بقلم : طارق رضوان- رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب
انتخابات برلمان الإتحاد الأوروبي والتوجهات الإقليمية والدولية والعلاقة مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا
شهدت انتخابات الاتحاد الأوروبي التي أجريت مؤاخراً ارتفاعًا ملحوظًا في دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية في مختلف الدول الأعضاء. أثار هذا الارتفاع في شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة مخاوف بشأن الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي وتأثيره على القضايا الرئيسية مثل الهجرة والتجارة وحماية القيم الديمقراطية. في هذا المقال، سنستكشف السياق التاريخي لصعود هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة، ونحلل الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في نجاحها، ونناقش التداعيات المحتملة على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
كان صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بمثابة عملية تدريجية يمكن إرجاعها إلى عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة، وكانت أزمة اللاجئين المستمرة إحدى المحفزات الرئيسية لهذا الاتجاه، والتي أثارت المخاوف والقلق بين العديد من الأوروبيين بشأن التأثير الثقافي والاقتصادي للهجرة، وأدى تدفق اللاجئين من البلدان التي تمزقها الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى زيادة الدعم للأحزاب المناهضة للهجرة التي وعدت بالحد من الهجرة وحماية الهويات الوطنية.
فشل الأحزاب في معالجة مخاوف المواطنين
هناك عامل آخر يساهم في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وهو الفشل الملحوظ للأحزاب أو التيارات السياسية الرئيسية في معالجة مخاوف المواطنين العاديين. ويشعر العديد من الناخبين بخيبة أمل إزاء النخب السياسية التقليدية وينظرون إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة باعتبارها بديلاً قابلاً للتطبيق من شأنه أن يزعزع الوضع الراهن. وكثيراً ما تستفيد هذه الأحزاب من الخطاب الشعبوي والمشاعر القومية لجذب الناخبين الذين يشعرون بالتهميش أو التجاهل من قبل المؤسسة السياسية.
وأثار صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مخاوف بشأن التداعيات المحتملة على قضايا رئيسية مثل الهجرة والتجارة والديمقراطية. إحدى القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه الاتحاد الأوروبي هي كيفية إدارة أزمة اللاجئين وتلبية احتياجات السكان الضعفاء الذين يبحثون عن اللجوء في أوروبا. غالبًا ما تعمل الأحزاب اليمينية المتطرفة على الترويج لسياسات معادية للأجانب والانعزالية التي تهدد القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، مثل التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء.
ومن القضايا الرئيسية الأخرى التي قد تتأثر بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة هي السياسة التجارية والاقتصادية. وكثيراً ما تدعو هذه الأحزاب إلى اتخاذ تدابير حمائية تقيد التجارة الحرة وتعزز السياسات الاقتصادية القومية. وقد يؤدي هذا إلى زيادة التوترات داخل الاتحاد الأوروبي وتوتر العلاقات مع الشركاء الدوليين الآخرين، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم اليقين.
وعلي صعيد آخر ، إن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في إنتخابات الإتحاد الأوروبي له انعكاسات كبيرة على الاتجاه المستقبلي لأوروبا والقضايا الرئيسية التي تشكل حكمها، ورغم أن نجاح هذه الأحزاب يعكس استياء متزايداً من السياسات التقليدية ورغبة في التغيير، فإنه يفرض أيضاً تحديات على القيم والمبادئ الأساسية لمشروع الاتحاد الأوروبي. ومن الأهمية بمكان أن يعالج القادة وصناع السياسات الأوروبيون الأسباب الجذرية لهذا الاتجاه وأن يعملوا على إيجاد حلول شاملة ومستدامة تدعم المثل الديمقراطية وتعزز التعاون بين الدول الأعضاء. ولن يتسنى للاتحاد الأوروبي التغلب على التحديات التي يفرضها صعود التطرف اليميني وبناء أوروبا أقوى وأكثر اتحادا في المستقبل إلا من خلال العمل الجماعي والاحترام المتبادل.
ولصعود الحركات اليمينية في انتخابات الاتحاد الأوروبي تأثير كبير على العلاقات مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا. ولم يمر هذا الاتجاه مرور الكرام، حيث أثار جدلا ومناقشات حول العواقب المحتملة على الدبلوماسية والتعاون الدوليين.
وبالإضافة إلى ذلك، أثار صعود الحركات اليمينية في الاتحاد الأوروبي المخاوف بشأن مستقبل الاتفاقيات والتحالفات المتعددة الأطراف، غالبًا ما تدعو الأحزاب ذات الأجندات القومية إلى اتباع نهج أكثر انعزالية في السياسة الخارجية، مع إعطاء الأولوية للعلاقات الثنائية على التعاون المتعدد الأطراف. وهذا من شأنه أن يضعف نفوذ الاتحاد الأوروبي في الشؤون العالمية ويؤدي إلى تفتيت الجهود الجماعية الرامية إلى التصدي للتحديات المشتركة.
ومع استمرار نمو زخم الحركات اليمينية في الاتحاد الأوروبي، فمن المهم النظر في التطورات المستقبلية المحتملة في العلاقات مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا. وتتمثل إحدى النتائج المحتملة في زيادة الاستقطاب والانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تدفع الأحزاب اليمينية نحو سياسات تعطي الأولوية للمصالح الوطنية على العمل الجماعي. وقد يؤدي هذا إلى توترات مع دول في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يصبح التعاون في قضايا مثل الهجرة والأمن والتنمية أكثر صعوبة.
وهناك تطور محتمل آخر يتمثل في التحول نحو نهج أكثر تعاملاً مع المعاملات في السياسة الخارجية، حيث تعطي الأحزاب اليمينية الأولوية للعلاقات الثنائية والاتفاقيات التجارية التي تخدم مصالحها المحلية. وقد يؤدي هذا إلى إضعاف دور الاتحاد الأوروبي باعتباره لاعباً عالمياً وتقليص نفوذه في صياغة القواعد والمعايير الدولية. قد تسعى دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى تعزيز العلاقات مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل فردي بدلاً من التعامل مع الاتحاد ككل، مما يزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية.
كان لصعود الحركات اليمينية في انتخابات الاتحاد الأوروبي تأثير عميق على العلاقات مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد أدى الخطاب الشعبوي والأجندات القومية التي تروج لها هذه الأحزاب إلى توتر العلاقات الدبلوماسية، وأثارت المخاوف بشأن مستقبل التعاون المتعدد الأطراف، وهددت استقرار التحالفات الدولية. ومن الضروري أن يدرس صناع السياسات بعناية الآثار المترتبة على هذه الاتجاهات وأن يعملوا على تعزيز العلاقات الشاملة والتعاونية التي تعطي الأولوية للمصالح المتبادلة والقيم المشتركة. ولن نتمكن من معالجة التحديات المعقدة التي تواجه عالمنا المترابط إلا من خلال الحوار والتعاون واحترام التنوع.
وفي الختام ، ان تاثير تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في البرلمان الاوروبي علي التوازن القائم داخل البرلمان لا يزال محدودا ، حيث يستمر النفوذ الاكبر للتبارات الوسطية ممثلا في يمين الوسط EPP ويسار الوسط S&D وذلك علي العكس من التاثير الراديكالي الذي حدث في دول مثل فرنسا والمانيا حيث حقق اليمين المتطرف نتائج غير مسبوقة.
من ناحية اخري، لا يتعين اغفال ان اليمين المتطرف يتخذ مواقف سلبية للغاية من تيار الاسلام السياسي وعلي راسه جماعة للاخوان الارهابي ، كما انه يعطي الاولوية للاستقرار ولمكافحة الهجرة غير الشرعية والارهاب علي حساب الاهتمام بقضايا نشر الديمقراطية وحقوق الانسان.