و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

وعوده سجلت على الجليد

المقاومة تحاصر نتنياهو في تل أبيب بنعوش المحتجزين والمستوطنين وصواريخ حزب الله

موقع الصفحة الأولى

لا يمر يوما ولا ليلة بدون مظاهرات ومسيرات داخل الكيان الإسرائيلي لـ  نتنياهو تطالب بإبرام صفقة لإطلاق سراح المحتجزين أو الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ووقف الحرب حتى يتمكن سكان المستوطنات شمال فلسطين المحتلة وغلاف القطاع للعودة لمنازلهم، حتى لو أقتضى الأمر برحيل رئيس وزراء دولة الاحتلال وحل الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة.

الحرب النفسية

اعتمدت المقاومة الفلسطينية في غزة منذ الساعات الأولى لحرب الإبادة الجماعية عقب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 20223، سلاح الحرب النفسية ضد الاحتلال بتصوير عملياتهم العسكرية الفدائية لمواجهة جيش الاحتلال وجرائمه بحق المدنيين وبثها عبر صفحات التواصل الاجتماعي لتتلقفها بعض وسائل الإعلام العالمية، فضلاً عن إرسالها للقنوات العربية المتعاطفة مع المقاومة مما منح عملياتهم شرعية وتعاطف شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة يومية.
شعوب العالم خاصة في جامعات وشوارع ومحافل أوروبا انتفضت تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورافضة لمساندة حكوماتها للعدوان سياسيا وعسكرياً، حتى جاءت الضربة الكبرى التي استخدمت فيها المقاومة الفلسطينية سلاح المحتجزين لديها من خلال رسائلهم لرئيس حكومتهم وقادتهم السياسيين لإبرام صفقة تفضي لإطلاق سراحهم، مناشدين ذويهم بالضغط على رئيس وزرائهم لإبرام الصفقة.. فكانت الصدمة لهم ولذويهم والمعارضين السياسيين بإصرار النتن ياهو والوزراء المتطرفين بعرقلة كل محاولة لإبرام صفقة فما كان من أهالي وعائلات المحتجزين إلا الشارع للضغط على الحكومة لإبرام الصفقة أو الرحيل. 
ومما زاد من أوجاع أهالي وعائلات المحتجزين عثور جيش الاحتلال في نصر مبين على جثث 27 رهينة، كان أخرهم 6 جثث بنفق بمدينة خانيونس يوم السبت 31 أغسطس 2024 مما أثار غضب أهالي وعائلات المحتجزين والمعارضين السياسيين وتضامن معهم الاتحاد العام لعمال إسرائيل " الهستدروت " ورابطة المصنعين الإسرائيليين ومنتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يمثل العاملين بالقطاع الخاص والذي يضم 200 شركة، ومجالس البلديات وكان الإضراب العام والذي شهده الكيان لأول مرة في الثاني من سبتمبر 2024 ، مقرراً مده لأيام لحين إبرام الصفقة أو إسقاط حكومة نتنياهو ،لكن وزير المالية المتطرف سموتريتش ذهب لمحكمة العمل التي قضت بفض الإضراب لأنه إضراب سياسي وليس إضراب خاص بالعمل.

وفض الإضراب لم يوقف الاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات، لقد بات المساء في مدن الكيان أمسيات احتجاجية تجوب الشوارع والميادين بالمدن الكبرى ومفارق الطرق في أنحاء البلاد وأمام منازل محور نتنياهو بالحكومة ومنازل المحتجزين وفقا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية التي ذكرت أن تل أبيب "يافا" شهدت الخميس/5 سبتمبر 2024/ مسيرة لمئات المتظاهرين حاملين 27 نعشاً تخليدا للمحتجزين لدى المقاومة الذين قتلوا.. ووفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية دخل المتظاهرون في صدام مع الشرطة التي حاولت فض المسيرات والاعتصامات بالقوة وقامت بإلقاء القبض على 100 متظاهر منذ الأحد وحتى الخميس (من 1_ 5 سبتمبر 2024).

الوقت ينفد 

وما يزيد من تأزم الأمور داخل إسرائيل هي بث المقاومة لفيديوهات للأسرى الذين قتلوا وتم العثور على جثثهم تحت عنوان "الوقت ينفد" وهم يناشدون رئيس الوزراء بسرعة إبرام صفقة لإطلاق سراحهم، فمنهم من ناشدت نتنياهو بسرعة الإفراج عنهم وقالت "لقد تم الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط مقابل أكثر من ألف سجين فلسطيني واليوم هم (تقصد المقاومة) تطالب بربع الرقم (أي 250 معتقل فلسطيني) مقابل كل أسير.. هل هذا كثير علينا؟".. كما نشرت كتائب القسام رسالة إلى نتنياهو سجلها أسيران قُتلا في غزة يقولان فيها “تحاولون قتلنا.. والقسام نقلتنا 10 مرات لنبقى أحياء.. إنهم يخافون علينا أكثر منك.. رجاءً وقع على الصفقة". فيما قال أسير مقتول (طبعا قبل الموت سجلت هذه الرسائل) "الضربات العسكرية كان هدفها أنا والمخطوفين الآخرين".. والملاحظ أن جميعهم شكي من قلة الطعام والماء والدواء والظروف الصعبة بالأنفاق.. ولم يرق قلب نتنياهو!!
وماذا من توتر الأمور والأحداث بيان الناطق باسم كتائب القسام " أبو عبيدة " بأنه صدرت الأوامر لحراس الأسرى بإطلاق النار عليهم إذا اقترب الجيش الإسرائيلي منهم.. وتزامن مع ذلك تأكيدات قادة حماس وفصائل المقاومة بأن بعض الأسرى قُتلوا في قصف إسرائيلي وآخرون بنيران مباشرة من جيشهم ونتنياهو يتحمل مسؤولية عودتهم قتلى.. كما نشرت القسام مؤخراً رسالة لعائلات أسرى الاحتلال “جثث في أكياس سوداء.. هكذا سيعيد لكم أبناءكم" وهي صورة لنتنياهو يحمل كيساً أسود ملطخ بالدماء.

وما زاد من السخط والغضب الشعبي والسياسي على نتنياهو إعلان حماس أن 2 من الأسرى الذين تم العثور على جثثهم كانوا ضمن قائمة المفرج عنهم باتفاق الثاني من يوليو 2024 وأن الأسرى الإسرائيليين قُتلوا بقصف إسرائيلي، وقالت الحركة كنا حريصين أكثر من بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي على حياة الأسرى لذا وافقنا على مقترح الرئيس الأمريكي وعلى قرار مجلس الأمن بينما رفضهما نتنياهو.
وذلك ما أكدته هيئة البث الإسرائيلية بقولها "كان من المفترض الإفراج عن إثنين من الأسرى القتلى في المرحلة الأولى لصفقة محتملة ".
العثور على جثث الرهائن أو الأسرى أصبح سلاح تكتيكي جديد تمارسه المقاومة الفلسطينية لمواجهة تلاعب نتنياهو بإبرام صفقة تقضي بالانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من كامل القطاع ووقف الحرب، الذي يصر على البقاء بمحور صلاح الدين ومعبر رفح على الحدود المصرية الفلسطينية ومحور نتساريم الذي أنشاؤه الاحتلال خلال حرب الإبادة بوسط القطاع ليفصل شماله عن جنوبه، لدواعي أمنية كما يزعم نتنياهو.

إنها الحرب الأخرى التي تحصد فيها المقاومة النصر بإشعال الغضب الشعبي والسياسي ضد نتنياهو ومحور التطرف بحكومته والتي قال عنها نتنياهو ذاته "حماس تشن حربا نفسية على مواطنينا وتريد إحداث فتنة بيننا.. وهي اعتمدت خطة لنشر صور الأسرى لزيادة الضغط النفسي على المجتمع الإسرائيلي وعلى الحكومة".
حرب أدخلته في دائرة القلق، وذلك ما قالته صحيفة هآرتس إن نتنياهو يشعر بالقلق من انتقادات عائلات الأسرى التي تحظى بتغطية متزايدة في وسائل الإعلام الدولية، خاصة بعد إعلان إدارة بايدن أن العائق الرئيسي أمام الصفقة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي وليس حماس كما كانت تدعي دائما.. نتنياهو قلق أيضا من الانتقادات الدولية ويحاول درء الاتهامات بإحباط صفقة إعادة الأسرى.

صواريخ حزب الله ومسيرات العراق 

واشتعلت الحرب النفسية بانضمام سكان المستوطنات للمظاهرات خاصة بالشمال والذي يقدر عددهم بنحو 240 ألف مستوطن لم يتبقى منهم سوى 30 أو 40 ألف مستوطن والباقي تم ترحيله لفنادق بالقدس وتل أبيب “يافا سابقاً" وبعض المدن الأخرى، بسبب استهداف حزب الله للبلدات والمواقع العسكرية الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية بشكل يومي بصواريخ ومسيرات وصل عددها منذ 8 أكتوبر 2023 وحتى الرابع من سبتمبر 2024 إلى 8 ألاف صاروخ أدت لمقتل 26 مدنيا و20 جنديا إسرائيليا ، بخلاف تدمير العديد من المنازل وإشعال الحرائق ،ونقل عشرات الآلاف من سكان الشمال إلى مناطق أكثر أماناً ولم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن .. وفقا لما نشرته "تايمز أوف إسرائيل" والتي أوضحت أن حزب الله أستهدف يوم الأربعاء/ 4 سبتمبر 2024/ الشمال الفلسطيني المحتل بــ 100 صاروخ.. 

وفي سياق متصل نشرت وكالة الأمن الداخلي (الشاباك) يوم الخميس /5 سبتمبر 2024/ تقريراً أشارت فيه إلى أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها في شهر أغسطس على إسرائيل كان الأكبر مقارنة بأي شهر سابق منذ اندلاع الحرب، إذ تم إطلاق 1307 صواريخ بواقع نحو 40 صاروخ يوميا، غالبيتها من لبنان.. فيما تم إطلاق 116 صاروخاً من غزة. 
ذلك بخلاف عشرات الهجمات بطائرات مسيّرة من قبل المقاومة الإسلامية في العراق، ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي إسقاط العديد منها، لكنها تمكنت من ضرب قاعدة بحرية إسرائيلية في إيلات، مما تسبب في أضرار، كما كشفت "تايمز أوف إسرائيل".

فيما كشف رئيس بلدية كريات شمونة "أفيحاي شتيرن" لموقع " واينت " الإخباري عن إخلاء معظم سكان البلدية لتعرضها لقصف شديد بالصواريخ التي تطلق من لبنان، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل في المدينة.. وقال " للأسف، يتعين علينا كل يوم أن نخبر المزيد من العائلات بأنها لن يكون لديها منزل للعودة إليه، وهناك منازل تحتاج إلى هدم وإعادة بناء". 
وأكد رئيس مستوطنة مرجليوت "إيتان دافيدي" في مقابلة مع القناة "الـ 12" الإسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية نسيت الشمال، والجيش بعيد عن الحسم.. وقال إن المستوطنة خالية تماماً ومهجورة منذ 11 شهراً، لأن رئيس الحكومة لم يفعل شيئاً من أجل تغيير المعادلة أو تغيير الواقع، وأضاف "هذه الحكومة فاشلة وضعيفة ".
وما يزيد من غضب سكان الشمال هو تجاهل نتنياهو في مؤتمراته الصحفية الأخيرة لأزمتهم والتي كانت أحد أهداف الحرب الحالية.. وعدم الوفاء بوعوده بالعودة في أقرب وقت منذ اندلاع حرب الإبادة والتي وصفها رؤساء المستوطنات بقولهم

 " الوعود التي قطعت سجلت على الجليد ". 

ولازالت المظاهرات والاحتجاجات مستمرة مع إمكانية الإضراب العام مرة ثانية فالجميع ينتظر مقترح بايدن الجديد الذي سيكون الفرصة الأخيرة لقيادة واشنطن مفاوضات السلام.. ولازال حزب الله يستهدف المستوطنات ويتوسع باستهداف مستوطنات جديدة، مما يزيد عدد الأسر التي يتم إخلاؤها يومياً للمدن الأخرى وبالتالي الانضمام للمظاهرات والاحتجاجات والضغط النفسي على الحكومة.

تم نسخ الرابط