و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

في مشهد مؤسف هز الرأي العام المصري خلال الأيام الماضية، تداولت وسائل الإعلام مقطعا مصورا لمشادة كلامية حادة وقعت بين نائب محافظ سوهاج والسكرتير العام للمحافظة في حضور المحافظ، داخل أحد المساجد عقب صلاة الجمعة، لم يكن الأمر مجرد خلاف إداري طارئ أو تباين في وجهات النظر، بل كشف عن خلل عميق في إدراك قيادات سوهاج التنفيذية لحساسية اللحظة السياسية التي تمر بها الدولة المصرية، وعدم استيعابهم للموقع الذي يمثلونه، لا كأشخاص بل كرموز للسلطة التنفيذية في الدولة.

إننا إذ نأسف لما جرى، فإننا نقر بأن مثل هذه الوقائع ليست حكرا على مصر وحدها، بل تتكرر في مؤسسات الحكم المحلي بمختلف دول العالم، لكنها في الحالة المصرية، وفي هذا التوقيت تحديدا، تكتسب دلالات خاصة، فالمشهد أتى في وقت تواجه فيه الدولة تحديات ضخمة، داخليا وخارجيا، تتطلب من الجميع التحلي بأقصى درجات الانضباط السياسي، والاحترام المؤسسي، والوعي الكامل بدلالات الصورة التي تُنقل للرأي العام، محليا ودوليا.

ولعل ما يضاعف من خطورة الواقعة ليس فقط مضمونها، بل توقيتها وسياقها؛ إذ جاءت في بيت من بيوت الله، بما يحمله المكان من رمزية روحية ينبغي احترامها، فضلاً عن أنها أذيعت وتناقلتها وسائل إعلام دولية، استغلتها في تشويه صورة الإدارة المحلية في مصر، بل وتقديمها على أنها مرآة لحالة من الفوضى داخل مفاصل الدولة، وهو ما يزعج كل مصري غيور على بلاده، أكثر مما تزعجه الواقعة نفسها.

تعزيز صورتها الخارجية

إنه لمن المؤسف، بل من العيب الشديد، أن تكون الدولة المصرية بأجهزتها ومؤسساتها، تعمل بكل ما أوتيت من قوة على توحيد الصف الداخلي، وتعزيز صورتها الخارجية، وإثبات حضورها القوي على الساحة الإقليمية والدولية، بينما نرى على النقيض من ذلك بعض القيادات المحلية تتصرف بعشوائية ولامسؤولية، تسهم في تقويض هذه الجهود الجبارة، كيف يعقل أن يجوب الرئيس عبد الفتاح السيسي العالم شرقا وغربا، ويخوض معارك سياسية واقتصادية ودبلوماسية لانتزاع موقع مصر المستحق، بينما يعكر صفو هذه الصورة مشهد هزلي من داخل مسجد، لا يعبر إلا عن قصر نظر وغياب وعي سياسي كامل؟!، إن ما حدث ليس مجرد خطأ، بل خلل في الثقافة الإدارية يستوجب وقفة جادة، ومراجعة شاملة لطريقة اختيار وتأهيل القيادات في مواقع التنفيذ.

ورغم فداحة المشهد، إلا أن ما يدعو للتقدير هو سرعة تحرك الدولة ممثلة في وزارة التنمية المحلية، واتخاذها قرارات واضحة وحاسمة برفض مثل هذا السلوك جملة وتفصيلًا، مؤكدة أن ما حدث لا يعكس أخلاقيات الجهاز التنفيذي، بل يتعارض مع أبسط قواعد اللياقة والانضباط، ومستهجن دينيًا ومجتمعيًا قبل أن يكون معيبًا سياسيًا، وفي المقابل، فإن هذه الواقعة ينبغي ألا تحجب الجهود الملموسة التي بذلتها وزارة التنمية المحلية خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها إعادة إحياء مركز التنمية المحلية بسقارة، الذي ظل لسنوات طويلة مهمشًا، واليوم، تبدو الفرصة سانحة ليصبح هذا الكيان منصة وطنية لتأهيل وتدريب القيادات المحلية، وترسيخ مفاهيم العمل العام المؤسسي، وصقل المهارات القيادية، بما يتناسب مع طبيعة التحديات المعاصرة.

يعد مركز تنمية سقارة للتدريب أحد الركائز الأساسية في منظومة تطوير الإدارة المحلية في مصر، بل يمكن القول إنه حجر الزاوية في بناء جيل جديد من القيادات التنفيذية الواعية والفاعلة، فبعد سنوات من التهميش، بدأ المركز يستعيد دوره تدريجيا كمؤسسة وطنية للتأهيل والتثقيف والإعداد المهني، تواكب تحديات العصر وتستجيب لمتطلبات الدولة الحديثة، إن أهمية هذا المركز لا تكمن فقط في برامجه التدريبية، بل في رسالته الأعمق: إرساء ثقافة إدارية جديدة قوامها الانضباط، والوعي السياسي، واحترام المؤسسية، ومع اختيار الأستاذ الدكتور عصام الجوهري مساعدًا للوزير ومشرفاً على المركز، تتجدد الآمال بأن يتحول سقارة إلى مدرسة حقيقية لصناعة الكوادر المحلية، بعيدًا عن العشوائية والمجاملات، وبما يتماشى مع رؤية مصر 2030 وأهداف الجمهورية الجديدة.

إن مركز سقارة، إذا أُحسن تفعيله، قادر على خلق جيل جديد من القيادات المحلية الواعية، القادرة على الفصل بين الشخصي والمؤسسي، والمتمتعة بوعي سياسي راسخ واحترام حقيقي لهيبة الدولة ومؤسساتها، في كل موقع وزمان.

وأجدني في هذا المقام، لا بد أن أُشيد بالوزيرة الدكتورة منال عوض، التي أظهرت في الآونة الأخيرة توجها جادا نحو الإصلاح والتطوير، ويمكن لها أن تلعب دورا محوريا في تنفيذ هذا المقترح، عبر دعم مركز سقارة بالموارد البشرية والمادية، وربط برامجه بمتطلبات الواقع التنفيذي في المحافظات إننا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مؤسسات تعلم وتُهذب وتوجه، لا تكتفي برد الفعل عند الأزمات، بل تزرع ثقافة الأداء المسؤول قبل الوصول إلى المناصب، وهذا هو الرهان الحقيقي على المستقبل

تم نسخ الرابط