عندما دخلوا الازهر بالخيول
ثورة القاهرة .. مواجهات فضحت همجية نابليون والجيش الفرنسي قبل 226 عاما
كانت ثورة القاهرة الأولى للشعب المصري ضد الحملة الفرنسية، والتي بدأت في 20 أكتوبر 1798، وقادها الأزهر الشريف وشيوخه ضد نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر.
ثورة القاهرة الأولي وكذلك الثانية، كشفتا الوجه القبيح للحملة الفرنسية، وهمجية الجيش الفرنسي قبل 226 عاما من الان.
كانت الضرائب الفادحة التى فرضها الفرنسيين علي مصر من أبرز أسباب ثورة القاهرة الأولى ، بحسب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي المعاصر لأحداث الحملة والثورة، ودوّن تفاصيل هذه الأحداث يوما بيوم في كتاباته.
وبحسب شهادة الجبرتي، وأيضا مراسلات نابليون بونابرت إلى باريس، أثناء ثورة القاهرة الأولي، جرى الدم في شوارع القاهرة، وقال الجبرتي: فعند ذلك أخذ المسلمون حذرهم وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح، وآلات الحرب والكفاح، ومسكوا الأطراف الدائرة، بمعظم أخطاط القاهرة، كباب الفتوح وباب النصر والبرقية، إلى باب زويلة وباب الشعرية، وهدموا مساطب الحوانيت، وجعلوا أحجارها متاريس، ووقف دون كل متراس، جمع عظيم من الناس.
ويضيف : إن أهل الحسينية، والعطوف البرانية، استمروا على القتال إلى أن فرغ منهم، فعجزوا عن المقاومة، ولم يدخل الفرنساويون المدينة إلا بعد هجمة الليل، دخل الإفرنج المدينة كالسيل، ومروا في الأزقة والشوارع، وهدموا ما وجدوا من المتاريس، ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول.
ويتابع الجبرتي وصف أحداث ثورة القاهرة الأولي قائلا: ثم تردد الفرنسيس في الأسواق ووقفوا صفوفًا، مائتين وألوفًا، فإن مر بهم أحد فتشوه، وأخذوا ما معه وربما قتلوه، وكثير من الناس ذبحوهم، وفي بحر النيل قذفوهم، ومات في هذين اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها إلا الله.
وأكمل: ألقوا القبض على عدد كبير من كبار القوم المتهمين بإشعال جذوة الثورة، وفي اليوم التالي 23 أكتوبر أصدر نابوليون أمرًا إلى الجنرال "بون" قومندان القاهرة، بأن يقتل أولئك المشايخ، ومن قبض عليهم من زعماء الثوار، وذلك بأن يؤخذوا ليلًا إلى شاطئ النيل بين مصر العتيقة وبولاق ثم يقتلوا وتلقى بجثتهم في مياه النهر.
مفاجأة نابليون بونابرت
كان اندلاع ثورة القاهرة الأولى ضد جيش الاحتلال الفرنسي مفاجئ لنابليون بونابرت الذى لجأ لاستخدام العنف ضد الثورة التى قادها طلاب الأزهر الشريف وشيوخه، وذلك بعدما عمد الفرنسيون لفرض ضرائب باهظة خاصة على التجار، مما ناقض وعود نابليون عند قدومه لمصر.
وكان من أهم أسباب الثورة أيضا تفتيش الفرنسيين للبيوت والدكاكين بحثا عن أموال، وهدم أبواب الحارات لتسهيل مطاردة رجال المقاومة وهدم المبانى والمساجد بحجة تحصين المدينة.
وحينما اشتعلت الثورة، لم يقدر الجنرال ديبوى حاكم القاهرة الموقف على حق قدره، ونشبت معركة قتل فيها الثوار ديبوى، فعين نابليون الجنرال بون مكان ديبوى وزادت أعداد الثوار، وشملت الثورة معظم القاهرة ما عدا مصر القديمة وبولاق، ربما لقربهما من معسكرات القوات الفرنسية، وأخذت جموع الأهالى والثوار تتجمع فى الأزهر وأقاموا المتاريس فى الطرق المؤدية إليه وبلغ عدد المتظاهرين فى ثورة القاهرة الأولى أكثر من 50 ألفا.
ضربت المدافع البيوت والحارات والجامع الأزهر الذى أوشك أن ينهار من كثرة ضرب المدافع، وبلغت الجرأة من الثوار أن قتلوا من الجنود أعدادا كبيرة، وانهالت المدافع على حى الأزهر والأحياء المجاورة مثل الصنادقية والغورية والنحاسين، واقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم، وأهانوا ما به من المصاحف.
بعد إخماد الثورة حكم الفرنسيين على 6 من شيوخ الأزهر بالإعدام، واقتيدوا إلى القلعة، حيث ضربت أعناقهم، كما أسفرت الثورة عن مقتل أكثر من 2500 مصري، وحوالى 20 من رجال الحملة الفرنسية.
ثورة القاهرة الثانية
لم تكن ثورة القاهرة الأولي ضد الحملة الفرنسية قد غادرت أذهان المصريين، فبعد فشل نابليون في حصار عكا عاد سرا إلى فرنسا تاركًا كليبر قائداً للحملة الفرنسية على مصر التي صارت نهب أطماع البريطانيين والمماليك والعثمانيين.
وعلى خلفية هذا النزاع المتعدد على مصر انتهز المصريون الفرصة للخلاص من الفرنسيين، فكانت ثورة القاهرة الثانية التي اندلعت في 20 مارس 1800، حيث هاجموا معسكرات الجيش الفرنسى.
كان أهل بولاق هم الذين فجروا ثورة القاهرة الثانية بقيادة مصطفى البشتيلى، كما لعب أعيان القاهرة وتجارها وكبار مشايخها دورًا كبيرًا فخرج عمر مكرم نقيب الأشراف وأحمد المحروقى كبير التجار على رأس الثوار، فلما عاد كليبر للقاهرة بعد انتصاره على العثمانيين في عين شمس وجد الثورة مشتعلة فعمد إلى إخمادها.
بدأ هجومه على بولاق معقل الثورة والثوار وأخذ يضربها بالمدافع، فمات العشرات، واضطر المشايخ والعلماء للتوسط حقنا للدماء فاتهمهم الثوار بالخيانة، لكن العلماء واصلوا مساعيهم لحقن الدماء إلى أن تم التوصل لاتفاق في 21 إبريل 1800.
وكان كليبر في سبيل إخماده للثورة قد أيقن أن حى بولاق هو نقطة البداية ومركز الثورة بزعامة مصطفى البشتيلى ورغم أن الثورة انتهت إلا أنه أمر بالبحث عن البشتيلى حتى تم الإمساك به وأودعوه سجن القلعة وبعد 3 أيام سلموه لرجاله، وأمروهم بأن يطوفوا به القاهرة تحت حراسة الفرنسيين ثم أمر كليبر الثوار بقتل زعيمهم بأيديهم شرط الإفراج عن باقى الثوار وعدم ضرب الحى مجددا فاستجابوا وانهالوا على البشتيلى بالنبابيت حتى قتلوه.