ولن نقبل بتواجد أي قوات أجنبية على الجانب المصري من الحدود ،ولتبتعد أي ترتيبات إسرائيلية ودولية عن سماء وأرض مصر ".
ولأننا لا نقرأ التاريخ، أو نقرأه فننساه، فمن كلمات الرئيس الراحل حسني مبارك نكتشف أن "النتن ياهو"، والذي كان رئيسا لوزراء دولة الاحتلال عام 2008 يكيل الاتهامات دائماً لمصر بشأن محور صلاح الدين والذي أعلن مؤخراً، أنه كان ضد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة والمحور عام 2005 ويرغب في العودة لاحتلاله من جديد..
وفي ذلك السياق يسعى رئيس الوزراء كما نقلت صحيفتي " يديعوت أحرنوت " و" هآرتس " الإسرائيليتين لنسف محاولة الوصول لصفقة لتبادل الأسرى ووقف الحرب في غزة ومكان لدفن الاتفاق لذلك تطالب "هآرتس" أهل الحقيقة أن يتقدموا ليعكسوا الحقائق كما هي للجمهور، أمام أكاذيب نتنياهو، ويمنعوه من التخلي عن الأسرى بادعاءات كاذبة بشأن تهديد وجودي وتقويض الثقة في الجهاز الأمني..
وفي سياق متصل نذكر ما قاله مصدر مصري بأن تصريحات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا رسالة استباقية لواشنطن برفضه أي مقترحات لوقف إطلاق النار بغزة وإجهاض لجهود التهدئة.
فيما نقلت يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي قوله بأن نتنياهو حول محور فيلادلفيا إلى تحد لمصر.. وهنا نقول إن “نتن ياهو" بعد فشل محاولاته في جر إيران إلى مواجهة مباشرة تفضي لحرب إقليمية باغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مقر إقامته بطهران، لضرب مشروعها النووي.. تحول صوب مصر لموقفها الرافض رفضاً قطعياً لوجود جيش الاحتلال بمحور صلاح الدين ومعبر رفح البري، كما أن القاهرة رفضت خلال المشاورات الأخيرة المقترحات الأمريكية والإسرائيلية بهذا الخصوص ورفضت تسلم المقترح بخرائطه، وإن كانت قد نقلت للمقاومة الفلسطينية الممثلة في حركة حماس المقترحات على سبيل العلم بالشيء، مما يكشف أن مصر شعباً وقيادة سياسية تقف موقف واحد مع المقاومة الفلسطينية، وهذا لا يعيب فواشنطن تقف ذات الموقف مع إسرائيل.
تذكرة عودة للمقترح المصري
ولا ننسى أن مصر كانت قد طرحت أوائل شهر مايو 2024، مقترحا وصف بأنه المخرج الوحيد لجميع الأطراف للخروج من النفق المظلم بتوزيع النصر والهزيمة على الطرفين بقدر متساوي، وسيؤجل الصراع لمدة 5 سنوات على 3 مراحل تستغرق 108 أيام تفضي لوقف دائم وإعادة الإعمار..
وتتضمن المقترح إطلاق سراح جميع المُحتجزين الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة منذ فترات وأزمنة مختلفة من مدنيين وجنود الأحياء منهم والأموات عجز الاحتلال عن إعادتهم مقابل إطلاق سراح أكبر عدد من الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية في المرحلتين الأولى والثانية وعدم اعتقال الأسرى الفلسطينيين المُحررين استناداً إلى نفس التُّهم التي اعتُقلوا بسببها سابقاً..
كما يضمن المقترح إعادة الإعمار ووقف القتال والتهدئة لمدة خمس سنوات وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج القطاع مع نهاية المرحلة الثانية، وعودة النازحين لمناطق سكنهم.. وإدخال 500 شاحنة يوميا من المساعدات الغذائية والطبية والإنسانية والوقود لتشغيل المخابز والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه ومعدات إزالة الركام. وقيام وكالات الأمم المُتحدة والمُنظمات الدولية الأخرى بأعمالها في تقديم الخدمات الإنسانية في كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاقية.. وأيضا خروج الجرحى العسكريين للعلاج عبر معبر رفح.. والبدء في إعادة تأهيل البنية التحتية، وتسهيل إدخال المُستلزمات والمُتطلبات اللازمة لإنشاء مُخيمات الإيواء لاستيعاب النازحين الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب..
وتتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة تبادل جميع جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول والتعرف إليها. والبدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة 5 سنوات بما يشمل البيوت والمُنشآت المدنية والبنى التحتية. ويمتنع الجانب الفلسطيني عن إعادة إعمار البنى التحتية للمُنشآت العسكرية ولا يقوم باستيراد أيّ معدات أو مواد أولية أو مكوّنات أخرى تُستخدم لأغراض عسكرية.
المقترح وافقت عليه المقاومة الفلسطينية في اليوم التالي لعرضه بينما عرقله "النتن ياهو" بدعم أمريكي.. علماً بأن المقترح المصري كان يعالج الهواجس والمخاوف الأمنية للاحتلال الإسرائيلي.
ولا أكون كاذباً ومجاملاً إذا قلت إن الإدارة الأمريكية أخذت ذات المقترح ونقحته مع إسرائيل بما يخدم أهدافهما وتم عرضه من قبل الرئيس الأمريكي كونه مقترح إسرائيلي ووافقت عليه المقاومة الفلسطينية ومصر وقطر، وعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي برفضه الانسحاب من محوري صلاح الدين ونتساريم وطلبه إيجاد قوة دولية للإشراف على إدارة المعبر، وأطلقت إدارة بايدن الاتهامات لحماس بأنها تعرقل الصفقة.
خلاصة القول، وهو ما تدركه مصر وقطر والمقاومة والإدارة الأمريكية، "نتن ياهو" لا يرغب في الانسحاب من قطاع غزة، ويريد جر مصر لحرب بعد فشل محاولة جر إيران العازمة على الرد، ولكن ليس الآن لرغبتها في الوصول لعام 2025 لتكمل مشروعها النووي وتطور دفاعاتها الجوية لتأمين مشروعها.. كما تخشى إسرائيل من النمو العسكري المصري الذي بات مفزعاً وهو يرغب في استثمار وجود الترسانة العسكرية المرسلة من واشنطن وباريس ولندن للمنطقة لتنفيذ مخططه بإشعال المنطقة بنشوب حرب إقليمية تسمح له بإعادة احتلال قطاع غزة وقضم الضفة الغربية وترحيل الشعب الفلسطيني بسلطته للأردن وشمال سيناء، ويحتل الجنوب اللبناني لعدم الإزعاج ويقضي على المشروع النووي الإيراني والنمو العسكري المصري.. ولذلك هو يضيع الوقت أملاً بوصول ترامب للبيت الأبيض لتنفيذ مخططه لاكتشافه أن إدارة بايدن غير عازمة على توجيه ضربة لإيران وبالتالي عدم نشوب حرب إقليمية قد تفتك بهيبتها وضياع إسرائيل ذاتها بانضمام قوى مثل كوريا الشمالية وروسيا والصين والتي لها ثأر مع واشنطن ودول أوروبا المنحازة لأوكرانيا.. فالكل يلعب على منطقة الشرق الأوسط خاصة العربية منه.