بحسب بعض الروايات الشعبية كان هناك رجل حكيم يدعي أبو الغصن الفزاري عاش في زمن الدولة الأموية، لكن العامة من أهل الشام كانوا يعتبرونه مجذوبا فاقد الأهلية.
أعلن أبو الغصن علي الملأ في المدينة ذات يوم أنه سيطير في الهواء كالطيور وحدد لهم مكان إقلاعه من على مئذنة أحد مساجد دمشق عصر يوم الجمعة.
وفي الموعد والمكان المحددين احتشد الناس من كل حدب وصوب لمشاهدة الموقف المثير بالطبع.
وصعد أبو الغصن إلي أعلي المئذنة وراح يلوح لهم بيده، وهم يصيحون في انتظار لحظة الطيران التي اجتمعوا من أجلها وتحملوا مشقة الانتقال من الضواحي والأرياف لمشاهدتها.
ولكن بعد طول انتظار التفت إليهم أبو الغصن قائلا : كنت أظن أنني الوحيد الذي لا يملك عقلا و إذا بكم جميعا لا تملكون عقولاً .. كيف لي أن أطير و أنا لا أملك جناحاً ؟! .
هذا هو حالنا بالضبط ونحن نقف في انتظار عملية خفض أسعار السلع والمنتجات طواعية علي يد التجار وهم فوق مآذنهم العالية.
لن تنخفض الأسعار دون وقفة جادة من المصريين، يتم خلالها تفعيل العقل وفق حسابات المصلحة العامة، لفرض الأسعار العادلة لكل المنتجات.
والمصلحة العامة هنا تقتضي التكاتف في نشر ثقافة المقاطعة الشعبية بوصفها امتناع اختياري عن شراء أي سلعة يتم المبالغة في سعرها.
فالمقاطعة الشعبية احتجاج مشروع وسلاح فعال لإجبار التجار والمنتجين علي تغيير سلوكهم المرفوض بالتمادي في تثبيت الأسعار الجنونية التي اعتمدوها كمعيار في فترة ما قبل انخفاض سعر الدولار، وتثبيت أسعار الفائدة.
فرض الأسعار العادلة
وإذا كانت حملة مقاطعة الأسماك التي بدأت من بورسعيد وامتدت لعدة مدن، قد جاءت بنتائج إيجابية، وتراجعت الأسعار بالفعل بنسبة لا تقل عن ٣٠٪ في بعض المحافظات، فمن الواجب تكرارها مع بقية السلع، لكسر جنوح التجار واستعادة السيطرة علي الأسواق المنفلتة نتيجة إدمان الشكوي من المواطنين فيما بينهم دون فعل منهم علي أرض الواقع.
لقد استغل التجار ومنتجي السلع المحلية، المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الأمريكية والأوروبية الداعمة لإسرائيل، واتجاه غالبية المصريين لشراء المنتجات المحلية، وقاموا برفع الأسعار عدة مرات لمنتجات هي للأسف منتجات رديئة، فوصلوا بسعر بعضها إلي ما فوق سعر المنتجات المستورة، وهو ما تم حرفيا مع بعض أصناف الشاي والمشروبات الغازية والأجبان.
لم يلتفت المنتجون المصريون ومن ورائهم التجار لاعتبارات التضامن الوطني مع الشعب الفلسطيني ولا حتي لقواعد الصناعة والتجارة الرشيدة وهامش الربح، قبل الشروع في رفع السعر، وإنما كل ما شغل بالهم هو تحقيق المزيد من الأرباح في كل الظروف، حتي وإن كانت ظروف الحرب التي واكبت الأزمة الاقتصادية.
كل هذه الحقائق وغيرها تؤكد ضرورة رفع سلاح المقاطعة الشعبية في وجه الجميع داخليا وخارجيا بوصفه سلاحا مشروعا يستهدف مصلحة المجتمع، ويحافظ علي إنسانية الشعب المصري الذي طفح به الكيل.
لقد بات من الواجب تلقين التجار والمنتجين المخالفين دروسا عملية، في ضرورة احترام المواطن، بالتصدى للجشع والاحتكار ومحاربة غلاء الأسعار، عن طريق المقاطعة ومعاونة الأجهزة الرقابية لفرض الأسعار العادلة.
جملة القول؛ بدون التحرك الفاعل بالمقاطعة نكون كأهل دمشق الذين انتظروا طيران أبي الغصن من فوق المئذنة، بينما هو يسخر منهم جميعا.