هددت معارضي القانون
تشريعية النواب في مرمى نيران نادي القضاة والصحفيين والمحامين بسبب الاجراءات الجنائية
تصاعدت أزمة مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية ، بعد إصرار لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على تمرير القانون، وصم آذانها عن اعتراض أطراف عديدة، في مقدمتها نقابة الصحفيين، ونادي القضاة، وكبار رجال القانون والمحامين، ومنظمات المجتمع المدني.
ولم تكتف اللجنة التشريعية بتمرير مشروع قانون الاجراءات الجنائية والموافقة عليها بشكل نهائي، لرفعه إلى رئيس مجلس النواب، لعرضه بالجلسات العامة للمجلس، ولكنها شنت هجوما مؤسفا، ووجهت تهديدات خطيرة إلى نقيب الصحفيين والنقابة، ووصفت كلمته عن مشروع القانون بالمغرضة التي تحمل زيفا متعمدا، واتهمته بإثارة الرأي العام وبمجموعة من الاتهامات المعلبة، في محاولة للهروب من مسؤولية اللجنة وواجبها في الاستماع إلى الاعتراضات العديدة والمعتبرة ضد المشروع الكارثي، كما وصفه المنتقدون.
ورغم الاعتراضات العديدة التي يواجهها مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ولكن اللجنة التشريعية، أعلنت الانتهاء من مناقشة مسودة مشروع القانون، والموافقة عليها بشكل نهائي، وأنها بصدد إعداد تقريرها النهائي عن مشروع القانون تمهيدا لرفعه إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لعرضه بالجلسات العامة للمجلس مع بداية دور الانعقاد العادي الخامس.
ومع إعلان اللجنة البرلمانية الأبرز عن تمرير مشروع قانون الإجراءات الجنائية، تمهيدا لعرضه على الجلسة العامة لـ مجلس النواب، وجهت اللجنة تهديدات مبطنة إلى معارضيها، قائلة إنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة تهدف إلى إرباك الرأى العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، حتى ولو صدرت من أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي.
وقالت اللجنة إن الرأي العام المصري أمانة في أعناقنا، ولن تسمح بأن يتم التلاعب به أو تضليله تحت أي مسمى فالحرية ليست حقا مطلقا دون ضوابط، وعندما تستخدم للإضرار بمصلحة المجتمع وتسييس القضايا، يصبح من الواجب التدخل لحمايته.
اللجنة التشريعية تهاجم البلشي
كما هاجمت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، خالد البلشي، نقيب الصحفيين، وقالت إن كلمته حول مشروع قانون الاجراءات الجنائية، تفتقر إلى الدقة وتعتمد على مغالطات فجة، حيث اتهم مجلس النواب بالتعجل والعصف بالحقوق والحريات، وهو اتهام ينحدر إلى حد "الزيف المتعمد" ويهدف إلى إثارة الرأي العام دون أساس موضوعي، حيث تناسى أن عمل كل من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية واللجنة الفرعية المنبثقة عنها امتد لقرابة العامين.
واتهمت اللجنة خالد البلشي نقيب الصحفيين بتعمد تضليل الرأي العام، وتصوير البرلمان كجهة تعمل ضد مصلحة المواطنين.
وكان نقيب الصحفيين خالد البلشي، قال في مؤتمر صحفي، لإعلان موقف النقابة من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، إن قانون الإجراءات الجنائية يمثل دستور نظام العدالة، كما أنه منتج للإنسانية، وليس لبلد بعينه، ولذلك فإن أية تعديلات لا بد أن تخضع لنقاشات جادة، وتقوم على فلسفة واضحة، تحتاج لمشاركة مختلف الرؤى لأن أي خلل يناله قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام العدالة، أو اختلال في نسق المعاملات، ودائمًا تجري التعديلات عليه في أضيق نطاق، وفي نصوص محددة نتيجة حاجة مجتمعية فرضتها التطورات.
وأضاف البلشي أن البرلمان فتح الباب لمناقشات داخلية دون حوار حول تعديل شامل للقانون، شمل أكثر من 550 مادة ما أعطى انطباعًا لدى فئات كثيرة بأن هناك شيئًا يدبر، خاصة أن مشروع القانون جاء وكأنه يقنن لوضع استثنائي بدلًا من أن يسعى لتغيير هذا الوضع، ولو بالتوافق مع نصوص الدستور، وهكذا ظل المنهج هو دستور للنوايا الحسنة وقوانين تعصف بالحقوق والحريات.
تعجل إقرار القانون
وأشار نقيب الصحفيين إلى أن هناك تعجلا من جانب بعض الأطراف، أو داخل البرلمان في إقرار هذا المشروع دون سبب معلن ومشروع، رغم المطالبات المتكررة بتأجيل النظر فيه، وطرحه لحوار مجتمعي حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف إقناعه بتأجيل النظر فيه، ففي أقل من أسبوعين أنهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عملها، وأقرت أكثر من ثلاثة أرباع المواد، التي سبق أن وضعتها اللجنة الفرعية - وأجرت تعديلات لم يتم معرفة ماهيتها، واعتبرت أن 11 سبتمبر هو اجتماعها الأخير لإقرار المشروع وإحالته إلى البرلمان، ورافقت ذلك بهجوم شديد على منتقدي القانون، وهو ما يعظم التساؤلات حول السبب، ويرسل رسائل أن القانون مارٌ لا محالة، ويغلق السبل أمام أي نقاش، وهو ما يدعونا للمطالبة بسحب هذا المشروع الكارثي، ووقف مناقشته لحين الاستماع الجاد لكل الأطراف..
وقال البلشي إن نقابة الصحفيين تجدد مطلبها بضرورة وقف مناقشة هذا المشروع الكارثي، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، ويراعي مطالب مختلف الأطراف، ويحافظ على ثقة المواطنين في نظام العدالة، ويكرس لحقوقهم وحرياتهم، أو الاستجابة للمطالب المرفوعة، ونحن هنا من منطلق مشاركتنا في هذا الحوار نتبنى دراسة كشفت عن أن 41 مادة من مواد المشروع تخالف مواد الدستور، كما تكشف عن وجود 44 مادة تحتاج لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة، كما أن نقابة الصحفيين تشدد على أن إقرار أي تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي -دون اتخاذ إجراءات عاجلة لتصفية ملف المحبوسين المؤلم- سيرسل رسالة بأن التعديلات بمثابة حبر على ورق.
تضامن مع نقيب الصحفيين
وبعد هجوم اللجنة التشريعية بمجلس النواب على نقيب الصحفيين خالد البلشي وموقفه من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، أعربت العديد من الأحزاب والشخصيات العامة والصحفيون والإعلاميون عن تضامنهم مع موقف نقابة الصحفيين من مشروع قانون الاجراءات الجنائية، وقال محمود كامل، وكيل النقابة للحريات ورئيس اللجنة الثقافية والفنية محمود كامل: "كل التضامن مع نقيب الصحفيين، ولن نصمت على هذه الإساءة وسنواصل جهود مواجهة مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعيب
بينما قال محمد سعد عبد الحفيظ، وكيل النقابة للتسويات وتطوير المهنة والتدريب: "إن طرح نقابة الصحفيين رأي ناقد لمشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية لهو حق ودور أصيل لا ينازعنا فيه إلا جاهل بدور الصحافة".
أما الإعلامية قصواء الخلالي فأعلنت تضامنها مع نقيب الصحفيين ضد هجمة اللجنة الدستورية والتشريعية، قائلة: "هل حقا ستتر الصحفيون المصريون خلف جدار الحرية".
وبحسب بيان وقّع عليه عدد من منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين فإن مشروع قانون الاجراءات الجنائية، جاء مخالفًا للتوقعات، كما يفتح الباب لانتهاكات حقوقية متعددة ويهدم أسس العدالة الجنائية في البلاد.
كما أشاد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بموقف نقابة الصحفيين من القانون، وقال إنه يرى أنه كان الأولى باللجنة التشريعية لمجلس النواب أن تنظر بعين التعقل إلى الانتقادات التي وجهت إلى مشروع القانون بدلا من توزيع الاتهامات المجانية على المختلفين معها، مُشددًا على أنه لا يليق أبدًا أن يتم اتهام نقيب الصحفيين بـ”الزيف المتعمد”، وأن ما استعرضه نقيب الصحفيين لم يكن وليد رأيه الشخصي ولا تقديره الذاتي للموقف، وإنما بُنيت كلمته على أساس ما ذهب إليه مجموعة من الخبراء القانونيين الثقات بعضهم من المشاركين في الحوار الوطني.
ودعا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، نقابة المحامين وجميع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني إلى الاضطلاع بدورها في التصدي لهذا القانون الذي تعتري كثير من نصوصه شبهة عدم الدستورية، واتخاذ موقف جاد بصدده وتوضيح حقيقته إلى الرأي العام حتى يكون على بينة من أمره.
وكان موقع الصفحة الأولى، حصل على دراسة شاملة ومتكاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، أعدها الأستاذ الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة الأسبق، أستاذ القانون الجنائي، المحامي بالنقض، والذي كشف فيها عن أبرز سلبيات وعيوب المشروع، كما تحدث عن إيجابياته، وعن المواد التي خرج مشروع القانون بدونها وكان ينبغي أن يحتوي عليها.
عميد الحقوق الأسبق
وقال الدكتور محمود كبيش، إنه اكتفى بتقديم الملاحظات المنشورة على مشروع قانون الاجراءات الجنائية، وليس لديه أي خطوات أخرى لمواجهة ذلك المشروع، لأنه رجل قانون وليس رجل سياسة، كما يرفض الجدال مع من ردوا على ملاحظاته، وأنه يرفض الرد على هؤلاء، وقال: "لا أرى أن ما أبدي من تعليقات على ملاحظاتي تستحق الرد عليها"، ووصف تلك الردود بـ"البطيخ".
وأكد عميد كلية الحقوق الأسبق، أن القصة تتمثل في تطبيق القانون وليس مشروع القانون، فهل نحن نطبق القانون أم لا نطبقه؟
وكشف الدكتور محمود كبيش، عن أنه قرر التوقف عن تدريس مادة قانون الاجراءات الجنائية للفرقة الرابعة بكلية الحقوق، اعتبارا من العام المقبل، ويدرس بدلا منها نظريات علم العقاب، وقال إنه غير مقتنع بتدريسها لأنها لا تطبق في الواقع العملي، وأنه توقف عن تدريس النصوص المتعلقة بضمانات الدفاع وبضمانات الحقوق وضمانات الحريات.
وأشار أستاذ القانون الجنائي، إلى أن مشروع قانون الاجراءات الجنائية المطروح حاليا، لم يضف جديدا، إلا بعض النقاط المحدودة، والتي تمثلت في إعادة صياغة لذات النصوص، مع بعض الإضافات التي قلصت حقوق المواطنين أكثر مما دعمتها.
وانتقد "كبيش" القول بسن قانون جديد لـ الإجراءات الجنائية، يخالف الأسس المتعلقة بالتشريع، لأنه لا يشرع قانونا جديدا إلا انطلاقا من فلسفة جديدة مختلفة عن فلسفة القانون الحالي، من خلال تبني حريات وضمانات جديدة، أما التشريع الذي لا ينطلق من توجه وسياسة جديدة، فهو لا يعتبر تشريعا.
كما لفت إلى أن المشروع المطروح حاليا، أعاد إنتاج بعض النصوص وأضاف بعض الأمور غير ذات أهمية إطلاقا، وقال: ولذلك، فنحن العاملون في مجال القانون نشعر باليأس.
نادي القضاة
كما أعلن نادي القضاة اعتراضه على المقترحات المتعلقة بتعديل مواد قانون الإجراءات الجنائية، وحذر من أن هذه التعديلات قد تؤثر سلبًا على سير الجلسات داخل المحاكم وتغل يد القاضي عن فرض النظام، وقال النادي إن مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة ووزارة العدل شاركوه نفس الرأي خلال الجلسات المتتالية لمناقشة المشروع.
وأشار نادي القضاة إلى أن الهدف الأساسي من اعتراضه هو الحفاظ على استقلالية القضاء وضمان حقوق المتقاضين، مؤكدًا أن أي مساس بصلاحيات القاضي في تنظيم الجلسات يعرقل تحقيق العدالة ويؤثر على المساواة بين جميع الخصوم.
وهاجم نادي القضاة اللجنة البرلمانية قائلا إنه بعدما فوجيء بموافقة اللجنة التشريعية على بعض المقترحات التي اعترض عليها نادي القضاة، فإن النادي يؤكد استمراره في مناقشة تلك التعديلات بموضوعية وتجرد، وأعلن انه سيدعو إلى اجتماع مع رؤساء الدوائر الجنائية بمحكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية لمناقشة الآثار العملية للتعديلات المقترحة وعرضها على مجلس النواب، قبل إقرار القانون.
كما جدد النادي تمسكه بالنص الحكومي للقانون، مؤكدًا أن أي تعديل يجب أن يراعي مصلحة الوطن والمواطنين في إطار تأسيس الجمهورية الجديدة التي تقوم على دعائم قوية.