أحلام الأرز واللحم
ماذا قال يحيى السنوار عن الجيش المصري قبل استشهاده فى غزة ؟
أثارت فيديوهات احتفاء العائدين إلى ديارهم فى شمال قطاع غزة بعناصر التأمين المصرية، ردود فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وردد نشطاء مصريون وفلسطينيون عبارات الود والترحيب.
صور عناصر الأمن المصرية المكلفين بترتيب أوضاع الفلسطينيين العائدين إلى شمال القطاع وترحيب الفلسطينيين بهم، ودعاباتهم مع الأطفال أعادت للأذهان ما ذكره يحيى السنوار عن جنود الجيش المصري فى كتابه «الشوك والقرنفل».
وتتعدد أوجه يحيى السنوار كأحد قادة حركة حماس ومهندس طوفان الأقصى، ولكن يظل وجه الأديب خافيا على كثير من المتابعين، حيث يكشف في روايته «الشوك والقرنفل»، التي يتحدث فيها بلسان الراوي، عن وجه الأديب الذى يقدم شهادته على العصر من داخل مخيمات الأرض المحتلة.
وحملت رواية «الشوك والقرنفل» التى كتبها يحيى السنوار، في ظروف استثنائية داخل السجون الإسرائيلية، حكايات الطفل ومشاهداته التى تعكس فكره وأفكاراه وقناعاته بالقضية والمقاومة.
عدة مشاهد إنسانية يرويها يحيى السنوار فى روايته تنتصر للحقيقة، من بينها أحد المشاهد الذى يكشف من خلالها اعتزازه بالجيش المصري والجنود المصريين.
تدور الرواية حول عائلة تعيش في مخيمات غزة، في تعالق مباشر مع مجريات القضية الفلسطينية منذ 1967، تاريخ النكسة في الأدبيات السياسية، التي عرفت سيطرة إسرائيل على قطاع غزة حتى انتفاضة عام 2000.
يقول السنوار فى أحد مشاهد «الشوك والقرنفل»: كان الجنود المصريون في ذلك المعسكر يحبوننا كثيرًا، أحدهم تعرَّف علينا وعرفنا بالأسماء، فإذا ما أطللنا نادى علينا: محمد .. أحمد … تعالوا هنا .. فنذهب إليه ونقف إلى جواره.. في انتظار ما سيعطينا كالعادة؛ فيمد يده إلى جيب بنطاله العسكري ويخرج لكلِّ واحد منا قطعة من حلوى الفستقية، يلتقط كل واحد منا قطعته ويبدأ بقضمها بنهم شديد، يُربت ذلك الجندي على أكتافنا ويمسح على رؤوسنا ويأمرنا بالرجوع إلى البيت؛ فنبدأ بجرجرة أرجلنا عائدين في طرقات المخيم.
أحلام الأرز واللحم
ويصف السنوار في روايته الواقع المعيشي الصعب في فلسطين بفقرة تنمّ عن فكاهة مريرة، فيقول: في أحد الأيام كان الجو شديد البرودة وعاصفاً، تبلّل غالبيتنا من مياه المطر في طريق ذهابنا إلى المدرسة. بعد أن تناولنا الحليب، دخلنا فصلنا وجلسنا على مقاعدنا نرتجف. دخل الأستاذ الشيخ علينا، وكأنه أدرك أننا لسنا بحالة تسمح لنا بالدراسة أو القراءة أو الفهم فأراد أن يُضحكنا قائلاً: يا أولاد تخيّلوا أن السماء تمطر الآن أرزاً ولحماً.. حدثت ضوضاء في الصف ونسينا البرد والبلل على ذكر الرز واللحم، وبدأنا نتحدث دون نظام: أنا لن أكل سوى اللحم .. أنا أحب الرز ... أنا ... أنا.
وتابع السنوار : تركنا الشيخ نلهو نلعب ونعيش أحلام الرز واللحم بضعة دقائق، ثم صرخ فينا: اسكتوا.. الله يجعلها تمطر جراداً تعضكم جميعاً مرّة واحدة".
وأردف: أخرجوا كتاب القراءة، افتحوا على الدرس العشرين، اقرأ يا أحمد.. فتحت كتابي الذي كان مبتلاً بالماء، وبدأت القراءة وأنا أرتجف من البرد، وشفاه الشيخ تتمتم: لا حول ولا قوة إلا بالله، لازم تتعلموا حتى تصبحوا (بني آدمين).
يحكي السنوار كل ذلك من خلال عائلته الصغيرة، إذ يقوم جدّه الشيخ المتعب في البداية بدور المعيل للعائلة، ثم تحافظ الأم على تماسك الأولاد، بعد أن أخذ الإسرائيليون أبيه وعمه.
اختفى الوالد، قبل أن تأتي الأخبار عن موته في آخر فصول الرواية الثلاثين، وتوفى الثاني، وأصبحت الأم على رأس عائلة مكوّنة من أولادها وأبناء عمهم، الذين سيشكلون النسيج الروائي المحكي.