الأولى و الأخيرة

عيش حرية عدالة إجتماعية

ثورة 25 يناير .. قصة حراك شعبي أسقط مشروع دولي للتوريث

موقع الصفحة الأولى

تظل ثورة 25 يناير واحدة من أنصع المناسبات الوطنية علي طول التاريخ المصري الحديث، رغم كل ما أحاط بها من طفيليات أصابتها بالضعف والهوان.
تلك الثورة التي انطلقت شرارتها الأولي احتجاجا علي واقع مرير، وتعبيرا واضحا عن رفض نظام حكم أصاب البلاد بالجمود والترهل، بفعل الفساد وغياب التخطيط والرؤية السياسية الوطنية الشاملة، علاوة علي إهدار كافة مباديء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
لم يكتف النظام الحاكم وقتها بإهانة كافة القيم وإهالة التراب علي مصر الحضارة وتاريخها العريق، وإنما راح يكرس لتوريث الحكم وترك الدولة لـ  "شلة" من الهواه أغرقوا البلاد في وحل التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية بمباركة من رأس النظام الذي سخر من الشعب بمقولته الشهيرة " خليهم يتسلوا، وموافقة من قوي دولية سعت للسيطرة علي مصر".
كانت القوات المسلحة المصرية تراقب المشهد عن قرب، ووفقا لعقيدتها الراسخة منذ فجر التاريخ، انحاز الجيش لحركة الشعب في الشوارع والميادين، رافضا المساس بأي مواطن مصري  خرج للتعبير عن رأيه سلميا، فكان الهتاف الأبرز في تلك الأيام الخالدة "الجيش والشعب ايد واحدة"، وهو الهتاف الذي أزعج أعداء الخارج وعملائهم في الداخل.

صباح 25 يناير


كان الحدث الأبرز صباح 25 يناير 2011، هو دعوة التظاهر التي انطلقت في مصر عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بالتزامن مع فوران الثورة التونسية، التى حظيت باهتمام عالمي واسع.
مع نجاح التوانسه في الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 يناير، اكتسبت الدعوة في مصر زخما جديدا شجع كثيرين في مصر على المشاركة في الاحتجاج، وهو ما أزعج النظام الحاكم ودعا صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري في ذلك الوقت، الي الخروج صباح 25 يناير ليؤكد علي فشل الدعوة للتظاهر، عبر تصريحه الشهير لصحيفة روزاليوسف اليومية "إحنا مش تونس".
اندلعت المظاهرة وسط ترقب محلي وإقليمي ودولي، تحت شعار "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" و"أحلف بسماها وبترابها.. الحزب الوطنى اللى خربها"، ولم تكن المطالب تتخطي إقالة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية، إلا أن كرة الثلج كانت أسرع مما تخيل الجميع.
ففى الساعة الثانية بعد الظهر، شكل متظاهرون مجموعات بمنطقة دار القضاء العالى، وأطلقوا هتافا مدويا "يا جمال قول لأبوك فى السعودية بيستنوك"، في إشارة واضحة وإسقاط علي إمكانية أن يكون مصير الرئيس حسني مبارك هو نفس مصير الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هرب الي المملكة العربية السعودية كمنفي اختياري له ولأسرته بعد الإطاحة به من الحكم.
انتهي اليوم الأول للمظاهرات وسط صدمة كثير من المراقبين والمحللين السياسين، الذين ظنوا ان تظاهرة 25 يناير ستمر مرور الكرام ولن يتعدي تأثريها مساء نفس اليوم، إلا ان مياه كثيرة جرت، وتوالت الأحداث مساء الثلاثاء وامتدت حتى الساعات الاولي من صباح الاربعاء 26 يناير.
كانت قوات الأمن قد أعلنت حالة الاستنفار الكامل في القاهرة والمحافظات بعد استشعار الخطر، بعد ساعات معدودة من فض اعتصاما للمحتجين في ميدان التحرير بوسط القاهرة فجرا، وبحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط، تم إلقاء القبض علي 90 متظاهرا على الأقل، بينما نقلت قناة النيل للأخبار خبر إصابة 27 متظاهرا في مدينة السويس في مناوشات مع الشرطة.
انطلاق هتاف "إرحل".

الشعب يريد إسقاط النظام

مع انتصاف النهار، كانت هناك تظاهرات صغيرة متفرقة ومناوشات تواصلت في مناطق مختلفة بمدينة القاهرة وعدة مدن من بينها السويس والمحلة الكبري وبدأ هتاف "إرحل" يتردد بين المتظاهرين مطالبين بتخلي مبارك عن السلطة، هو أيضا ما اعتبره كثير من المصريين في ذلك الوقت حلما صعب المنال.
ثم أصبحت مطالب المحتجين أكثر جرأة، وكانت الهتافات الرئيسية، في ذلك اليوم، "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية " و"الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو الهتاف المستعار من الثورة التونسية.
وبدأت وسائل الاعلام الدولية تشير إلي أن ثورة جديدة تتبلور في عقد الربيع العربي، وبدأت المنظمات الحقوقية العالمية تحذر من انتهاكات ضد المتظاهرين، الي جانب المطالبة بإطلاق سراح المتاظاهرين علي خلفية تظاهرة اليوم الاول.
استشعرت الدولة الخطر في ظل اهتمام عالمي بالتظاهرات، وإصرار الشباب علي مواصلة الدعوة للتظاهر علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك الذي شهد رواجا كبيرا في مصر وسجل انضمام عشرات الالاف يوميا .
وسط حالة من الترقب الحذر وحالة قصوي من الاستنفار الامني، بدأ يوم الجمعة 28 يناير 2011 أحداثه الجسام، تلك الاحداث التي كانت بالفعل غاضبة واستحق معها اليوم المشهود اسم "جمعة الغضب".
انتهت صلاة الجمعة التى ركز فيها معظم خطباء المساجد علي أهمية الحفاظ علي أمن الوطن، وانطلقت المظاهرات بالفعل وخلال ساعات قليلة كانت المواجهات الحامية بين قوات الشرطة والمتظاهرين تتسع في كل ميادين مصر في جنباتها الأربع.
وصل المتظاهرون إلى الميادين الرئيسية، وقبل نهاية اليوم اختفت الشرطة بعد فتح أبواب عدة سجون، وانتشرت آليات الجيش في الشوارع وأعلنت السلطة حظر التجول.
الصورة الأبرز للتحول الدراماتيكي، كانت قبيل الساعة الخامسة، حينما شوهدت قوات الحرس الجمهورى، تحيط بمبني الإذاعة والتلفزيون للسيطرة عليه بعد انفلات الأوضاع الأمنية في البلاد، معلنة بدء ليالي الرعب الحزينة بفعل عمليات التخريب وإشعال الحرائق التي سيطرت علي كافة مدن مصر.

الثريا واقتحام السجون

بحسب شهادات قيادات أمنية، بدأت عملية اقتحام السجون بعبور عناصر أجنبية الأنفاق بين قطاع غزة الفلسطيني وشمال سيناء فجر 28 يناير محملين بالأسلحة، مدعومين من عناصر تابعة لقبائل سيناوية، حتى وصلوا إلى نفق الشهيد أحمد حمدى فى السويس، وتم التقابل مع عناصر من قيادات جماعة الإخوان، ووصلوا إلى السجن الأول المعد للاقتحام وكان سجن المرج وأبوزعبل، وتم الاشتباك مع قوات تأمين السجن، بينما كانت هناك عدة لوادر مجهزة لهدم أسوار السجون وتم تحطيمها وتهريب المساجين.
كان عدد المشاركين في عملية الاقتحام نحو 500 شخص من حماس و150 من حزب الله، ونحو 500 من بدو سيناء، وكذلك عدد كبير من جماعة الإخوان، وتم تقسيم تلك الأعداد إلى أربع مجموعات مستقلين سيارات دفع رباعي، مجهزين بخرائط أقسام الشرطة، وبعد اقتحام المرج وأبوزعبل، توجهوا إلى سجن 330 و440 فى وادى النطرون، وتم إخراج الرئيس الأسبق محمد مرسي وعدد من قيادات الجماعة، وكانت المكالمة الشهير لمرسى مع قناة الجزيرة عبر هاتف الثريا في ظل انقطاع الاتصالات عن مصر في تلك الليلة.
الجيش يتعهد بحماية المتظاهرين

لم تعرف مصر طعما للنوم في تلك الليلة، فقد انتشرت الفوضي في كل مكان علي وقع أنباء اقتحام أقسام ومراكز الشرطة وإطلاق السجناء والمحتجزين.
انسحبت الشرطة من الشوارع، ونزلت القوات المسلحة الي والميادين للسيطرة علي الاوضاع الآخذة في الغليان، وتم إعلان حظر التجول في القاهرة والإسكندرية والسويس، ورحب المتظاهرون بنزول الجيش للشوارع، الذى أعلن أن عناصره لم ولن تطلق النار على المتظاهرين السلميين.

الجيش والشعب إيد واحدة


وأكد اللواء إسماعيل عتمان المتحدث باسم القوات المسلحة وقتها، أن الجيش لن يستخدم القوة ضد المحتجين، وأن حرية التعبير مكفولة بالوسائل السلمية، وهو التصريح الذي احتفي به الثوار الذين رددوا هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة".
واستمرت القوات المسلحة فى تنفيذ إجراءات التأمين والوجود فى الشارع المصرى المصرى وحماية المتظاهرين، وبالتزامن مع الاستمرار فى دعم قوات الشرطة للعودة لتنفيذ مهامها تدريجياً .
مارست القوات المسلحة درجة عالية من الوعي السياسي وإدرك حساسية المرحلة الراهنة، مما أوجد مناخا من الثقة بين الجانبين وعبر بمصر مرحلة شديدة الخطورة، مما أكسب القوات المسلحة ثقة كبيرة من قبل الشعب وتقبلا حسنا لقرارات المجلس العسكرى.
فقد لعبت الدور الأهم خلال فترة ثورة 25 يناير 2011، واستطاعت بجدارة الحفاظ على وحدة وصلابة مصر والوصول بسفينة الدولة الى بر الأمان وسط الأمواج العاتية التى كانت تعصف بدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وذلك سواء من خلال التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأعلى درجات الانضباط الوطنى مع أحداث الثورة، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية التى تلت إعلان مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية.

تم نسخ الرابط