الأولى و الأخيرة

موقع الصفحة الأولى

بعد 72 عاما على ثورة 23 يوليو 1952، مازالت الثورة حاضرة، بأهدافها وقضاياها ومشاريعها، حاضرة بايجابياتها وسلبياتها، حاضرة بانتصاراتها، ونكستها، ومازالت «الحركة المباركة»  تثير الجدل والنقاشات، التي تكون عنيفة وعميقة أحيانا، أو سطحية في كثير منها، حول سببها وما حققته، وهل نجحت بالفعل في تنفيذ أهدافها الستة التي أعلنت عنها في بدايتها؟

وقبل التفكير في هذه الأسئلة المشروعة ومحاولة الإجابة عنها بتجرد وموضوعية، بعيدا عن الهوى الشخصي أو مشاعر الحب والكره تجاه زعيم تلك الثورة ورفاقه، أو حتى تجاه الملك المخلوع وأسرته،  وبعيدا عن إشاعات السوشيال الميديا وما تحمله من معلومات كاذبة ومضللة، علينا أولا أن نعرف معنى الثورة، وماذا تعني، وهل كل حركة او محاولة للتغيير يمكن اعتبارها عملا ثوريا؟

 

معنى الثورة

الثورة.. كما يقول علماء الاجتماع والسياسة، تعني تغيير نظام الحكم، بل والنظام السياسي والاجتماعي، بغير الطريق الذي رسمه القانون أو النظام، فإذا كانت تلك الحركة عن طريق الانتخابات مثلا او بتداول طبيعي للسلطة، فلا تعد ثورة.

وإذا لم ينتج عنها تغييرا حقيقيا في النظام السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي، فلا يمكن اعتبارها ثورة، ولو أطلق عليها قادتها أو مريدوها ذلك.

ولذلك، فالإجابة حاضرة بوضوح عن ذلك السؤال، فإذا لم تكن 23 يوليو ثورة، فما هي الثورة إذن؟

فالتغيير الذي أحدثته تلك الثورة في المجتمع المصري، وفي محيطها العربي والإفريقي والإسلامي، وفي العالم أجمع، يحتاج إلى مجلدات ومجلدات للحديث عنه وسرد تفاصيله.

 

تغيير جذري

فثورة يوليو لم تكتف بإزاحة الملك ثم إسقاط الملكية وإعلان الجمهورية في أول تغيير عميق وجذري للنظام السياسي المصري منذ قرون، بل عملت، ونجحت، في تغيير وجه الحياة المصرية على نحو مثير ولافت، عبر إعادة توزيع الثروة، وبناء الطبقة المتوسطة من جديد، ولكن هذه المرة على أسس من العلم والثقافة، ويكفي معرفة ان نسبة الأمية كانت قبل الثورة تتخطى الـ 65% بين الذكور، و86% بين الإناث في العهد الملكي،

وبعد قيام ثورة يوليو، وضعت خطة شاملة لتعليم كافة طبقات الشعب المصري، وصدر قانون مجانية التعليم الجامعي في عام 1962، لتكون جميع مراحل التعليم في مصر مجانية، كما زاد عدد المدارس في مصر من 4800 مدرسة عام 1952 إلى 18 ألف مدرسة عام 1970 عند وفاة عبد الناصر، وزاد عدد المدرسين والمدرسات من 40 ألف إلى 250 ألف عام 1970، كما ارتفع عدد الطلاب بجميع مراحل التعليم من 840 ألف طالب عام 1952 ليصل إلى 5.5 مليون طالب عام 1970.

أما نسبة الفقر، فحدث ولا حرج، فرغم ان الموضة كانت تنزل في القاهرة قبل باريس، كما يدعي البعض، إلا ان نسبة الفقر بين المصريين تخطت الـ 90%، ووصلت إلى حد ظهور مشروع لمكافحة الحفاء، وكانت الكوليرا تنهش في المصريين نهشا، وبعدها البلهارسيا التي تخطت نسبة الإصابة بها 45% من المصريين، إضافة إلى أمراض سوء التغذية وباقي الآفات الناتجة عن الفقر والجهل، لتاتي ثورة 23 يوليو، وتقضي على كل ذلك أو تكاد وتضع مشروع عادل للرعاية الصحية والاجتماعية.

التعليم والصحة

وهذا التغييران، في التعليم والصحة، هما المعبران الحقيقيان عن أي نهضة اجتماعية، أو حركة بناء تستهدف الإنسان.

وليس معنى ذلك أن ثورة 23 يوليو لم تكن لها أخطاء، فهي مثلها مثل أي عمل بشري تحتمل الصواب والخطأ والاجتهاد، ولكن أكبر ما كان يميز تلك الثورة، وتحديدا حركة زعيمها جمال عبد الناصر، هو القرة على تصحيح المسار، بل والاعتراف بالخطأ وتصويبه، وأكبر مثال على ذلك ما حدث بعد نكسة 1967، من اعتراف عبد الناصر نفسه بالخطأ والمسؤولية عن تلك الضربة الموجعة، وقراراه بالانسحاب والتنحي عن السلطة، وبعد عودته بضغط شعبي رافض للهزيمة، قرر العمل على أكبر حركة لتصحيح المسار، وتطهير الدولة والجيش، بل وإعادة بنائه، ليكون الجيش قادرا على العبور واسترداد الأرض المحتلة، وقت وفاة ناصر، وباعتراف قادة نصر أكتوبر انفسهم، وفي مقدمتهم الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب 1973.

 

إنجازات ثورة 23 يوليو

لتبقى ثورة 23 يوليو وتبقى إنجازاتها، وأهمها بناء الإنسان المصري ونجاحها في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ليترك عبد الناصر عند رحيله في 28 سبتمبر 1970، أكثر من 1200 مصنع، وانخفاض نسبة البطالة إلى اقل من 0.3%، ونسبة النمو الحقيقي 7%، وحوالي 47 مليون جنيه إسترليني فائض في الموازنة، كل ذلك والبلاد تعيش تحت وطأة حرب شرسة مع كيان الاحتلال، فمال بالنا لو لم تشن تلك الحرب؟

ويعيش جمال حتى في موته.

[email protected] 

تم نسخ الرابط