مجازر بشرية علي يد العثمانيين
مقتل طومان باي وسقوط دولة المماليك بعد 267 عاما من حكم مصر
كان الأشرف أبو النصر طومان باي هو آخر سلاطين دولة المماليك في مصر، التى انتهت عام 1517 علي يد العثمانيين بعد 267 عاما من حكم المماليك، وانتهى به الأمر مشنوقا عام 1517، علي باب زويلة.
اعتلى طومان باي العرش السلطاني في الشهور الأخيرة من عمر الدولة المملوكية، وقاد الجيش في آخر معاركه ضد العثمانيين بموقعة الريدانية "العباسية حاليا"، وسقطت القاهرة في يد العثمانيين لتنتهي دولة المماليك في مصر.
اقترب الجيش العثماني من القاهرة، خرج طومان باي بالجيش، والتقى الجيشان في منطقة الريدانية، ودارت معركة شرسة كانت الغلبة فيها لجيش المماليك ، الذي تمكن من وقف زحف الجيش العثماني في بداية المعركة، لكن الكفة مالت في نهاية المعركة لصالح العثمانيين نظرا لكثرة عددهم وقوة عدتهم وعتادهم.
بعد هذه الهزيمة، انسحبت جيوش المماليك بقيادة السلطان طومان باي من شوارع وأزقة القاهرة، لكن السلطان سليم الأول تردد في الدخول إليها في الأيام الأولى بعد نهاية المعركة، لأنها كانت لا تزال تحت سيطرة المماليك على الرغم من هزيمتهم.
وبعد أيام قليلة، وافق السلطان سليم الأول على دخول القاهرة قبل أن يباغته جيش المماليك لتنطلق معارك أخرى طاحنة في شوارع القاهرة استمرت 4 أيام.
مجازر بشرية علي يد العثمانيين
انتصر المماليك مرة أخرى في بداية هذه المعارك، بفضل معرفتهم ودرايتهم بشوارع وأزقة القاهرة، إضافة إلى انخراط سكان القاهرة في هذه المعارك ومساعدتهم جيش المماليك، لكن العتاد العسكري المتطور للجيش العثماني وكثرة جنوده رجحت الكفة لمصلحته مرة أخرى في نهاية المعركة.
وبحسب المصادر التاريخية، ما أن أعاد العثمانيون سيطرتهم على القاهرة حتى استباحوها فكانت مجازر بشرية يصفها ابن إياس قائلا: بالمصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، فقتلوا جماعة كثيرة من العوام وفيها صغار وشيوخ لا ذنب لهم، وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام، ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، فصارت جثثهم مرمية في الطرقات، فكان مقدار من قتل في هذه الواقعة فوق العشرة آلاف إنسان في عدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله لفني أهل مصر قاطبة بالسيف.
وهجم العثمانيون على زاوية الشيخ عماد الدين بالناصرية ونهبوا ما فيها من قناديل وحصر وأحرقوا البيوت من حولها كما نهبوا محتويات مسجد السيدة نفيسة أما جامع شيخون مركز المقاومة فقد أحرقه العثمانيون فاحترق سقف إيوانه الكبير وقبضوا على نحو ثمانمائة من المماليك وضربوا أعناقهم.
وعن هذه المعارك، يقول إبن إياس الحنفى فى كتاب بدائع الزهور فى وقائع الدهور: في يوم الاثنين 21 ربيع الأول سنة 923 هـ الموافق 23 أبريل 1517 م أمر السلطان سليم بأن يعبروا بطومان باي إلى القاهرة، فعبروا به إلى بولاق وشقوا به القاهرة حتى وصلوا إلى باب زويلة، ورأي الحبال فعلم أنه مشنوق فتشهد وقرأ الفاتحة ثلاثًا، وشُنق أمام الناس، وضج الناس عليه بالبكاء والعويل، وبقي مصلوبًا ثلاثة أيام ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري، وبموت طومان باي انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم والخلافة العثمانية بمصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.
الانقلابات والاضطرابات العسكرية
اشتهرت دولة المماليك بكثرة الولاة والسلاطين الذين حكموها وبقصر فترة حكمهم، فخلال عصر الدولة المملوكية، الذي استمرت من عام 1250 وحتي 1517 ميلادية، حكمها نحو 55 سلطانًا انتهى حكم أكثر من 35 منهم بانقلابات، وانتهت حياة أكثر من 20 منهم بين القتل اغتيالًا أو إعداما.
ورغم هذه الحقائق التاريخية، ورغم فترات الظلم الطويلة التى عاشها المصريون تحت حكم المماليك، لمدة قرنين ونصف تقريباً، إلا أن الكثير من الحكام حققوا إنجازات عسكرية مهمة في مقابل الكثير من الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
خلفت دولة المماليك من ورائها كثير من الآثار شاهدة على تقدم فنون البناء والعمارة والزخرفة في عصرهم، وعلى كم البذخ المادى والفساد الذي أطاح بدولتهم في نهاية الأمر.
وتحسب لدولة المماليك العديد من الإنجازات السياسية في التاريخ الإسلامي منها: وقوفهم سدًا منيعًا لصد قوتين من قوى الشر التي حاولت هدم صرح الإسلام، وهما التتار والصليبيون، وكان للمماليك جهاد مستمر ضد هاتين القوتين، وعلى مراحل مختلفة، وظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام في الأرض قرابة ثلاثة قرون، رغم كل الإخفاقات التى وقعت فيها.
ورغم سقوط دولة المماليك، إلا أن الثقافة والتنظيم الاجتماعي المملوكي في جميع المدن المصرية استمر كما هو، حيث استمر توظيف وتعليم جنود المماليك، بينما حاكم مصر كان حاكماً عثمانياً تحميه الميليشيات العثمانية.