طالبهم بالعودة للثكنات فعزلوه
مأساة قائد الثورة و أول رئيس لمصر مع الاقامة الجبرية حتى الموت
ولد الرئيس محمد نجيب يوم 19 فبراير 1901 في ساقية معلا بالعاصمة السودانية الخرطوم، لأسرة عسكرية اشتهرت بالشجاعة والإقدام، وكان جده لوالدته الأميرالاي "العميد" محمد عثمان قائد حامية بوابة المسلمية بالسودان، استشهد ومعه ثلاث من إخوته الضباط في الجيش المصري بالسودان، أثناء الدفاع عن الخرطوم ضد قوات المهدي عام 1885.
اما والده فهو يوسف نجيب، المولود في قرية النحارية بمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، واشتغل مثل عائلته في فلاحة الأرض، ثم تركها ليلتحق بالمدرسة وحصل على الشهادة الابتدائية، ثم تخرج من مدرسة الفنون والصنايع، ثم دخل المدرسة الحربية بالقاهرة وتخرج فيها عام 1896، وسافر إلى السودان، حيث اشترك في حملة دنقلة وفى معظم معارك استرجاع السودان حتى عام 1898.
كما عين والد محمد نجيب مأمورا للسجن الحربي في وادي حلفا، ثم في وادي مدني، ليتلقى تعليمه في كتاب وادي مدني عام 1905، فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل الوالد إلى عدة جهات بالسودان، حتى عين مأمورا لوادي حلفا عام 1908، فألتحق "نجيب" بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم عين والده عام 1912 مأموراً لضواحي بلدة وادي مدني في مديرية النيل الأزرق، فحصل على الشهادة الابتدائية فيها، ثم التحق بكلية جوردون عام 1913، ليتوفى والده عام 1914.
عودة محمد نجيب
وعاد محمد نجيب إلى مصر، حيث حصل على الشهادة الابتدائية المصرية، وقت دراسته بالسنة النهائية بكلية جوردون، ليعود إلى الخرطوم من جديد عام 1916، ثم درس معهد الأبحاث الاستوائية وتخرج فيه، وعمل في الترجمة.
ودخل محمد نجيب الكلية الحربية أبريل 1917 وتخرج منها 23 يناير 1918، ليسافر إلى السودان يوم 19 فبراير 1918 ليخدم في الجيش المصري بالكتيبة (17) مشاة، ثم انتقل إلى سلاح السواري (الفرسان) فى شندى، ويعود فينتقل إلى فرقة العربة الغربية بالقاهرة عام 1921.
وشارك محمد نجيب في حرب فلسطين عام 1948، وحارب في معارك القبة ودير البلح، وأُصيب 3 مرات فيها، ورشح وزيرا للحربية في وزارة نجيب الهلالي، إلا القصر عارض ذلك بسبب شخصيته المحبوبة عند ضباط الجيش.
انتخابات نادي الضباط
وفي أواخر ديسمبر 1951، اشتعل الصراع بين الضباط الأحرار والملك فاروق، وقرر التنظيم الثوري اختبار قدرته من خلال انتخابات نادي ضباط الجيش، خاصة وأن الملك رشح اللواء حسين سرى عامر المعروف بفساده والمكروه من ضباط الجيش، رئيسا للجنة التنفيذية للنادي، وفي المقابل قدم الضباط الأحرار قائمة على رأسها اللواء محمد نجيب للرئاسة.
وبالفعل، فاز محمد نجيب في الانتخابات بأغلبية ساحقة، رغم ان الملك فاروق قرر إلغاء الانتخابات، ولكن ضباط الجيش صمموا على إجرائها يوم 31 ديسمبر 1951، ليتأكد الضباط الأحرار من تأييد الجيش لهم.
نجاح ثورة 23 يوليو
وبعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952، قدم الضباط الأحرار "نجيب" على أنه قائد الثورة، وأعلن أول بيان للثورة باسم اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة، بعد رقاه الملك فاروق يوم الثورة إلى رتبة الفريق، مع منحه مرتب وزير، ولكن "نجيب" أعلن في 26 يوليو تنازله عن ذلك وظل برتبة اللواء.
وكان الضباط الأحرار فاتحوه قبلها بشهرين في انضمامه لهم، حال نجاح الحركة، وبعد الثورة بحوالي شهر، أي في يوم 25 أغسطس، قرر مجلس قيادة الثورة ضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس، مع تكليفه برئاسته بعد أن تنازل له جمال عبد الناصر عن الرئاسة.
وسافر محمد نجيب إلى الإسكندرية في 25 يوليو، ليسلم إنذار الضباط الأحرار بتنازل الملك فاروق عن العرش، إلى علي ماهر، الذي اختارته الثورة رئيساً للوزارة، وكلفه الملك بتشكيلها في 24 يوليو، إلا أن زكريا محيى الدين، المكلف وقتها بحصار قصر الملك، طلب تأجيل هذه الخطوة إلى اليوم التالي لإراحة الجنود بعد مشاق السفر.
وفى 26 يوليو قابل محمد نجيب، علي ماهر، وكان بصحبته كل من جمال سالم وأنور السادات، وسلمه الإنذار الموجه إلى الملك فاروق، والمطالبة توقيعه على وثيقة التنازل عن العرش للأمير أحمد فؤاد الثاني، قبل الساعة الثانية عشر ظهرا، ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة مساء.
محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة
ومع استقالة علي ماهر، أصبح محمد نجيب رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للوزراء، وشكل حكومته الأولى في 8 سبتمبر عام 1952، وتولى فيها منصب وزير الحربية والبحرية كما احتفظ بمنصب القائد العام للقوات المسلحة.
وفي 18 يونيو 1953 ألغيت الملكية وتحولت مصر إلى النظام الجمهوري، وقرر مجلس قيادة الثورة تعيين اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر.
وفى فبراير 1954 قدم محمد نجيب استقالته بعد زيادة الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، ليقرر المجلس تعيين جمال عبد الناصر رئيساً له ورئيسا للوزراء.
استقالة محمد نجيب الأولى
وقال مجلس قيادة الثورة بعد استقالة نجيب الأولى، في 25 فبراير 1954، إنهم اختاروا اللواء أركان حرب محمد نجيب لتقديمه قائداً للثورة، وكان بعيدا عن صفوفهم، وهو أمر طبيعي بسبب التفاوت الكبير بين رتبته ورتبهم، وسنه وسنهم، ولكنهم اختاروه بسبب سمعته الحسنة الطيبة وعدم تلوثه بفساد قادة ذلك العهد، وأنه علم بقيام الثورة عن طريق مكالمة تليفونية، ثم ذهب إلى مبنى قيادة الثورة واجتمع برجالها فور تسلمهم لزمام الأمور.
ولكن أعمال ومناقشات مجلس قيادة الثورة استمرت أكثر من شهر دون أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب، لأنه لم يكن قد ضم إلى أعضاء مجلس الثورة إلا يوم 25 أغسطس، حيث تنازل البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر عن رئاسة المجلس، رغم أنه تجدد انتخابه قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهي أخر أكتوبر سنة 1952.
أزمة نفسية
وقال مجلس قيادة الثورة إن محمد نجيب ظل يعاني أزمة نفسية عانى منها أعضاء المجلس الكثير، وبعد أقل من ستة أشهر بدأ "نجيب" يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحه سلطات تفوق سلطة العضو العادي بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقاً أن يخالف لائحته التى وضعت قبل الثورة بسنين طويلة، والتي تقضى بمساواة كافة الأعضاء بما فيهم الرئيس فى السلطة، وإذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين فى المجلس، ترجح الكفة التى يقف الرئيس بجانبها.
ويضيف المجلس: رغم تعيين محمد نجيب رئيسا للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلس الوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك، إلا أنه ظل يصر ويطلب بين وقت وأخر أن تكون له اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، ولكن أعضائه صمموا على الرفض الكلى، لضمان أقصى الضمانات لتوزيع سلطة السيادة فى الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين.
ولذلك أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بقبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب من جميع الوظائف التى يشغلها، كما يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر فى تولى كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن، وتعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس الوزراء، وقرر أيضا حل جماعة الاخوان المسلمين.
الإقامة الجبرية
وتم وضع محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية مع أسرته في 14 نوفمبر 1954، في قصر زينب الوكيل، بعيدا عن الحياة السياسية مع منع أي زيارات له، ومع تولي الرئيس السابق حسني مبارك الرئاسة، أمر بنقل نجيب وعائلته إلى فيلا تابعة للدولة، بعدما حصل ورثة زينب الوكيل على حق استعادة القصر الذي كان يقيم فيه.
وتوفى محمد نجيب في 28 أغسطس 1984، عن عمر ناهز 83 عاما، بعد معاناة مع مرض تليف الكبد، وشيع جثمانه في جنازة عسكرية حضرها الرئيس السابق حسني مبارك.
وتزوج الرئيس محمد نجيب من زينب أحمد، وأنجب منها ابنته سميحة التي توفيت وهي بالسنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950، ولكنه طلق زوجته، وتزوج بعدها من عائشة محمد لبيب عام 1934، وأنجب منها 3 أبناء هم فاروق وعلي ويوسف.