
حينما نجح ثيدور هرتزل فى طبع كتابه " الدولة اليهودية " سنة 1896 م لم يختلف عليه اليهود بل كانوا على قلب رجل واحد ، أما الأوربيون فبعضهم قرأه على أنه خطة صريحة البيان ، وبعضهم رآه حلماً بعيد المنال، والفكرة كانت تحتاج للدعاية القوية ولذلك كان من الدعاية نشر الكتاب وإهدائه لكبار مثقفى الغرب ، كذلك استغلال بداية ظهور السينما الصامتة 1913 ، فالاعتماد الكامل على القراءة لا يناسب السرعة المنتظرة .. فى حين أن السينما كانت تستهوى العالم آنذاك ، واعتمادا عليها فاليهود قد بدأوا فى استخراج فيلم " حياة اليهود فى أرض الميعاد " الذى ألفه اليهودى الروسى الصهيونى " يعقوب بن دوف " مستغلا تعسفات الروس ضد الأقليات ومنها طبقات الفلاحين والعمال وغيرهم الأمر الذى أشعل الامبراطورية الروسية ، وفى هذا التوقيت المشتعل يحلو لليهود الصيد فى الماء العكر ، لذلك كرسوا دعايتهم فى الدعوة إلى " الهجرة من روسيا " .
كانت صولة اليهود مع صعود الفيلم الصامت ملحوظة إلى حد بعيد ، لكن الملفت للنظر هو عبثهم بالتاريخ مصحوبا بعدم الشعور بالذنب ، فقد لعبوا فى تاريخ هروبهم من مصر وفرعون يلاحقهم ، فهروبهم سجله القرآن ، وموسى يقول لهم سعيا للنجاه " ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم " و بالطبع زعموا أن دخولهم أرض قريبة زاخرة بالسكان هو حق تمليك وإقامة مستقرة ، ضمنوها أفلامهم ومصنفاتهم ، مع أن القرآن لم يقل أقيموا فيها إقامة مستديمة أبدية لأنها أرضكم ، وبالطبع هناك فرق بين الهروب واللجوء ، ودخول الناس بلادهم !! .
ومن مبدأ التزوير هذا أبرزوا فكرة " أرض الميعاد " وبالغوا فى إظهارها فى فيلم الوصايا العشر الصامت سنة 1923 ، وأعادوا هذا الفيلم بشكل أخر معتمدين على استخدام الألوان و الإبهار عام 1956 وذلك بعد قيام إسرائيل 1948 .
التزوير واللعب فى التاريخ
وفى هذه القصة زجوا بقصة عشق نفرتيتى زورا وبهتانا ، فى حين أن نفرتيتى لم تكن فى عهد موسى مطلقا ! ، وعندما ثار المعنيون بالتاريخ على هذا التزوير الصارخ رد الكذابون منهم على هذا بأن نفرتيتى المذكورة فى الفيلم ليست الأميرة العاشقة ، وأن هناك شخصيتين بهذا الأسم !! لكن لماذا لا يخشى هؤلاء التزوير واللعب فى التاريخ ؟ لأن الرد على هذه المزورات يستهلك وقتا طويلا من الوقت ، خاصة وأن تلك الردود تعتمد على المؤلفات المكتوبة ، فى حين أن فيلما واحدا مزورا يأخذ طريقه فى الانتشار سهلا ميسورا ، و ألوف الذين يشاهدون الأفلام أكثر عددا من الذين يقرأون !! . ويبدو أن شعارهم " أكذب .. أكذب و أكثر من الكذب حتى يصدقك الدهماء من الناس " .
لذلك كثرت أساليب الكذب ودسه فى التاريخ لأجل تدشين وتدعيم فكرة أرض الميعاد ، وظهر ذلك من خلال فيلم " الخروج " الذى كتبه المتعصب اليهودى " ليون أوريس " وتم انتاجه فى أمريكا سنة 1960 ، والفيلم يدعو مباشرة إلى التمسك بأرض الميعاد ، ويبرز خطورة الانسلاخ عن تلك الفكرة ، ولن ينال اليهود كرامة إلا فى أرض الميعاد ، ولم يكن اختيار لفظ " الخروج " اختيارا عشوائيا ، بل هو إحياء لسفر الخروج فى العهد القديم ، السفر الطويل الذى حكى قصة موسى وهروبه من مصر ، ثم عودته مرة أخرى ليخرج بأسباط بنى إسرائيل الأثنى عشر من تحت بطش فرعون ، وفى ذلك إحياء دينى لهدف صهيونى راسخ .
والفيلم يجذب تعاطفا شديدا خاصة وأنه سَمى الباخرة " الخروج " طوق النجاة لليهود الذين هربوا من جحيم هتلر ، ثم ولوجهم فلسطين ليقاوموا الوجود البريطانى بالعنف والأرهاب ، ولا ينكر المتخصصون فى النقد السينمائى أن هذا الفيلم كان مؤثرا فى صناعة السينما ، وكان نقطة جديدة انطلقت منها السينما العبرية .