كثيرٌ من الناس لا يرى معنى للجنسية، سوى أنها مجرد كلمة تدرج داخل بطاقة الرقم القومي أو بجواز السفر، فالقليل فقط، هم من يدركوا إلى ماذا تشير كلمة جنسية؟، فالجنسية باختصار هي علاقة دائمة تربط بين المواطن وبلاده، وينظمها القانون بنصوص تكفل لكل منهما الحقوق والواجبات تجاه الآخر، فبالنسبة لأهم حقوق الدولة على من يحملون جنسيتها حق الولاء والانتماء لها أرضًا، شعبًا، نظامًا سياسيًا، مع الدفاع عنها والتضحية من أجلها حال تعرضها للخطر، مع احترام قوانينها، والالتزام بدفع واجباتها المالية مثل الضرائب.
وفي المقابل نجد أن من أهم حقوق المواطنين على بلادهم، هو حق الإقامة دون تهجير، مع تمتعه بكافة المزايا والحقوق التي تقررها القوانين والتي تضمن لهم الإحساس بالأمن والأمان، وحقهم في المشارکة السياسية، بجانب ضمان حقوق أساسية أخرى مثل الحق في العمل والسکن والتعليم، والطعام الجيد والرعاية الصحية وغيرها، والتي تندرج ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه الحقوق، رغم أنها أصيلة ومتاحة لكل من هو حامل للجنسية المصرية، ولكننا نجد أن هناك أطفال اكتسبت الجنسية المصرية كمصطلح رسمي لكنه يفرغ مضمونه من الهوية الوطنية "وهم أطفال دور الرعايا".
ملف شائك
هذا الملف الشائك والذي لا يقترب منه كثيرون، لما فيه من عرض لمعاناة وألم، تقف أمامه مؤسسات الدولة في تحدٍ كبير لحتمية التصرف والعمل لحل أزمة إدماجهم وخلق مستقبل أفضل لهم، في الوقت الذي يعانون فيه من التهميش والحرمان من أبسط حقوق لهم منذ الطفولة، وإن كانت الاشتراك برسوم رحلة مدرسية، واليوم ومع ارتفاع معدلات الطلاق وتضخم الأزمات الأقتصادية تتضاعف أعداد هؤلاء الأطفال، رغم أنهم يشكلون نسبة تتراوح ما بين 3%إلي 3.5 % من تعداد سكان مصر، مع ضرورة الاعتراف بحقيقه صادمة وهي أن النسبة الغالبة من هؤلاء الأطفال ليسوا أيتام الأب والأم بل هم بالحقيقة لقطاء، ضحية لحظة غير مسئولة بين شاب وفتاة، نتج عنها طفل أو طفلة كتبت عليهم حياة التشرد والمعاناة ودفع ثمن إثم بلا أي ذنب منهم.
وتتجسد الأزمة حين بلوغهم سن 18 عاما، لحظة مغادرة أطفال دور الرعاية، فقليل منهم من يحالفه الحظ ويلتحق بدور الرعايا اللاحقة والبائس فيهم من يتقرر إنهاء إقامته بالدار، دون أن يلتحق بالرعاية اللاحقة في مقابل استلامه غير محدد مبلغ مالي متروك لسلطة وتقدير دار الرعاية بناء على مواردها المالية ،ففي النهاية هو طفل عثر عليه بجوار صندوق قمامة بعدها بمحضر داخل مركز شرطة، ليبدأ رحلة قاسية أولها مركز صحي تابع لوزارة الصحة، صحيح أنه الوحيد المنوط باستخراج شهادة ميلاد له مذكور فيها اسم أب إلا أنه أب وهمي، ليعاني بعدها من حقيقة كونه ساقط " قيد اجتماعي" بلا أب أو أم أو أسرة ولا حق اجتماعي، وبلحظة بلوغه سن الـ 18 عاما، لا يجد بيده سوى شهادة ميلاد مدون بها الجنسية: مصري، لكن من دون هوية حقيقية في ظل حرمانه من حقوق تعليمية أو رعاية صحية، ناهيك عن عدم قدرته على المطالبة ببطاقة تموينية، إضافة إلى أنه لا مأوى له أو تأهيل أو حرفة.
وعلى غرار ذوي الهمم، لم يعط له الحق بنسبة بالتعيين الحكومي، لتكون النتيجه الطبيعية، عدم الترحاب به من أي أسرة يفكر بالارتباط والزواج بإبنه لهم والعكس، الأمر الذي يدعونا للتساؤل: هل ونحن بصدد طفرة غير مسبوقة بملف بناء الإنسان من خلال الاستثمار بالعنصر البشري بكافة مراحله وأنواعه .. هل سيأتي اليوم الذي نرى من يمثلهم داخل قبة البرلمان يتحدث عنهم ويناقش قضاياهم ويكون لسان حال لهم؟، هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه الأحزاب وهي تعمل على احتوائهم وتأهيل شباب سياسي منهم؟، هل سيأتي اليوم ونجد لهم كوادر شبابية داخل الكيانات الشبابية السياسية؟
سقطوا سهوا
صحيح أنهم فئه بشرية سقطت سهواً من حسابات المجتمع، إلا أننا نتمنى إعادة النظر إليهم بصفتهم شريحة اجتماعية حان الوقت لرحمتهم من تشرد ما بعد سن الـ 18 الرفق بهم بما عانوه من قسوة وإهمال وتنمر ورفض مجتمعي لهم، وذلك من خلال الاعتراف بهم كسائر المواطنين المصريين، لهم الحق في التأمين الصحي الشامل، والحق في تخصيص إسكان اجتماعي لهم، وإعادة فتح البطاقات التموينية وإدراجهم فيها وحصولهم عليها كاملة، ومنحهم إمكانية التعيين داخل مؤسسات الدولة، مع بحث سبل كيفية مشاركتهم السياسية داخل الأحزاب وجلسات الحوار الوطني على غرار ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا أحد ينظر إلى طفل دور الرعاية على انه سليمٌ معافي شكلاً، لأنه في الحقيقة معاق اجتماعياً ونفسياً، لا فرق بينه وبين طفل ذوي الهمم فكلاهما ذوي همم في الاجتماع على الألم ليس له سبب فيه، وإن كان الفارق يكمن بينهما في أن الثاني يعاني من إعاقة ظاهرة، والآخر يعاني من إعاقة صامتة بصمت دون بوح أو شكوى، والمفاجأة هي أنه ورغم قسوة ما يعانوه، إلا أننا لو بحثنا سنجد فيهم من هو مشرف ويحتذي به كالدكتور عبدالله المعيد بكلية التربية والباحث بالدكتوراه الآن، فليس مستحيلا أن نرى منهم أمثلة تدعوا للفخر ولن يتحصل لنا ذلك أيضاً إلا في حالة أن يتم احتواؤهم ليشعروا أن هذه البلاد هي بلاد لهم فيها كامل الحق كسائر المواطنين وليسوا فقط مجرد رعية داخل إقليم.