و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

الكنيسة احتفظت بجثمانة

محمد فريد .. قصة زعيم وطنى شيعته الجماهير فى أربع جنازات شعبية

موقع الصفحة الأولى

الإسم: الزعيم الوطنى محمد فريد
تاريخ الميلاد: 20 يناير 1868
المؤهل: ليسانس الحقوق
المهنة: محامي

أسلم الزعيم محمد فريد الروح مساء السبت 15 نوفمبر 1919، بعد حياة حافلة بالنضال قاد فيها الحركة الوطنية منذ وفاة الزعيم مصطفى كامل عام 1908، لكنه لم يتمكن من تحقيق حلمه باستقلال بلاده.
كان حلم استقلال مصر عن الاحتلال البريطاني، حلم كل مصرى، لكن الزعيم محمد فريد حمل فى صدر حلم أخير عندما شعر بالموت يقترب منه فى بلاد الغربة، كان يتمنى أن يدفن جثمانه فى تراب مصر. 
يقول الأديب عبد الرحمن الرافعي في كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية»: عندما أيقن محمد فريد أنه سيفارق الحياة، دون أن يرى استقلال بلاده، استسلم للموت، وجمع إخوانه الموجودين حوله، وأوصاهم بالاتحاد، وأن يبثوا بين أبناء الوطن هذه الروح السامية التي تحفظ كيانهم، وتقرب استقلالهم.
وقال في النهاية: أنا وأولادي وكل عزيز لديَّ فداء مصر، لقد قضيت بعيداً عن مصر سبع سنوات، فإذا مت فضعوني في صندوق، واحفظوني في مكان أمين، حتى تتاح الفرصة لنقل جثتي إلى وطني العزيز الذي أفارقه، وكنت أود أن أراه.

الجنازة الأولى في الكنيسة

دخل الزعيم محمد فريد في غيبوبة، وأسلم الروح في منتصف الساعة الحادية عشرة من مساء السبت 15 نوفمبر 1919، بعد حياة حافلة بالنضال قاد فيها الحزب الوطني بعد وفاة زعيمه ومؤسسه مصطفى كامل عام 1908، ثم سافر إلى أوروبا سنة 1911 بعد تأديته عقوبة السجن في قضية كتابته مقدمة ديوان شعر «وطنيتي» للشاعرعلي الغاياتي.
ظل محمد فريد في غربته يكابده الشوق للعودة إلى بلاده، لكن أمنيته لم تتحقق، ورغم ذلك لم يهداً يوماً واحداً من النضال بالكلمة والكتابة في كل مكان من أجل المطالبة باستقلال مصر، وأنفق في ذلك كل ما يملك من ثروة، كما لم يقعده مرض الكبد الذي أصابه وهو في سن الشباب.
ويضيف عبد الرحمن الرافعي: لما هاجر الزعيم محمد فريد من مصر إلى أوروبا تأثرت حالته الصحية بسبب الغربة وتنقله في البلاد الأوروبية، وإجهاد نفسه في العمل المتواصل من الكتابة في الصحف والمجلات، والخطابة في المحافل والمؤتمرات، ومقابلاته للمصريين والشرقيين والأوربيين، ومراسلاتهم لهم ولأصدقائه وتلاميذه في مصر، ورحلاته المستمرة لرفع صوت مصر والتعبير عن قضيتها العادلة، والإعراب عن مطالبها وآمالها، فأثرت فيه هذه الجهود المضنية، وزاد في تأثيرها جو أوروبا البارد الذي لم يألفه في الشتاء، فكانت سنوات المنفى سبباً لاعتلال صحته.

مات الزعيم محمد فريد في برلين، ونقلت الصحف الألمانية في اليوم التالي خبر وفاته، وقرر المصريون تشييع جنازته ببرلين بما يليق بمنزلته، وتم وضع جثمانه في تابوت من حديد لكي يمكن نقله إلى مصر عند سنوح الفرصة عملاً بتوصيته.
ويذكر المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى في كتاب يحمل عنوان «بطل الكفاح الشهيد محمد فريد»، أن الزعيم الراحل عندما توفي في ألمانيا، كانت عودة جثمانه إلى مصر أمرا يبدو مستحيلاً، بسبب أزمة ذويه المادية، حيث تم تشييع جنازته هناك من قبل عدد المصريين والعرب، وبقى التابوت الذى حمل جثمانه وديعة لدى كنيسة ألمانيا.

الجنازة الثانية للزعيم

اعتبر كثيرون أنه لا يليق أن يظل رفات زعيم وطنى ضحى من أجل الوطن بماله وروحه وديعة في كنيسة في ألمانيا، لذا تم تكوين وفد مصري من اثني عشر طالباً من تلامذة الزعيم محمد فريد ، ليتولوا مهام نقل الرفات، لكن القدر لم يمهلهم إتمام مهمتهم، بعدما لحقوا بمعلمهم إلى الرفيق الأعلى، حيث توفوا أثر حادث قطار كان يقلهم على الحدود الإيطالية النمساوية في طريقهم إلى ألمانيا.
لكن شخص آخر قرر أن يقوم بهذه المهمة التي لم تكتمل، هو تاجر القماش الحاج خليل عفيفي، الذى أخذ ترخيصاً من الحكومة المصرية لنقل الرفات، وأبحر من الإسكندرية يوم الجمعة 5 مارس قاصداً برلين، عن طريق فرنسا، ولم يكد يصل إلى باريس حتى علم بنشوب بعض الاضطرابات السياسية في إحدى المقاطعات الألمانية، فأقام في فرنسا حتى استقرت الأوضاع، ثم سافر إلى باريس يوم 28 أبريل.
فى ألمانيا واجه الرجل صعوبة أخرى، وهى صدور قانون يمنع نقل رفات المتوفين في الأراضي الألمانية إلى أي بلد آخر، فسعى لدى الحكومة الألمانية، وساعده في مسعاه الدكتور عبد العزيز عمران وإسماعيل بك لبيب، وكذلك عاونه محمد أفندى سليمان التاجر المقيم هناك، والبارون أوبنهايم.
فى ظل هذه الأثناء توفى جندي فرنسي في ألمانيا، فتقدمت الحكومة هناك باستثناء لنقل جثمانه للدفن في بلده، فوافقت الحكومة الألمانية، وهو ما استند إليه الحاج خليل عفيفي من أجل عودة رفات الزعيم الراحل، وهو ما تم وأخذ ترخيصا بذلك، وتم تشييع جثمان الزعيم محمد فريد من محطة برلين فى يوم الجمعة 21 مايو 1920، ثم أقلته الباخرة حلوان التي أبحرت يوم 3 يونيو قاصدة الإسكندرية.

جنازتان فى مصر 

وصل جثمان الزعيم محمد فريد فى  8 يونيو 1920، إلى الأسكندرية ، وعندما علم أهالى الثغر بوصول الجثمان تجمعوا لتابينه ووداعه فى جنازة شعبية مهيبة أثناء نقله للقاهرة.
وفى القاهرة تشكلت لجنة برعاية الأمير عمر طوسون وأحمد يحيى باشا، وتم تشييع الرفات فى جنازة شعبية مهيبة، وتقدمت الحكومة المصرية بشكر خاص ومنح الحاج خليل عفيفى وساماً تكريماً على موقفه الوطني الكبير.
وخرج طلبة المدارس فى وداع الزعيم الوطنى الذى أنفق كل ما لديه من أجل الوطن.

فقد أنفق  الزعيم الراحل محمد فريد  حياته في سبيل القضية المصرية، فهو أول من عرفت البلاد على يديه المظاهرات الشعبية المنظمة، وأول من وضع صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، والتي طبع منها عشرات الآلاف من النسخ ودعا الشعب للموافقة والتوقيع لإرسالها وتقديمها إلى الخديوي.
ووضع محمد فريد أساس حركة النقابات في مصر؛ فأنشأ أول نقابة للعمال عام 1909، ودعا إلى وضع تشريع للعمال يراعي مصالحهم، ويرفع عنهم البؤس والجهل والإرهاق، وأسس أول اتحاد تجارى في عام 1909.

تم نسخ الرابط