في مسرح السياسة العالمية، هناك قادة يصنعون التاريخ، وهناك مهرجون يتراقصون على خشبته، يظنون أن الصخب يغني عن الحكمة، وأن الضجيج يمكن أن يُخفي الفراغ، ومن بين هؤلاء، لا يبرز اسمٌ كما يبرز دونالد ترامب، ذلك المهرّج الذي ظنّ نفسه إمبراطورًا، ولم يكن في الحقيقة سوى نسخة مشوّهة من تجّار الطرقات، يبيع الأوهام لمن يشتري، ويروج الأكاذيب كما يروج الدجال بضاعته الفاسدة.
لقد جاء ترامب إلى المشهد السياسي وهو يعتقد أن العالم مجرد سوق عقارات، وأن الحكام ليسوا سوى سماسرة، يبيعون أوطانهم كما يبيع هو كازينوهاته المُفلسة، رجلٌ لا يقرأ، وإن قرأ لا يفهم، وإن فهم تجاهل، لأنه لا يملك من أدوات السياسة إلا ما يملكه مقامرٌ مفلس في ليلة خاسرة، أراد أن يفرض على مصر والأردن مخططه الخبيث بتهجير الفلسطينيين، متوهّمًا أنه قادرٌ على انتزاع السيادة من أيدي الكبار، لكنه فوجئ أن القاهرة لا تخضع، وأن عمان لا تساوم، وأن التاريخ ليس ورقة في دفتر صفقاته الفاشلة.
كيف لرجلٍ في السبعين من عمره أن يُدار بعقلية طفل مدلل؟ كيف لرئيس دولة عظمى أن يُفكر بمنطق بائع العصير في شوارع نيويورك؟ ترامب لم يكن يومًا سياسيًا، بل كان أشبه بشخصية كرتونية، يملؤها الغرور الفارغ، تتحدث كثيرًا ولا تقول شيئًا، تهدد الجميع ولكنها تتراجع عند أول اختبار، ظن أن الضغط الاقتصادي قد يُركع مصر، لكنه لم يدرك أن هذه الأرض أذلت إمبراطوريات، وأسقطت غزاةً، ولم تكن يومًا سجادةً يتم الدوس عليها في ممرات البيت الأبيض.
صعد بمحض الصدفة
ترامب كان يظن نفسه لاعبًا بارعًا في شطرنج السياسة، لكنه لم يكن سوى قطعة مكسورة، تُحركها الأقدار كيفما تشاء، من رجل أعمال مغمور، إلى رئيس صعد بمحض الصدفة، إلى مُتهم يواجه المحاكم، كُتب على جبينه الفشل، وعلى مسيرته العار، وعلى نهايته الخزي، أراد أن يسوّق "صفقة القرن"، فباع نفسه في المزاد، وحاول أن يملي شروطه على العالم، فوجد نفسه مطرودًا من البيت الأبيض، يُجرجر أذيال الهزيمة، ويصرخ كما يصرخ الطفل حين يُسلب منه لعبته إن أكثر ما يثير السخرية في ترامب أنه كان يعتقد أن بإمكانه تطويع مصر، كما يطوّع أتباعه، وأن بإمكانه جرّها إلى مستنقع التنازلات، كما فعل مع ضعاف النفوس، لم يفهم الرجل أن مصر ورئيسها ليست دولة تبحث عن دور، بل هي الدولة التي صاغت أدوار الآخرين، لم يدرك أن القاهرة لا تخضع، وأن قراراتها ليست أوراقًا في حقيبة مبعوث أمريكي، ولا إملاءات تُلقى في دهاليز السياسة، بل هي إرادةٌ نحتتها القرون، وثبتتها الدماء، ورسّختها معارك الكرامة.
إن ترامب اليوم ليس سوى ظاهرة صوتية انتهت صلاحيتها، رجلٌ عاش مخدوعًا بأكاذيبه، ومات سياسيًا قبل أن تنتهي حياته، لم يُدرك أن التاريخ لا يُكتب على تويتر، وأن العظمة لا تُشترى من الأسواق، أراد أن يغيّر خريطة الشرق الأوسط، فوجد نفسه مُلقى في زوايا النسيان، مُطاردًا بالفضائح، متسولًا الأضواء التي انطفأت عنه أما مصر، فبقيت كما كانت، قلعةً لا تهتز، وإرادةً لا تُكسر، وزعامةً لا تُباع ولا تُشترى. فليرحل ترامب إلى حيث ينتمي... إلى الهامش، إلى النسيان، إلى صفحات التاريخ التي لا يذكرها أحد إلا للسخرية!.