و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

هل تعتقد أن غسيل الأموال هو مجرد عملية إيداع مبالغ كبيرة في البنك؟ الحقيقة أكثر تعقيدا وذكاءا. بداية دعنا نتعرف على غسيل الأموال هو عملية تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة غير قانونية مثل تجارة المخدرات والإرهاب والفساد إلى أموال تبدو مشروعة. تخيل أنك تحاول إخفاء أصل قذر للمال عن طريق تمريره عبر سلسلة من المعاملات المعقدة هذا هو جوهر عملية غسيل الأموال. الهدف النهائي هو إخفاء المصدر الحقيقي للأموال وتمكين المجرمين من الاستمتاع بثمار جرائمهم.
تتصاعد حدة المعركة ضد غسيل الأموال تلك الجريمة التي تهدد استقرار النظم المالية العالمية. تشير التقديرات إلى أن حجم غسيل الأموال في الاقتصاد العالمي يتراوح ما بين 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويًا وهو رقم ضخم يعادل حوالي 4.6 تريليون دولار. وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقدر عمليات غسيل الأموال بنحو 715 مليار إلى 1.87 تريليون دولار سنويا. هذه الأرقام الضخمة تكشف عن حجم التحدي الذي تواجهه النظم المالية العالمية في مكافحة هذه الجريمة. ومع تطور أساليب المجرمين تتطلب هذه الحرب أدوات جديدة أكثر تطورا. بالإضافة إلى ذلك أصبح المجرمون يستخدمون التكنولوجيا الحديثة والعملات المشفرة و الشبكات المظلمة  في عمليات غسيل الأموال مما يزيد من تعقيد هذه الجريمة ويجعل من الصعب اكتشافها باستخدام أساليب و برامج مكافحة غسيل الأموال التقليدية وفي هذا السياق يبرز الذكاء الاصطناعي كأمل جديد في كشف خيوط هذه الجريمة المعقدة والذي يقدم حلولا مبتكرة لمواجهة هذه التحديات.
تتمثل إحدى هذه الحلول في استخدام ما يسمى بـ"الوكلاء الخبيثة". هذه البرامج التي تستند إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي تحاكي سلوك المجرمين في غسيل الأموال. يتم تدريبها على محاولة خداع برامج مكافحة غسيل الأموال داخل النظم المصرفية مما يكشف نقاط الضعف فيها. بمعنى آخر تلعب هذه الوكلاء دور "الاختراق الأخلاقي" لتقوية تحصينات النظام المصرفي.
تعد الوكلاء الخبيثة سلاحا ذكيا في المعركة ضد غسيل الأموال. من خلال محاكاة أساليب المجرمين تكشف هذه الوكلاء عن نقاط الضعف في الأنظمة المصرفية الحالية مما يساعد على تطوير دفاعات أكثر صلابة. 

تعزيز التعاون الدولي

وبالتالي فإنها تمكن النظم المصرفية من البقاء خطوة إلى الأمام في هذه الحرب المستمرة. تتمثل الفوائد الرئيسية لاستخدام الوكلاء الخبيثة في قدرتها على كشف الثغرات الأمنية وتحسين أداء الأنظمة والاستجابة السريعة للتهديدات وتدريب المحللين على التعرف على أنشطة غسيل الأموال المعقدة.ومع ذلك يجب أن يتم استخدام هذه التقنيات بحذر وبشكل مسؤول مع مراعاة الجوانب الأخلاقية والقانونية حيث يجب التأكد من أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا ينتهك حقوق الأفراد أو خصوصيتهم وتتوافق مع القوانين واللوائح المحلية والدولية و أن تكون البيانات المستخدمة في تدريب الذكاء الاصطناعي مأخوذة بشكل قانوني ومصرح بها.
لمواجهة تحدي غسيل الأموال يجب تعزيز التعاون الدولي بين الدول والمؤسسات المالية. يتطلب ذلك تبادل المعلومات والخبرات وتنسيق الجهود لمكافحة هذه الجريمة العابرة للحدود. إن غسيل الأموال لا يؤثر فقط على الاقتصاد بل يمتد تأثيره إلى استقرار وأمن الدول. إذ يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفساد وتمويل الأنشطة الإرهابية مما يهدد الأمن الداخلى للدول ويزعزع استقرار المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة في النظام المالي مما يؤثر سلبا على الاستثمارات والنمو الاقتصادي والتصنيفات الدولية. لذلك فإن مكافحة غسيل الأموال بشكل فعال تعد ضرورة ملحة للحفاظ على استقرار وأمن الدول.
إن فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاربة واختبار الذكاء الاصطناعي قد تبدو غريبة للوهلة الأولى ولكنها في الواقع استراتيجية ذكية للغاية. في عالم يتزايد فيه تعقيد أساليب غسيل الأموال يصبح من الضروري استخدام تقنيات متقدمة لمواجهة هذه التحديات. الذكاء الاصطناعي يقدم حلولا مبتكرة للكشف عن الأنشطة المشبوهة وتحليل البيانات الضخمة مما يتيح للبنوك والمؤسسات المالية التعرف على الأنماط غير الطبيعية واتخاذ إجراءات وقائية فعالة. من خلال تحسين نماذج التنبؤ بالمخاطر وتطوير أدوات جديدة يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز قدرة المؤسسات المالية على مكافحة غسيل الأموال بفعالية أكبر. بفضل هذه الاستراتيجية يمكن أن تصبح عمليات مكافحة غسيل الأموال أكثر دقة وكفاءة مما يعزز من سلامة النظام المالي العالمي. إن استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاربة الذكاء الاصطناعي ليس مجرد فكرة مبتكرة فقط بل هو نهج ضروري لمواكبة التطورات السريعة في هذا المجال وضمان حماية الأنظمة المالية من التهديدات المتزايدة.
يمثل الذكاء الاصطناعي أملا جديدا في الحرب ضد غسيل الأموال. من خلال الاستثمار في هذه التقنيات يُمكن الدول بناء مستقبل أكثر أمانا وشفافية للنظم المالية.

 مصطفى زكى , خبير إدارة وتطوير الأعمال , [email protected]

 

 

تم نسخ الرابط