عصية على الانكسار رغم الحدود الملتهبة..
خبراء استراتيجيون واقتصاديون يكشفون عن تأثير الحروب والصراعات المجاورة على مصر
تمر مصر بحالة فريدة من نوعها تكشف عن صلاتها وقوة بأسها وأنها جدار العرب المتين العصي على الانكسار، حيث تقف مصر متماسكة في ظل الحرب على غزة ولبنان، واضطرابات مستمرة في ليبيا، وصراع في السودان، وتصعيد مستمر في البحر الأحمر.. فهي أزمات ممتده على حدود مصر في دول الطوق خلقت حدودا ملتهبة وفي نفس الوقت كشفت دور مصر في الوطن العربي.
الحدود الملتهبة لمصر برزت في تصريحات سابقة لـ جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حين قال إن مصر تواجه تحديات صعبة على حدودها من حرب غزة إلى صراع السودان مرورا بازمات ليبيا.
وأكد بوريل ان الاتحاد الأوروبي يسعى لرفع مستوى العلاقات مع مصر بسبب قناعته ان مصر شريك موثق به رغم التوترات في الشرق الأوسط ويجب تقديم الدعم لها سياسيا واقتصاديا.
تأمين الحدود
من جانبه قال الخبير العسكري اللواء سمير فرج في تصريحات خاصة لـ "الصفحة الأولى" أن مصر تمارس دورها في المنطقة بشكل قوي من بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 مع تصاعد الأزمات على حدودها الملتهبة والتي تصاعد بشكل كبير على مدار العشرين عاما الماضية لكن ظلت مصر قوية في المنطقة رغم التأثيرات المباشرة لتلك الصراعات على مصر اقتصاديا لكنها في الوقت ذاته استطاعت الحفاظ على حدودها أمنيا وعسكريا.
وأشار فرج إلى أن تصاعد الأزمات في دول الجوار جاء لغياب الجيوش القوية التي تحفظ أمن تلك البلاد في حفظ حدودها وتأمينها داخليا ومواجهة فتن الإرهاب الممتدة دوليا.
وأوضح أن الوضع الملتهب في المنطقة اخذ شكلا تصاعديا على عدة جبهات في سوريا والعراق وليبيا والسودان وصولا إلى حرب غزة ولبنان الآن، فضلا عن التوترات في البحر الأحمر، مؤكدا أن مصر استطاعت تأمين حدودها أمنيا وحماية ملاحتها البحرية والحفاظ على مصالحها الاقتصادية رغم تأثرها سلبيا.
وكشف الخبير العسكري المصري أن القوات المسلحة المصرية نجحت في تأمين أهدافها الاقتصادية عالية القيمة خارج الحدود، كما نجحت في تأمين المياه الاقتصادية وخطوط الملاحة البحرية، مشددا على أن حرب غزة لو لم تنته خلال وقت قريب فسيؤدي ذلك لتمدد الصراع وتوسعه في المنطقة بأكملها ليصبح خارج السيطرة.
تأثير سلبي بسبب الحدود الملتهبة
تأثير حدود مصر الملتهبة كان لها بالغ التأثير على الاقتصاد المصري، فالحروب والصراعات المندلعة على أطراف مصر الأربعة أثرت بشكل سلبي على اقتصادها وحركات التجارة العالمية المارة من مصر والتي تستفيد من خلالها البلاد.
وهو ما يؤكده الدكتور أحمد خزيم الخبير الاقتصادي، حيث يرى أنه رغم تماسك مصر سياسيا وعسكريا خلال الفترات السابقة والحالية إلا أن الاقتصاد المصري تأثر بسبب عدة عوامل أبرزها على سبيل المثال العمالة المصرية في ليبيا التي كانت تساهم في تدفق النقد الأجنبي للبلاد خاصة بعد عودة مئات الآلاف من المصريين في ليبيا، فضلا عن توقف التبادل التجاري مع ليبيا حيث كانت سوقا كبيرة للمنتجات المصرية.
وأشار في تصريحات خاصة لـ "فكر "الصفحة الأولى" إلى أن اندلاع الصراع في السودان كان له تأثير بالغ على الاقتصاد المصري، فضلا عن عمليات النزوح الجماعية السودانين مما زاد من أعباء الدولة الاستيعاب مئات الآلاف الفارين من جحيم الحرب، مؤكدا أن السودان كانت من أكبر الأسواق استيعابا للعمالة والمنتجات المصرية وان الحرب أثرت في حجم الصادرات و الواردات.
وأضاف الخبير الاقتصادي ان حرب غزة كان مالها من تأثير بالغ على اقتصاد مصر فاشتعال الحرب على حدود مصر أثر على حركة السياحة في سيناء، بالإضافة إلى توقف حقول النفط في البحر المتوسط، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والبترول، وأدى لتراجع صادرات مصر من الغاز وترتب عليه انخفاض كبير في العملة الصعبة التي كانت تتدفق على البلاد، وارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل عام.
وقال إن الضربات ضد الحوثيين أثرت على مصر كثيرا حيث هددت الملاحة البحرية وحركة عبور السفن في قناة السويس، وانخفاض إيرادات القناة وهي إحدى روافد الناتج المحلي، مما ادة لزيادة كبيرة في أسعار السلع على مستوى العالم كله وليس مصر فقط.
الدبلوماسية الخشنة
من جانبه يرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب ان الدور المصري في المنطقة دور محوري لا يمكن اغفاله، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
وقال في تصريح خاص لـ "الصفحة الاولى" : مصر منذ بداية الحرب على غزة ومن قبل ذلك أبلغت الإسرائيليين والأمريكان خلال قمة العقبة ان ما يقوم به اليمين المتطرف سيدفع باتجاه تصعيد الأزمة، ومنذ الايام الأولى للحرب كان هناك رواية سردية قدمتها مصر للعالم بأن ما يجري في غزة هو حرب إبادة جماعية ويجب على الاحتلال أن يوقف هذة الحرب وفتح آفاق سياسية تفضي إلى اتفاقات سلام على اساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، وعقدت منذ الايام الأولى للحرب مؤتمر دولي للسلام لنقل هذة الرواية السردية بحضور جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.
وأضاف الرقب، مصرا لعبت دورا هاما في تغيير موقف العالم تجاه القضية الفلسطينية، وهي أول من ارسلت المساعدات الإنسانية العاجلة لقطاع غزة، مشيرا إلى أن مصر استخدمت لأول مرة الدبلوماسية الخشنة عندما منعت خروج الرعاية الأجانب والـمريكان من قطاع غزة إلا بدخول المساعدات إلى القطاع، وحسب تقارير الهلال الأحمر الفلسطيني ان 70 ٪ من المساعدات الإنسانية التي مرت إلى قطاع غزة كانت مصرية.