يعيش بلا تأمين صحي أو اجتماعي
الزراعة.. مهنة «المغضوب عليهم» والمتحدث باسم الفلاح لا يعرف الفأس والمنجل
تعددت في السنوات الاخيرة الكيانات الناطقة باسم الفلاح المصري، وأصبح هناك عشرات الكيانات التى تحمل اسم نقابة الفلاحين، وعشرات الأسماء التى تنتحل ألقابا كنقيب الفلاحين ورئيس المزارعين في طول البلاد وعرضها.
تتعدد الأسماء والكيانات باسم الفلاحين لكنها لا تعدوا كونها دكاكين تردد شعارات سياسية بعيدا عن هموم المزارعين الحقيقية التى يعرفها القاصي والداني في كافة قري مصر ونجوعها.
قضية تعدد الناطقين باسم الفلاح لخصها الدكتور نادر نور الدين الاستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة، قائلا: أنظروا إلي كف يد من يتحدث باسم الفلاحين وساعة يده الغالية، ستعرفون جيدا إذا كانت هذه اليد وذلك الكف يعرف الفأس والشرشرة والمنقرة والمنجل، أم أنها يد لا تمسك سوي القلم الجاف؟
ويضيف الدكتور نادر نور الدين أن أحد هؤلاء المتحدثين باسم الفلاح ويطلقون علي أنفسهم "نقيب الفلاحين"، قال في برنامج تليفزيوني بمناسبة عيد الفلاح ان مصر ستكون سلة غذاء العالم وتطعم العالم كله، لأنه لا يعرف أننا نستورد 65 ٪ من غذائنا بتكلفة 15 مليار دولار في العام الواحد.
مهنة المغضوب عليهم
وتعاني الزراعة المصرية معوقات متعددة أهمها؛ إرتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من بذور وتقاوي وأسمدة ومبيدات حشرية، فضلا عن الافتقار للبنية التحتية اللازمة للتحول نحو الزراعات الحديثة من ري بالرش وداخل صوب وبيوت زجاجية، لتجنب آثار المناخ ورفع معدلات الإنتاج وتحقيق عائد اقتصادي جيد.
ويأتي ضعف دور التعاونيات سببا مباشرا ورئيسيا في تراكم هذه المشكلات وتراجع الإنتاج الزراعي، ما جعل إعادة هيكلة الجمعيات الزراعية فنيا وإداريا وتعديل قانون التعاونيات على رأس توصيات المؤتمر العلمي السنوي التاسع والعشرين للجمعية المصرية للاقتصاد الزراعي، بحسب تصريحات للدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة السابق وأستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة..
وأرجع الدكتور سعد نصار أزمة نقص وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وتخبط التسويق بالأراضي القديمة البالغة 6.1 مليون فدان إلى ضعف التعاونيات في توجيه وتنظيم زراعة المحاصيل في أحواض تضم آلاف الأفدنة بأنواع موحدة.
تخلت الدولة عن دورها في دعم ومساندة الفلاح المصري تدريجيا وتركته فريسة للسوق السوادء في تدبير مستلزمات الإنتاج من أسمدة وتقاوي ومبيدات أغلبها مغشوشة ولا تخضع للرقابة من الوزارة.
وتراجعت دور الجمعيات الزراعية، التى يديرها حاليا عدد محدود جدا من الموظفين الإداريين بعد تقلص أعداد الفنيين والمرشدين والمهندسين الزراعيين نتيجة وقف التعيين بالحكومة.
كل هذه الأسباب وغيرها من المشاكل والمعوقات جعلت من الزراعة مهنة "المغضوب عليهم" وجعلت الفلاح من "الضالين".
غياب التأمين الصحي
وعن حقوق الفلاح الاجتماعية، يقول الدكتور شريف فياض استاذ الاقتصاد الزراعى، أنه عند النظر إلى الفلاح المصرى لابد من النظر إليه من ناحية أنه مواطن مصري له كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى لدى كل المواطنين في الدولة المصرية.
ولكن وللأسف الشديد لم يكن هناك أي اهتمام بقاطنى الريف المصرى وعلى الأخص الفلاح المصرى حيث لم يكن هناك اى اهتمام بالبنية الأساسية من صرف صحى او بناء وحدات سكنية او تطوير العشوائيات التي انتشرت في بعض مراكز المحافظات الريفية إلى جانب المحافظات الحضرية، ولم يكن هناك نظام صحى او تطوير للوحدات الصحية المنتشرة في الريف المصرى وكذلك عملية تعليمية حقيقية في الريف المصرى.
ويضيف أنه إذا ما أراد مزارع من القاطنين في الريف المصرى العلاج فعليه ان يذهب إلى عواصم المحافظات ذو الطابع الحضرى او إلى المحافظات الحضرية مثل القاهرة او الإسكندرية للعلاج او التعلم، هذا بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالخدمات الاجتماعية الاخرى مثل التأمين الصحي أو الإجتماعى على الفلاحين الفقراء وبالأخص على عمال الزراعة الذين يقومون بتأجير قوة عملهم إلى الغير.
ويضيف استاذ الاقتصاد الزراعي، أنه مع غياب التنظيمات الفلاحية، تم وضع الفلاح البسيط تحت رحمة التجار وبالتالي لم يكن هناك أي شكل من اشكال التنظيمات الفلاحية او التعاونية التي تدافع عن حقوق الفلاح المصرى سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
قانون الإصلاح الزراعي
في التاسع من سبتمبر من عام 1952، صدر قانون الإصلاح الزراعي، وبات هذا اليوم من كل عام عيدًا للفلاح، حيث عانى الفلاح المصري أيام الملكية من سوء توزيع الأراضي الزراعية.
قبل هذا التاريخ، كان معظم الفلاحين يعملون كمستأجرين لدى ملاك الأراضي، فجاءت ثورة 23 يوليو لتنصف الفلاح المصري، عندما أعلنت القضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.
صدر قانون الإصلاح الزراعي، الذى نص على تحديد الملكية الزراعية من 200 فدان إلى 50 فدانا للملاك القدامى، على أن يجرى توزيع باقي المساحة على الفلاحين الأجراء العاملين بنفس الأرض، ونشأت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى استلام الأرض وتوزيعها.
وكانت أولي عقود الملكية يدا بيد من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، للمزارعين بواقع 5 أفدنة لكل فلاح، وأحدث هذا القانون تغييرا اجتماعيا جذريا في مصر، بعدما حول الفلاحين من أجراء إلى ملاك، وساهم في زيادة المساحات الزراعية.
زعيم الفلاحين المصريين
كان وعي جمال عبد الناصر بالتاريخ عميقا، مما جعله يختار يوم 9 سبتمبر بالذات لكى يجعله عيداً للفلاح عبر إصدار قانون الإصلاح الزراعى الأول فى 9 سبتمبر 1952.
ففى نفس اليوم 9 سبتمبر 1881 اندلعت الثورة العرابية بوقوف الزعيم الوطنى أحمد عرابى ومعه قوات الجيش المصرى فى مواجهة الخديوى توفيق وقناصل الدول الأجنبية فى ساحة قصر عابدين.
وفى أدبيات الأسرة العلوية ورجال القصر، كان لقب أحمد عرابى هو زعيم الفلاحين المصريين .
وبعد أكثر من 7 عقود من فشل الثورة العرابية، استطاع جمال عبد الناصر طرد الإنجليز من مصر، ومنح الفلاحين جزءا من حقوقهم المسلوبة.
كان يوم عيد الفلاح تعبيرا عن مقولة خالدة للزعيم جمال عبد الناصر: الأرض لمن يعملون فيها، لقد قضينا على الإقطاع وقضينا على الإقطاعيين وقضينا على الاستغلال.