رؤساء الجامعات هم العمود الفقري لأي تطوير أكاديمي وإداري، وهم المسؤولون عن قيادة المؤسسات التعليمية نحو التميز والنمو المستدام، يتطلب ذلك منهم رؤية استراتيجية ورغبة حقيقية في تحسين مستوى التعليم والبحث العلمي، مما يساهم في رفع تصنيف الجامعة على المستويات الدولية، من خلال تطوير البرامج الأكاديمية، تعزيز البحث العلمي، وتقديم بيئة تعليمية حديثة، يمكن لرؤساء الجامعات تحسين وضع الجامعة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، الجامعات القوية تستقطب الطلاب والباحثين الدوليين، مما يعزز من مكانة الدولة على الصعيد العالمي ويزيد من فرص جذب الوافدين، وبالتالي دعم النمو الاقتصادي من خلال التعليم والبحث والابتكار.
وفي عالم التعليم العالي، رئيس الجامعة يُفترض أن يكون هو الشخصية التي تمتلك من القوة والرؤية ما يكفي لقيادة المؤسسة الأكاديمية نحو التفوق والابتكار، إلا أن البعض يرى أن هناك نوعاً من رؤساء الجامعات الذين لا يزيدون في واقع الأمر عن "مرهم" يهدف إلى التهدئة وطمأنة الجميع، دون أن يملك الشجاعة الحقيقية للتعامل مع التحديات، هؤلاء الذين لا يقدمون حلولاً جذرية للمشاكل، بل يتنقلون من مشكلة إلى أخرى، وهم يظنون أن مجرد "التهدئة" هو ما يحتاجه الجميع، فهم يسيرون في دربٍ موهومٍ من الراحة، بينما يظل المرض الحقيقي ينخر في جسد الجامعة دون علاج ، عندما يُطلق مصطلح "رئيس الجامعة بدرجة مرهم" بين الطلاب والاستاذة، لا يكون ذلك مدحاً بقدر ما هو انتقاد لافتقار هذا العمل الإداري الأكاديمي إلى الجرأة والإرادة الحقيقية في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، فرئيس الجامعة الذي يعتقد أن مهمته تتلخص في تهدئة الأجواء وتخفيف الصراعات من خلال حلول سطحية، هو بذلك لا يدرك أن قيادة الجامعة بحاجة إلى أكثر من مجرد "مرهم" للتعامل مع التحديات المعقدة التي يواجهها القطاع الأكاديمي.
الوعود بدون تنفيذ حقيقى
أحد أبرز سمات هذا النوع هو ميلهم للهروب من المسؤولية تحت شعار "التهدئة"، بدلاً من مواجهة مشكلات الجامعة الحقيقية، سواء كانت أكاديمية، إدارية أو مالية، يقوم هذا بتوزيع كلمات الطمأنينة والوعود التي لا تترجم إلى أفعال، كلما ظهرت أزمة، نجده يلجأ إلى حل مؤقت، مثل تنظيم ورش عمل تركز على "التوازن النفسي" أو "تعزيز الروح المعنوية" بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل تتعدد الأمثلة على هذا النوع من القيادات، نجد العديد من الجامعات التي تعاني من مشاكل أكاديمية خطيرة منها مستوى التعليم أو جودة البحث العلمي، في الوقت الذي لا يقدم فيه إلا حلولاً سطحية، كالحديث عن "إعادة تقييم البرامج" أو "تحفيز الأساتذة"، بينما تُترك المشاكل الحقيقية بدون حلول، الأمر أشبه بمحاولة علاج مرض مزمن باستخدام مسكنات الألم دون إجراء الفحوصات الضرورية.
إن القيادة الأكاديمية الحقيقية تتطلب أن يكون رئيس الجامعة قادراً على اتخاذ قرارات جريئة، حتى وإن كانت غير مريحة، يجب أن يكون لديه القدرة على التصدي للمشكلات الحقيقية بشجاعة وأن يسعى إلى إحداث تغييرات جذرية تصب في مصلحة الطلاب والجامعة ككل، في المقابل، فإن هؤلاء «المراهم» يسيرون في اتجاه مغاير، حيث يتمركزون في المواقف المريحة ويسعون فقط لتهدئة النفوس، تاركين وراءهم المشاكل التي ستكبر وتزداد تعقيداً.
القيادة الجريئة لتطوير الجامعات
إن الجامعات التي تُدار بواسطة رؤساء يعتبرون أنفسهم "مرهماً" لا تقدم سوى تسويف ومماطلة فى حل المشاكل المزمنة، لكن القيادات التي تبني مؤسسات أكاديمية قوية وفعّالة هي تلك التي لا تخشى المواجهة ولا تلتزم فقط بالتهدئة، بل تتخذ قرارات جريئة تساهم في تحسين وضع الجامعة على المدى البعيد، فما تحتاجه الجامعات في هذه الحقبة هو رؤساء لديهم القدرة على إحداث تغييرات حقيقية، وليس مجرد مرهم يخفف الآلام لفترة مؤقتة.
المطلوب للجامعات هو رئيس جامعة قوي وحازم يمتلك رؤية استراتيجية واضحة وقادر على اتخاذ قرارات حاسمة، حتى وإن كانت غير شعبية، لتحقيق مصلحة الجامعة على المدى الطويل، يتمتع بالعدالة والإنصاف في التعامل مع جميع فئات المجتمع الجامعي، ويعزز بيئة تعليمية قائمة على المساواة، كما يمتلك القدرة على إدارة الأزمات بفعالية، ويواكب التغيرات الأكاديمية والتكنولوجية من خلال مرونة وإبداع في العمل، هذا المنصب الإداري يحفز فريقه ويشجع على التعاون والابتكار، مع الاهتمام بالجانب الإنساني لضمان بيئة تعليمية صحية ومزدهرة.
خيراً فعل الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات، عندما اتخذ قرار إعادة تشكيل لجان رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، هذا القرار يعكس حرصه على تجديد الدماء الأكاديمية والإدارية في المؤسسات التعليمية، ويهدف إلى تعزيز الأداء الجامعي من خلال إدخال دماء جديدة قادرة على مواجهة التحديات الحديثة والابتكار في طرق التدريس والإدارة، كما أن هذه الخطوة تدل على رغبة قوية من القيادة السياسية في تحسين الأداء الأكاديمي والإداري، ورفع كفاءة العمل داخل الجامعات، بما يساهم في تحقيق نقلة نوعية في التعليم العالي في مصر، إن إعادة تشكيل هذه اللجان يفتح المجال للمشاركة الفاعلة للكفاءات الجديدة ويعزز التنوع في الرؤى والأفكار، مما يعزز من تطوير المناهج الأكاديمية وزيادة فرص التعاون بين الجامعات والمجتمع الأكاديمي الدولي.
يتبع،،